مقابلات
/
بالمكشوف .. مقابلة مع الدكتور عبد العزيز بن عقيل
المكلا الاربعاء 12 /مارس/2025 | 08:15
بالمكشوف .. مقابلة مع الدكتور عبد العزيز بن عقيل
موقع محافظة حضرموت / صالح باعامر - موقع محافظة حضرموت / صالح باعامر - السبت - 11/8/2007
يشكل التاريخ بكل تفرعاته مهمة من المهام الكبرى التي تواجه الشعوب المتحضرة والأمم التي تبحث لها عن مكان تحت الشمس في عصر لا يعيش فيه إلا القوي بالعلم والإرادة ....
حاوره : صالح باعامر يشكل التاريخ بكل تفرعاته مهمة من المهام الكبرى التي تواجه الشعوب المتحضرة والأمم التي تبحث لها عن مكان تحت الشمس في عصر لا يعيش فيه إلا القوي بالعلم والإرادة لتجد لها نقطة ارتكاز وانطلاقة مدروسة نحو التقدم الحضاري . فمعرفة التاريخ قضية جوهرية تعرف الشعوب والأمم من خلالها تحدد هويتها وسماتها الثقافية و الحضارية لتتمكن من تحديد نظرتها وسياستها الراهنة والمستقبلية. وأي أمة إذا رغبت أن تعيش بحيوية وتفاعل مع هذا العالم المتنافس بل والمتلاطم والمتصارع من أجل العيش الحقيقي فلا بد لهذه الشعوب والأمم ألا تظل تابعة أو مستهلكة للحضارة والثقافة وإن كان من الضرورة بمكان أن تتلاقح الحضارات والثقافات الإنسانية للاستفادة من المنجزات العلمية والثقافية دون أن تفقد هويتها ، لتكون رديفاً حضارياً . كانت اليمن تمتلك بحضارة من أهم الحضارات في العالم كون مملكة سبأ مملكة عظيمة قدمت للبشرية منجزات حضارية هامة تمثلت في بناء السدود وابتكرت أساليب في الري والتجارة من خلال سيطرتها على أهم الطرق التجارية القديمة . وكان بإمكانها أن تسهم في تطور حضارتها لولا حالة الانغلاق التي عاشتها . واليوم يمكن لها أن تواصل ذلك التطور مع استفادتها من منجزات وحضارة العصر لأن الحضارة والثقافة شكل من أشكال التقدم البشري لا حدود له ولا يقتصر على عقل بشري دون آخر . إلا أننا نأمل أن تتجه كل البلدان العربية والإسلامية نحو مستقبل تتكامل فيه الجهود لكي تؤسس حضارتها الجديدة مستفيدة من موروثها وتراثها وحضارتها مع مواكبة ما قدمته الحضارة في العالم المتقدم . موقع الثقافة يشرفه أن يسهم في طرح هذا الموضوع للنقاش والحوار لمعرفة الذات العربية بداية ومن ثم التخطيط للارتقاء إلى ما وصلت الدول الأخرى . وهذا اللقاء الذي نجريه مع الدكتور عبد العزيز جعفر بن عقيل الباحث المتخصص في التاريخ والآثار مدير عام الهيئة العامة للآثار والمتاحف بمحافظة حضرموت نسلط الضوء على التاريخ اليمني الذي كان في يوم من الأيام نقطة التقاء للحضارات من خلال حضارتها وثقافتها ودورها التجاري في التاريخ القديم الذي كشف نقاط القوة في التاريخ اليمني ونقاط الضعف التي أعقبت ما استجد بعد تقهقرنا وانحطاطنا وتخبطنا وتجاربنا الفاشلة التي إلى اللحظة لم تخطو بعد نحو عالم جديد سمته إرساء أسس جديدة للتطور في كل مناحي الحياة . س : دكتور نرحب بك ويسرنا أن نستضيفك لتسلط الضوء على أهم قضية من قضايانا التاريخية والحضارية وباعتبارك أحد الشخصيات المساهمة في البحث والكتابة عن التاريخ وفق أحدث المناهج لاسيما في التاريخ اليمني عامة وحضرموت خاصة سواء كان ذلك من خلال البحث والتنقيب أو الترجمة التي قام بها بعض الأجانب..هل بالإمكان إعطاءنا فكرة ولو موجزة لتكشف لنا ما وصلت إليه الأبحاث والتنقيبات ومن الذي تراه استطاع الكتابة بأسلوب علمي للتاريخ * كل عصر وله علومه ومناهجه ج : كثيرون الذين كتبوا عن حضرموت من الأوائل .. ولكن كل عصر تتباين مناهجه . فالعلم يتطور والعالم أيضاً يتطور وكذلك المناهج لا على مستوى كتابة التاريخ وحده بل أيضاً على مستوى الأدب والفكر والنقد عموماً . لقد كان البحث في التاريخ فيما مضى يعتمد على الحوليات في كتابة التاريخ أو على التراجم والأفراد أو على الكتابة بتتالي السنين . وكتاب التاريخ كانوا يعتمدون على منهج واحد هو منهج الرواة . ويأخذون المصدر بعلاته ، وأي كتاب مثلاً له مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة يعتمد مصدر . لا يخضع للنقد لكن مفاهيم التاريخ تطورت وأصبح التاريخ اليوم يتم تناوله من عدة جوانب . والاعتماد على المنهج النقدي حتى المصدر نفسه لا بد أن يخضع للنقد .. مثلاً إذا وجدت مخطوطة قديمة لا يعني ذلك أن تعتمد كل ما ورد فيها كله صحيحاً .. قد تكون هذه المخطوطة قد كتبت لأهواء فلا بد أن تدرس دراسة منهجية علمية .. ولا بد أن تعرف العصر الذي كتبت فيه ولا بد أن تكشف وجهة نظر الباحث الذي قام بكتابة المخطوطة .. وأن تقيمه لتخرج باستنتاجات معينة إلى جانب استخدام علوم أخرى مساعدة لأن التاريخ لا يعتمد على الكتاب وحسب بل أيضاً على علم الآثار . مثلاً نجد باحث ما يرغب أن يكتب عن فترة محددة من تاريخ اليمن القديم .. عن مملكة بعينها أو عن بلدة معروفة أو عن فنون في هذه البلدة أو تلك المدينة . فهذا يدفعنا إلى دراسة الآثار .. ما هي هذه الفنون ؟ ما الذي أوجدته ؟ ما الذي تم اكتشافه ؟ وفي هذه الحالة يجب ألا تعتمد على الكتب التي ألفت عن الأساطير والحكايات وألا تعتمد على الأخبار والمرويات بل على ضوء دراسة مادية أثرية وعلى التعليل العلمي ليخرج باستنتاجات صحيحة مثلاً دراسة النواحي الاجتماعية لمملكة سبأ وحضرموت أو أي مملكة يمنية أخرى . فلو وجدنا نظام الحكم فيها شيء مما نسميه اليوم بالديمقراطية فنخضعه للمنهج الإنتربولوجي . مثلاً في حضرموت شهدت قيام الدولة الحديثة بعد استقلال الشطر الجنوبي عام 1967م سنجده يختلف عن مفهوم الدولة القديم .. مفهوم الدولة الحديث يرتكز على أساس كيان واحد بينما مفهوم الدولة القديمة في اليمن يقوم على أساس كيان واحد يقوم على عدة كيانات .. كان للقبائل كيانات محددة لها حكامها الذين يبتون في قضايا القتل والقضايا الأخرى . المدن لها حافاتها ومقادمتها ( حافاتها : أحيائها ، مقادمتها : جمع مقدم و هو القائد ) .. وهذا يبين لنا أن المجتمع ينظم نفسه بنفسه وهذا أسلوب ديمقراطي مقبول .. بل ومتطور . • كان بإمكان الدولة الحديثة أن تستفيد من ديمقراطية اليمن القديمة س : النظام الذي كان سائداً في اليمن يمكن أن نصفه بالديمقراطي المتعدد ؟ ج : بالطبع .. فلو كان ثمة مفكرون إبان النهضة العربية لاستفادت الدولة من ذلك النظام الذي كان قائماً في اليمن القديم رغم بدائية هذا النظام بدلاً من الاتكال على الديمقراطية الغربية التي تصلح لدول الغرب بكل مفاهيمها الأيديولوجية والفلسفية التي قد لا تكون كلها صالحة لنا .. لكننا بدلاً من الاستفادة من ماضينا المشرق . نأخذ الديمقراطية الغربية دون أن نراعي ظروفنا وأساليب حياتنا ومعتقداتنا . وأنت تعرف أن نظرة أوروبا كانت ولا زالت تنظر إلى دول وشعوب الشرق بأنها استبدادية . اليمن تختلف تماماً لأنها لم تكن استبدادية إبان الإمبراطورية السبأية لأن دولة سبأ أكبر الممالك اليمنية وأعظمها وكما هو معروف كان يوجد في اليمن نظام شورى كما ورد في القرآن الكريم . النظام الشوروي هذا ورد في النقوش التي ذكرت أن علية القوم عندما يريدون أن يبتوا في أمر ما يتشاورون مع ممثلي المدن ليتناقشوا حول كل ما يتعلق بشؤونهم وما على الملك إلا أن يأخذ بما تم الاتفاق عليه . كل منطقة كانت تنظم أمورها ومناطقها بأحكامها الخاصة بها . الدولة التي عرفتها اليمن ليست استبدادية لأنها كانت قائمة على التعاون وبناء المشاريع الكبيرة أو ما يسمى اليوم بالاستراتيجية ، تنفيذ المشاريع الاستراتيجية في اليمن لا يأتي بالقوة كما كان في مصر قديماً التي أقامت الأهرامات اعتمادً على نظام السُخرة والعبودية . تذكر النقوش أن آل فلان وفلان مثلاً قاموا بترميم سد مأرب وذبحوا عدداً من الخرفان. وتذكر أن الملك الفلاني قد شارك في البناء والترميم مع الناس . إن مثل هذا السلوك يسمى اليوم بتنمية المشاركة مثل هذا العمل يُشعر الناس أن هذه الأعمال تعود لهم بالفائدة فتجدهم يتفاعلون معها ومع الدولة التي تقوم بدور رعاية هذه الجهود فيقوم الناس بتسيير نفسها بنفسها ، هذا العمل الذي اصطلح على تسميته في العصر الحديث عند بعض الدول بالتسيير الذاتي . ولقد لاحظنا مثل هذا العمل في ريبون طوال تلك الفترة واكتشفنا أن الملك لم يأت ذكره إلا في بعض الأمور مثل إصدار الأحكام الصغيرة جداً أما فيما يتعلق بإصلاح السدود أو الأشياء المتعلقة بالعمل في المجمعات الحضرية نجد أن الناس يتعاونون على حلها لصالح التجمعات الحضرية الكبيرة وهذه مزية من مزايا الحضارة اليمنية القديمة التي تفوقت فيها على حضارات الشرق القديم إلى جانب ثمة مزية أخرى هي أننا لاحظنا استمرارية تلك الإنجازات إلى الآن ، بدليل أننا لم نزل نستفيد من نظام الري القديم فمنظومات الري القديمة هي نفس المنظومات المعمول بها إلى اليوم . كذلك طريقة البناء ، فالمباني القديمة التي كانت في مأرب ومناطق حضرموت وفي ريبون مثلاً هي نفسها تشبه نفس الأشكال الموجودة .. عندنا أيضاً المباخر التي كانت على شكل معابد تحولت إلى شكل قباب وهذا الشكل من المباخر كان موجوداً إلى عقد الستينيات من القرن العشرين ، قد نجد اليوم مباخر بأشكال مختلفة لأنها أتتنا من الخارج واختلافها جاء باختلاف العصر نتيجة للتقدم التكنولوجي ولأن شعوبنا تخلفت بسبب الاستعمار الذي أعاقنا من خلق حضارتنا الجديدة المستمدة من حضارتنا القديمة وإرثنا التاريخي من خلال تطويره تقنياً . س : كيف نكتب التاريخ بمنهجية علمية متطورة ؟ ج : كان الرعيل الأول من المؤرخين المحدثين في حضرموت من أمثال الأساتذة محمد بن هاشم وصلاح البكري وسعيد عوض باوزير ومحمد عبد القادر بامطرف خرجوا عن المناهج التقليدية التي اعتمدت على السرد المتتالي للحوادث من خلال ذكر التاريخ بالأيام والشهور والسنين . مثلاً في العام الفلاني حدث بين هذه القبيلة وتلك حرباً دون أن يبينوا نتائجها . والأمثلة عديدة لكن الأساتذة الذين ذكرناهم خرجوا عن هذا المنهج وحاولوا أن يقربوا التاريخ عبر شخصيات تاريخية معينة يتجلى ذلك فيما أورده الأستاذ سعيد عوض باوزير في كتابه الشهير ( صفحات من التاريخ الحضرمي ) هؤلاء الأساتذة وسعوا من مفهوم التاريخ ليشمل الفنون والفكر مبتعدين عن المناهج التقليدية . الذي بدأ بتلك الخطوة الأستاذ صلاح البكري .. ثم توالت الكتابات وطباعة الكتب لكن بعضهم لم يكتب التاريخ بحيادية فنجد أن صلاح البكري يهاجم فئة ما وآخرون يهاجمون الفئة الأخرى فظل التاريخ أسيراً للصراعات الاجتماعية والمراتبيات مما عبرت تجاربهم في كتابة التاريخ عن هذه المراتبيات وقد تجاوز كل هذه الأمور أستاذنا القدير محمد عبد القادر بامطرف . فأولئك كانوا يتناولون التاريخ من بداية الأحداث حتى نهايتها ومن عصور قديمة إلى العصر الذي يعيشه . ولأن الأستاذ بامطرف كانت اتجاهاته تراثية تحول في كتابة التاريخ . فنجده يتناول مرحلة محددة . ففي كتاب ( في سبيل الحكم ) تناول الصراع الكسادي القعيطي وفي كتاب ( الشهداء السبعة ) تناول الغزو البرتغالي للشحر ورغم أن الفترة لم تزد على عدة أيام إلا أنه أظهر الظروف التي سبقت الغزو ونتائجها وإفرازاتها . لا نقول أن هذا الكتاب قد اكتمل فثمة ملامات عليه في النواحي المرجعية والمصادر لكن هذا هو عصره وهو يشكل حالة متقدمة وقد أثر فينا وفي كثير من الباحثين في التاريخ بل على جيل بأكمله وأي مؤرخ مهما كان ينشر مقالة أو بحثاً أو كاتب إذا رجع إلى ما كتبه بعد فترة يخجل أن يقرأه لأن هناك معلومات تستجد ومصادر أخرى تظهر فالمرء لا يؤكد بأن أي كتاب قد اكتمل وأنه لن يخضع إلى أية ملاحظات أوإضافات أو تصحيح بعض المعلومات والمراجع والمصادر التي تخلق القفزات في النتائج التاريخية . إذا كان في يوم من الأيام أصدرت كتاباً أو نشرت مقالة تكتشف بعد فترة ما ظهور معلومات جديدة فتجد أن كل ما كتبت أو نشرت تنقصه أشياء وأن ما قمت به يكتنفه بعض الغموض وإنك قد خرجت باستنتاجات خاطئة . فلا بد أن تعيد النظر فيما كتبته . س : ما رأيك فيما يؤلف اليوم في التاريخ ؟ ج : ما يؤلف اليوم يذهب إلى الكتابة العائلية والأنساب ، جل ما يكتب هو البحث عن تاريخ العائلة . والكل يبحث عن عائلته وقبيلته أو منطقته قد يكون هذا مفيداً لمن أراد أن يكتب عن التاريخ عموماً لأنه سيستفيد مما كتب من حيث التجميع لأنه سيجد مادة موجودة لكن طريقة التجميع هذه لا أدري كيف تمت . اضرب لك مثلاً أحد الأشخاص كتب عن ريدة الجوهيين وقد أعجبني الكتاب من حيث توفر المعلومات التي قدمها عن المنطقة وساكنيها وعادات المنطقة والتفاصيل عن القبائل . فلو رغب كاتب التاريخ أو الباحث او المؤرخ أن يتناول تاريخ هذه المنطقة إلى جانب الكتابة عن حضرموت عموماً مثلاً لن يتكلف عناء الذهاب لأنه سيجد المادة الخاصة بها موجودة في هذا الكتاب وما عليه إلا أن يطلع على مصادر أخرى كالنقوش ومصادر ومراجع لتكتمل لديه الأمور سواء كان بالنسبة لهذه المنطقة أو غيرها من مناطق حضرموت أو اليمن عموماً . نلوم أنفسنا ونلوم الجهات المسئولة علينا قبل أن نوجه اللوم إلى الدولة وحدها، علينا واجب النزول الميداني كوننا أُهلنا لكي نكون باحثين في تاريخ اليمن عموماً أو في تاريخ بعض المناطق من اليمن لكي تقوم بإجراء التنقيبات لمعرفة التاريخ من مصادره العلمية والاستفادة من اللغات الأخرى . ولقد ابتعثنا من قبل الأستاذ المرحوم عبد الله محيرز رئيس المركز اليمني للأبحاث آنذاك الذي أدخلنا افضل الأكاديميات التي درس فيها عدد من أفراد البعثات الأجنبية التي تأتينا بين الفينة والأخرى للتنقيب عن آثارنا . وقد تأسس المركز اليمني للأبحاث لهذا الغرض وأظن أن الجامعات اليوم ملامة لأنها لا تدرس إلا تاريخ اليمن . بينما الجامعات في العالم تقوم بتدريس تاريخ بلدان العالم إلى جانب تاريخها . لأن الباحث أو رجل السياسة إذا كان يريد أن يعرف عن القرن الإفريقي كون هذه المنطقة تعيش مشاكل وصراعات سياسية واليمن مؤثرة ومتأثرة بهذه المنطقة بشكل أو بآخر بهذه المشاكل و الصراعات . يأتي هنا دور الجامعة ، وجامعة حضرموت وغيرها من الجامعات معنية بتوفير مثل هذه المعلومات للباحث ورجل السياسة وصناع القرار ليفهموا تاريخ المنطقة وعلاقاتها المتشابكة . مثلاً إندونيسيا لنا فيها مهاجرين يمنيين كثيرين فلو كان هناك شخصاً متخصصاً في الشؤون الإندونيسية سيقدم دراسات عن هذه البلاد حتى من الناحية الاستثمارية وليس التاريخية والثقافية وحدها كذلك بالنسبة للبلدان الأخرى كإفريقيا والهند التي هاجر إليها اليمنيين واستوطنوها . إذاً لا بد من قيام مراكز دراسات في هذا الجانب في الجامعة تُعنى بذلك . في الجامعات التي درسنا فيها كانت تدرس تاريخ العالم كله لمعرفة أوضاعها وتطوراتها وأسباب إخفاقاتها .. كل هذا يؤكد أنها تمتلك تخطيطاً سليماً لذا نجد الغالبية من كتابنا وباحثينا يكتبون في التاريخ الحديث لأن المصادر سهلة ومتوفرة وبعيدة عن التاريخ القديم إلا إذا استثنينا أفراداً قليلون يكتبون عن طريق النقوش ليس إلا ، بينما يفترض أن يدرسوا النقوش والآثار عن طريق الآثار . لذا لم نجد أي خريج من جامعة حضرموت في الآثار على الإطلاق . نجد أيضاً ثمة من يكتب معتمداً على النقوش لأن علم النقوش يختلف عن علم الآثار . النقوش هي علم الكتابات القديمة والذين يعتمدون على النقوش لم يتمكنوا من قراءتها ، لذا يلجئون إلى تفسيراتها المتوفرة ليقوم بكتابة بحثه . أتمنى أن يفتح قسماً في الجامعة خاص بالتاريخ القديم تتوفر فيه دراسة الآثار وكيفية التنقيب عنها ليتخرج منه طلاب يرفدون الجامعة والمراكز البحثية بالكادر الأثري وبالمصادر الأثرية إلى جانب قسم للأنتربولوجيا ( العادات والتقاليد ) وكيفية جمعها وتبويبها ودراستها ومقارنتها مع غيرها من العادات والتقاليد في مناطق أخرى . من هنا يأتي دور الجامعة في كتابة التاريخ حتى لا يكون فهم التاريخ مجرد سرد لأن هذا الأسلوب انتهى ، فكتابة التاريخ هو عملية أن تفهم مجتمعك وتركيبه وهويته لتخرج باستنتاجات هامة .. الحوادث لا قيمة لها إن لم ترتبط بغيرها من الحوادث لتؤدي إلى استنتاج محدد يفيد البحث الذي يخدم منهجه فلو أقدمت دولة ما على عملية انتخابية دون أن تدرس تكوين الشعب وظروفه التاريخية والجغرافية القديمة والنواحي الاجتماعية والنفسية ستكون النتائج خاطئة فكل شعب له تاريخه الخاص حتى التنمية وطرائقها تختلف باختلاف الشعوب . فلو عرفت شعبك ستحوله إلى عامل مؤثر يدفع بالتنمية عن طريق استخدام العوامل التاريخية لأن التاريخ ليس عملية ترفيه بل هو أيضاً عملية توظيف للحاضر والمستقبل للخروج باستنتاجات تهم المستقبل . • أهمية المصادر هناك مسألة أخرى وهي عدم تنظيم المصادر وقلتها . فلا تجد أرشيف مكتمل بالوثائق .. فإذا أردنا مثلاً أن نعرف عن التعليم الحديث في حضرموت فيجب أن نرجع إلى أرشيف التربية والتعليم ليطلع عليه الدارسين ليعرف الباحث بدايات تاريخ التعليم الحديث لأنه في هذه الحالة يتحول هذا الأرشيف إلى وثائق . ستعرف عدد المدارس ونوعية التعليم أو تتبع شخصية هامة لها أثرها في المجتمع ونوازعها المختلفة ، تعليمها ، ثقافتها ، مناشطها .. هل يحب الشعر والغناء والموسيقى أو الرياضة . هل هو سياسي .. لكنا لا نحفظ الوثائق . فإذا انتهينا من أرشيف قديم نأمر بحرقه . س : هل هذا ينطبق على اليمن فحسب ؟ ج : طبعاً هناك تفاوت .. مصر تحتفظ بأرشيفها القديم وأعتقد أن وجود الكادر الذي يدرب العاملين بأرشيف الدولة وكيفية حفظه وفهرسته وتقديمه للباحثين في أي مصدر كان . فالتاريخ ليس التاريخ السياسي وحسب بل هو التاريخ الثقافي وتكوين الأشياء .. كيف تكونت العمارة الطينية .. كيف كانت بداياتها وأسسها والعادات والتقاليد إلى جانب تاريخ التعليم والفنون وكل شيء يرتبط بالتاريخ . نأتي إلى دور النشر وهنا نجده عندنا متعثراً .. فنحن لا نجد مجلة محكمة تنشر البحوث التي تعتمد كمصدر . فنجد العديد الذين ينشرون أشياء غير جادة أو لا تعتمد إلا على مصادر ضعيفة تقدمها للقراء تصور ليس لدينا مجلة متزنة ولا نجد المتخصصين الذين ينتقدون الدراسات والأبحاث الهشة التي تنشرها بعض المجلات في التاريخ مما يدفع الطلاب المبتدئين إلى الاعتماد عليها . مثل هذه الدراسات يمكن نشرها في المجلات العامة لكننا نطالب بمجلات متخصصة تقوم بنشر أبحاث علمية يتناولها مؤرخون وباحثون في التاريخ المجلات الجادة تجد صعوبات جمة مثل ( الإكليل ) التي هي نادرة الصدور لأن قراءها قلة ، لذا لا تجد الدعم والإقبال عليها فهي توزع بين هيئة التحرير وحسب ، مثل ( الإكليل ) لا بد أن يقرأها المتخصص والمهتم . وبالإمكان إصدار مجلة علمية تجمع بين البساطة والجدية ، تتناول الموضوعات بطريقة سلسة ليقبل عليها عامة القراء ليكون دورها تثقيفي لينمي القارئ ثقافته ومتابعته للتاريخ لأن التاريخ مهم ويعد من مكونات الأمة فوجود مجلة كمجلة ( آفاق ) وغيرها مهم جداً . س : كل هذه الأفكار مهمة ويمكن أن تكون أساس لمتطلبات الحياة الثقافية والعلمية والمهنية .. وأنت هنا تطرح اللوم على الجامعات .. ألا تعتقد أن وجود جمعيات تعنى بالتاريخ سيكون لها الأثر لربط الناس بكل القضايا التي أثرتها إلى جانب الجامعة ؟ ج : توجد لدينا جمعيات في صنعاء وحضرموت لكنها على نطاق الجامعة وهي غير فعالة .. المعضلة هنا هو التمويل المادي سواء بالنسبة للكتاب أو المجلة أو الكاتب . فلا بد من دعم الدولة و التجار الذين لا يذهبون إلى المجالات الثقافية وهي مجالات مهمة . المهاجرين الحضارم قديماً في بلدان عديدة كإندونيسيا وشرق إفريقيا والهند كان لهم بصمات كبيرة في مجال الثقافة أصدروا صحفاً ومجلات وكتبوا وألفوا عن البلدان التي عاشوا فيها وعن حضرموت وكانوا يمتلكون لغات من هؤلاء (البُجره ) وهو حضرمي متخصص في الإنتربولوجيا ومعروف عالمياً وهو يحاضر في جامعات أفريقية وأمريكية . تصور جاء إلى هنا قبل سنوات وزار حضرموت ولم تقدم له الجامعة دعوة بينما هو من أهم الإنتربولوجيين وله كتاب في هذا التخصص . س : إذاً المشكلة ليست في عدم من يمتلكون القدرة العلمية والعملية في الكتابة وإنما في المؤسسات الموجودة مثل الجامعة ومراكز الأبحاث والجمعيات ؟ ج : كلامك صحيح مائة في المائة .. فبالرغم من الجهود المبذولة من أجل البحث عن المصادر والكتابة والتنقيب ، فإلى الآن لا يجد الخريج في التاريخ مقابل مؤهلاته العلمية والبحثية من الناحية المادية ، فالذي يأخذه من الراتب شيئاً زهيداً بينما الموظف العادي من مرفق إيرادي يأخذ أضعافاً مضاعفة من الذي يمتلك المؤهل العلمي وصاحب الخبرة في البحث أو الذي تأهل علمياً نجده يتبوأ مركزاً كبيراً في الدولة كمدير عام وأحياناً يتقاضى مرتب أضعف من غير المؤهل الذي يقوم بعمل مكتبي بينما هذا يؤدي عملاً ميدانياً علمياً ثقافياً لذا نجد المؤهلين في كافة المجالات يهربون من المجالات العلمية والفكرية والثقافية وحتى الفلسفية بينما الأمة تعتمد على العطاء الفكري والأدبي والفني والتاريخي فهذه المجالات تشكل هوية الأمة .. صحيح أيضاً أن أي أمة تحتاج إلى الاقتصاد لكن هوية الأمة وعطائها يكمن فيما يقدمه الباحث المؤهل والخبير والأديب والكاتب والمؤرخ والفنان ونحن هنا لا نقصد أن الدولة تعامل كل المؤرخين والأدباء والمفكرين معاملة واحدة وإنما النخبة القادرة على العطاء والإبداع . • علاقة التاريخ بالمجتمع س : وفي الوقت ذاته التاريخ لا يخدم التاريخ وحسب وإنما أيضاً الفن والأدب والثقافة والاقتصاد وكل أوجه الحياة ؟ ج : أكيد كل هذه الأمور متصلة ببعضها . فعندما يقدم التاريخ رموزاً فنية من تاريخنا بالإمكان للكاتب أو الأديب أو الفنان التشكيلي أن يستلهم منها موضوعاً فنياً . وقد وجدنا في الآثار القديمة رموزاً عديدة يمكن أن تكون موضوعات لعدد من الفنون والقصة والرواية . رمز الثعبان الذي وجدناه يمكن للمبدع أن يتخذ منه رمزاً ودلالة معينة فيما يبدعه . مثلاً رمز ( البقرة ) وغيرها من الرموز .بالإمكان للمبدع العربي أن يستعين به وغيرها من الرموز بدلاً من الرموز اليونانية والأساطير التي استعان بها المبدع العربي في إبداعه في فترة من الفترات وبإمكانه اليوم أن يعطيها أبعاداً فنية من خياله لتتعايش مع الزمن الذي يتعاطاه . س : ألا تعتقد أن الساسة وبعض المفكرين الذين ظهروا حديثاً أتوا بنظرة خربت ما يمكن الاتكاء عليه من تراثنا على اعتبار أن هذه الرموز كانت لها دلالة تعبدية ووثنية ؟ ج : لا أعتقد لأنني سبق أن تناقشت مع بعضهم وقلنا لهم إن نبينا محمد ? يقول ( خياركم في الإسلام خياركم في الجاهلية ) فالإسلام لم يشكل قطيعة مع الماضي . مكارم الأخلاق التي كانت موجودة عند العرب أبقاها الرسول ? . المضمضة كانت موجودة عند العرب . الاستنشاق ، غسل اليدين قبل الأكل وبعده .. كذلك حصة المرأة من الإرث . س : الجاهلية ليست الجهل بكل شيء وإنما الجهل بالتوحيد ؟ ج : بالطبع كان جهلاً بالتوحيد الإلهي ، والدراسة والحضارة الإسلامية كانت استمراراً لحضارات سبقت في أشياء عديدة وكون حديثنا عن التاريخ ، فاليمن شهدت حضارة عظيمة شهدت بها الديانات التوحيدية اليهودية والمسيحية . ديانات عبادة الرحمن ، اسم عبد الرحمن ذاته أتى من اليمن . لا أعتقد أن ثمة مشكلة ، وفي عصرنا لا أحد يعبد تمثال ، وهذه الرموز هي رموزاً فنية . تستخدم لأغراض فنية تحمل دلالات رمزية . س : هل لأنها تعمق الإبداع الفني بدلاً أن يكون الإبداع مباشراً لا يتجاوز واقعه فيغدو الرمز أكثر إيغالاً في الفن والرموز الفنية الشفيفة ، كون العرب قديماً تمكنوا من توظيف هذه الأمور ؟ ج. أنا معك لذا علينا ألا نعزل التاريخ عن الأدب والفن إلى جانب الحياة والمجتمع وبالإمكان الاستفادة من علم الأنتربولوجيا والقصة والرواية خاصة .يجب ألا نستبعد من ذلك وأنت لك تجربة في توظيف التاريخ والحكايات والغناء الشعبي والأسطورة في عدد من قصصك ورواياتك وبالذات رواية (الصمصام) التي أشارت إلى التراث البحري كيف كانت السفينة تبحر إلى مختلف بلدان العالم وكيف يواجه البحار والصياد والملاح البحر بكل أفراحه وأتراحه إلى جانب توظيف الفن الشعبي والغناء والأهازيج واستقبال الأطفال للسفن فوق الشاطئ والعادات القديمة التي انقرضت وكيف كانت السفن تتعامل مع العالم الآخر . فالبحر مثل في وقت من الأوقات نقطة ارتكاز بالنسبة للمدن والمناطق الساحلية من خلال دخول سفننا وملاحينا في تنافس مع الدول الكبرى وأساطيلها التي تجوب بحار العالم عندما كانت لنا مساهماتنا في التجارة وفي الرحلات البحرية وما أفرزته من فنون وشعر وحكايات كل هذه الأمور التي جسدتها بشكل فني فيما كتبت ونشرت ، ألم يكن كل ذلك من التاريخ . لقد انقطعنا عن العالم عندما سيطرت السفن الكبرى على البحار ولم نعد قادرين على مجاراتها ومجاراة التطورات الهائلة في كافة الميادين التجارية والاقتصادية والآن داهمنا عصر العولمة الذي لم نستطع مواكبته لأسباب تعرفها بينما كان المفروض أن يشفع لنا إرثنا الثقافي والحضاري لنتقدم ونجاري كل ما يحدث إذا لم نكن في المقدمة. س : أطلعنا على مساهمتكم في كتابة التاريخ والبحث والتنقيب عن الآثار .. هل بإمكاننا معرفة الشيء اليسير عن ذلك لاسيما عن ما قمتم به على مستوى الترجمة ؟ ج : التاريخ واسع وأنا لا أميل إلى الكتابة عن التاريخ فيما قبل الإسلام لأن ذلك يعد مهمة كبيرة وصعبة وتحتاج إلى مصادر ومراجع عديدة والخوض فيها يحتاج إلى مشقة مالية للعمل ميدانياً لكن بالإمكان اختيار موضوع يحكي مرحلة محددة ثم تأتي بقية الأجزاء واحداً بعد الآخر . س : بماذا أنت اهتممت واعتنيت ؟ ج: اعتنيت بالنواحي بالإنترغرافية وهي الإنتربولوجية التاريخية التي تعتمد على الآثار والنقوش . كيف نفسر الماضي بالحاضر والاستمرارية الحضارية الموجودة خاصة في حضرموت لأنني أعرف حضرموت فلو كنت أرغب في الكتابة والبحث عن سبأ فلابد أن أعيش في مأرب وحواليها يعني الإمبراطورية السبأية المفترض أن يكون هناك شخصاً آخر وعلى الهيئة العامة للآثار أن توزع الكوادر المختصة على عدد من المناطق الأثرية ليتم البحث بصورة منتظمة مثلاً يشكل فريق مهمته بحث الأعراف والتقاليد والعادات والتاريخ الحديث والإسلامي والقديم لعدة سنوات ليكون أي كشف أثري يلم بتفاصيله . فريق آخر يمكن أن يذهب إلى تعز والمناطق القريبة منها المتشابهة في تكويناتها . فريق ثالث يعتني بحضرموت والمهرة . أعتقد أن هناك من لا يعرف وادي سر وأهميته ومن يعيش فيه ، نحن نعذر الكتاب والباحثين لأن اليمن بلد كبير وبه آلاف الأودية وآلاف الشعاب وهي منطقة جبلية وليست منبسطة كمصر التي يستطيع أي مهتم أن يستقل سيارة ويذهب إلى أي مكان فيها خلال ساعات . س : البلدان المتقدمة تقوم بمهمة الدعم والتنظيم بما فيها الجامعات والمعاهد والمنظمات المعنية التي تدفع بالدارس أو الباحث أن يذهب إلى أي منطقة على حساب هذه الجامعة أو المعهد أو المنظمة لتعود الاكتشافات لصالح الجهة التي دعمت ونظمت ؟ ج : صدقت لأن بلدنا كان حضارياً وانتكس ... كانت أوروبا متأخرة إلى درجة رهيبة بدليل الحروب الصليبية التي شنتها على الشرق لقد كانوا حينذاك لا يعرفون شيئاً عن العالم .. لكنهم بعدئذ انطلقوا بفضل استيعابهم لثقافة الشرق . نحن مواردنا متواضعة لكنا لابد أن نحاول ثم أن هناك مسألة مهمة وهي التزود بالعلم ونجعله علماً مؤسسياً كأوربا العلم عندنا لازال فردياً . مثلاً أنا أشتغل في الإنتربولوجيا في حضرموت لوحدي مع النقوش والآثار أما في أوربا إذا كنت إنتربولوجياً لابد أن يكون بجانبك مختص في النقوش وآخر مختص في الجيولوجيا وثالث في الجغرافيا ورابع في اللغة اليمنية القديمة وخامس في اللغة الحبشية من خلال عملك الاستكشافي إذا ظهر أمامك نقشاً حبشياً تقف أمام هذا النقش لتعرف كيف جاء إلى حضرموت فتحيله إلى الشخص المختص في النقوش واللغة الحبشية وكذلك الحال بالنسبة للغات الأخرى ليدرسها. إضافة إلى تحليل المواد العضوية فإذا وجدت عظام حيوانات قديمة . تحيل هذه العظام إلى شخص مختص في علم الحيوانات القديمة ليحدد ما هي هذه الحيوانات وليحدد عالم النباتات القديمة و ما هو الغطاء النباتي الذي كان موجوداً لتعرف الجو الموجود هل هو جواً ماطراً أو غير ماطر . العلم في أوربا مؤسسي لذا نرى التفوق الهائل . العلم عندنا يكاد يكون فردياً وكل الاعتماد على كبار السن ليأتونا بمعلومات . س. هل هذا أيضاً ينطبق على كل البلاد العربية ؟ ج. حسب ما نلاحظه من خلال الخريجين فإن جُلهم يعانون مثلنا المفروض أن توجد بعثة عربية مكتملة للتنقيب في المناطق بدلاً من الاستعانة بالبعثات الأجنبية . س: إذا كانت الدول العربية غير مهتمة أين المؤسسات العربية أين الجامعة العربية ولجانها الثقافية والتربوية ؟ ج : الجامعة العربية تجتمع وأعضائها يتحدثون عن الثقافة والتاريخ وأهمية الحضارة وبعد أن تنفض الاجتماعات كل شيء يتبخر . لماذا العقول العربية تهاجر في كل المجالات حتى في الثقافة والأدب ، السبب عدم اهتمام بلداننا وأنظمتنا ومنظماتنا بهم وبالتخصصات والعقول . المتخصص إذا وجد اهتماماً من بلاده وحكومته وإفساح المجال له ليعمل في مجال تخصصه لن يغادر و العكس هو الصحيح فالملاحظ أن المتخصص لا يتحصل أكثر من راتبه الشهري ومنصب قد يكون منصب إداري محترم لكن ما الفائدة إذا لم يشعر بالطمأنينة ليمارس تخصصه. س. نريد أن نعرف السبب الحقيقي ؟ ج. السبب هو عدم توفر الدعم المادي فلو أراد باحثاً متخصصاً أن يقوم بزيارة ميدانية لمنطقة معينة ليدرسها لا يستطيع من الناحية المادية ، فلو كانت هناك مؤسسات علمية تقود العمل الجماعي في الجوانب التنقيبية والبحثية لا استطاع أن يقوم الباحث بمهمته هذه . في البلدان المتقدمة تدعم الدولة الباحث من أجل البحث سواء أخطأ الباحث أو أصاب المهم أن يبحث إلى أن يحالفه النجاح كما أننا نلاحظ أن العديد من المؤرخين في العالم اهتموا بتاريخنا أكثر منا . س. لقد قمت بترجمة كتاب " تاريخ حضرموت السياسي والاجتماعي قبل الإسلام " لأحد المؤرخين الروس كيف تمت العملية ؟ ج. الذي قمت به شيئاً يسيراً لكن الذين كتبوا كثيرون عن ريبون كتبت العديد من المجلدات أنا لدي خمسة مجلدات كبيرة عن ريبون باللغة الروسية وهناك كتبت أشياء كثيرة عن ريبون بالفرنسية وبلغات أخرى . البلدان الأخرى لديها معاهد خاصة ولديهم إمكانيات هائلة ونحن لابد أن يوجد لدينا مركز للترجمة و يجب أن تكون الترجمة مؤسسية بالنسبة لي عندما قمت بالترجمة كانت العملية بمثابة هواية لأني أرغب الموضوعات في هذا المجال وقيامي بترجمة تاريخ حضرموت السياسي والاجتماعي قبل الإسلام للمؤرخ فرنسواز لكي أعرف المناهج التي يستخدمها الآخرون عندما يكتبون عنا لنعرف كيفية كتابة التاريخ . الترجمة مهمة جداً . تصور اليابان كان سبب نهضتها الترجمة كل شيء كانوا يترجمونه عنهم وعن غيرهم في العلوم ، في التاريخ ، التكنولوجيا في المناهج الحديثة وأنت تعرف كأديب أن ثمة مناهج جديدة تظهر في كافة العلوم والآداب مثل البنوية وغيرها من المناهج النقدية التي تأتينا متأخرة بعد أن تظهر في العالم مناهج جديدة . لابد أن نواكب أحدث المناهج والاكتشافات العلمية الجديدة لنتابعها أولاً بأول حتى لا نعيد ونكرر ، ألا تلاحظ التكرار في كل حياتنا وبالتحديد الثقافية والأدبية لابد أن نأتي بشيء جديد أو نتوقف . س. إلى الآن ما الذي قمت بترجمته ؟ ج. قمت بترجمة عشرون مقالة وكتاب ، المأساة هنا أنك إذا قمت بنشر مقالة لا أحد يهتم بها بينما في البلدان الأخرى تصبح مرجعاً لكل من يريد الاستفادة منها هل تذكر تلك المقالة التي نشرتها بعنوان ( حوطة في طور التأسيس ) في مجلة آفاق في الثمانينيات من القرن الماضي لا أكذب عليك إذا قلت لك أن أكثر من خمسة عشر كتاب رجع إليها لأنها بحث ميداني وفيها شيئاً جديداً اعتمد على الزيارة للواقع لذا تم الاهتمام بها أما الأبحاث التي تأخذ من هناك وهناك وخلط الأوراق ببعضها لا تفيد ولا أحد ينظر إليها رغم كثرتها لأنك تجدها تكرر نفسها . مثل هذه الأبحاث سهلة لا قيمة علمية لها العلم الحقيقي لابد أن يضيف شيئاً حتى ولو كانت مقالة صغيرة . أين دور المنظمات المعينة وبالذات منظمات المجتمع المدني التي تدعم الآثار والتاريخ و المؤرخين والباحثين الذين ينقبون عن الآثار .. أضرب لك مثلاً في فنلندا توجد عمارة ضخمة بها العديد من اللجان المعنية بجمع الأساطير والحكايات الشعبية هذه اللجان يتحدد دورها في جمع البيانات من كل مدينة وبلدة وقرية تأتي هذه اللجان إلى هذه العمارة باستبياناتها ليقوم المختصين بمقارنة الأسطورة الواحدة ومغايرتها في المدينة أو البلدة أو القرية الأخرى لمعرفة أوجه التباين واختلافها في هذه المنطقة عن المنطقة الأخرى وفقاً لعادات وتقاليد كل منطقة . تجدها حكاية واحدة لكنها تختلف من حيث روايتها. الحكاية قد تكون معروفة عند الدارسين لكن الهدف من فحصها هو معرفة أوجه الاختلاف حتى لو كان الاختلاف بسيطاً . يتم تقسيم الحكاية إلى عناصر ثم يحددوا هذه العناصر وأسبابها ، يشترك في هذا التصنيف أساتذة في الجامعات وباحثين وطلاب مهتمين بالتراث . س : مكتب الهيئة العامة للأبحاث والآثار والمتاحف كانت له تجربة رائدة في الإصدارات التي طبعت بالاستنسل اليوم لم نر شيئاً ؟ ج. تصور صدر كتيب بالروسية استفاد من تلك الإصدارات ونحن الآن نطالب بطباعة تلك الأعمال التي جاءت نتيجة جهود مضيئة والذي دفعت الأستاذ عبدالله محيرز رئيس الهيئة آنذاك والذي كان مهتماً اهتماماً بالغاً بالآثار والأبحاث والدراسات في ذلك الوقت أن يلزم البعثة الروسية بعد كل موسم أن يقوم كل مختص بكتابة كل ما قام به من بحث وتنقيب وكنا نقوم بترجمتها ليل نهار لأكثر من عشرة أيام دون مقابل لأن كل همنا أن ترى النور . وكل ما صدر ولو بالاستنل في ذلك الوقت ، كان يفترض أن يطبع ويصور في كتاب يضم كل الدراسات والأبحاث بعد التصحيح . س. في الفترة الأخيرة عرفنا أنكم تقومون بزيارات بين الحين والآخر إلى مناطق في وادي حضرموت الداخل والساحل ، على ماذا ارتكزت هذه الزيارات وما هي نتائجها ؟ ج. قبل الاستقلال كانت هناك بعثتين تقومان بالتنقيب فقط هما البعثة الفرنسية والبعثة الروسية إلى جانب الباحثين الذين يأتون من فرنسا وبريطانيا يرافقهم نظراء يمنيين ليستفيدوا من طرائقهم وأنا أحد الذين استفادوا من مناهجهم أكثر من المعلومات التي يأتون لها لأن المعلومات سهلة بالإمكان أن ننالها من أي مصدر . بعد الوحدة ازدادت البعثات والآن تنقب في اليمن عشرات البعثات في العصر البرونزي قبل الحضارة اليمنية وفي عصر الحضارة اليمنية وفي الأعمال الإنتربولوجية وتوجد معاهد في صنعاء مثل المعهد الفرنسي والمعهد الألماني الأمريكي إلى جانب حركة النشر بالألمانية والفرنسية . وتوجد بعثات في مأرب والجوف وخولان ومنطقة صبر وفي حضرموت والمهرة وتوجد في حضرموت أيضاً البعثة الروسية التي عادت تعمل في ريبون ، وفي مكينون تعمل بعثة فرنسية في مجال الحضارة اليمنية قبل الإسلام التي تسمى الحضارة الكلاسيكية وتوجد بعثة أمريكية تشتغل في بدايات الزراعة في اليمن لأن هناك نظريات ظهرت تساءل أصحابها عن إنشاء الحضارة اليمنية هل ظهرت فجأة أو نتيجة تطور متدرج ، لأن بداية الحضارة اليمنية ظهرت في المناطق الجبلية بظهور السدود ثم انتقلت شيئاً فشيئاً إلى أن وصلت إلى حضارة سبأ التي ظهر خلالها سد مأرب الذي يعد من أعاجيب العالم أنه سداً عظيماً فنياً وهندسياً يفوق حتى السدود الحديثة . تقول هذه النظريات التي تعطي تفسيراً لكل ظاهرة. وقد ظهرت في القرن التاسع عشر أن أجداد اليمنيين قدموا من مناطق مابين النهرين وبلاد الرافدين والشام لكن ذلك لم يثبت علمياً.
بحث متقدم
هل تؤيد فكرة انشاء الأقاليم كأحد مخرجات الحوار الوطني ؟
نعم
لا
لا أدري
النتيجة
جميع الحقوق محفوظة
شبكة مواقع محافظة حضرموت 2005 - 2025
تصميم و إدارة
شركة التجارة الإلكترونية اليمنية المحدودة
اتفاقية استخدام الموقع
|
رسالة لحماية الخصوصية