والتثقيف وليس التجهيل , أقول قولي هذا .. وأنا أنوي أن أتحدث عن موضوع
الحراك الثقافي بالوادي , كيلا يظن أحدهم أنني أقصد من وراء هذا الحديث , الإساءة
إلى هذا أو ذاك من إخواننا الأدباء الأفاضل , الذين أكن لهم كل التقدير والإجلال
والاحترام .
وهدفي بطبيعة الحال هو أن نحاول معا كمهتمين
بالشأن الثقافي , أن نتصدى بالبحث والدراسة والتحليل , كل قدر استطاعته , للمشهد
الثقافي القائم بسلبياته وايجابياته , ونتناقش ونتحاور حولها بتعقل , وبلغة هادئة
موضوعية شفافة , ونحاول تحريك المياه الراكدة - كما يقولون – وتحريك وتنشيط وتفعيل
هذا المشهد , والارتقاء والنهوض به , لاسيما بعدما أصبح – كما يطرح الكثيرون -
يعاني من الركود والجمود والتعثر والتردي والانحسار آملا أن تجد هذه البادرة بسيطة
الأسلوب , مرتجلة الصياغة , آذانا صاغية ويتفاعل ويتجاوب معها الإخوة الأدباء
والكتاب بالوادي , وهم بالطبع أكثر مني ثقافة وعلما ودراية بالأمور , من خلال تقديم
قراءة متكاملة للمشهد الثقافي بالوادي سلبا وإيجابا , وحسبي أنني أطرح الموضوع على
بساط البحث والنقاش والحوار .
نعم .. إن ما دفعني لكتابة هذا الأسطر
الحديث الدائم لبعض المهتمين والمثقفين عن خمول الأدباء والشعراء والكتاب بالوادي ,
وأنهم استمرؤوا الكسل , واللامبالاة , وابتعدوا عن الساحة الأدبية , وأصبحوا يعيشون
بمعزل عما يجري حولهم , وكأنهم نسوا أو تناسوا الدور المنوط بهم , والرسالة
الإبداعية التي تقع على كاهلهم , وتساءلت : ترى ما هي الأسباب التي تقف وراء هذا
الحال المائل للشأن الثقافي بالوادي الذي لا يختلف إزاءه اثنان ؟
فإذا عرفنا وأدركنا هذه الأسباب , واستطعنا
تشخيص الداء كما يقال , ربما اكتشفنا الدواء والعلاج الناجع لإصلاح الحال , بإذن
الله تعالى وهذا هو الأمل والمراد , من رب العباد .
وفيما يلي سوف أشير إلى بعض الأسباب وليس
كلها ، وباختصار شديد على أن يدلو كل بدلوه – لاحقا – ويقول كل بما عنده . ومن بين
هذه الأسباب :
أولا : ضعف أداء اتحاد الأدباء والكتاب
اليمنيين فرع الوادي :
لا مناص من الاعتراف بتقصير اتحاد الأدباء
والكتاب بالوادي في أداء مهامه , وتراجع نشاط للوراء ، لاسيما بعد أن تعثر نشاط
سكرتارية الاتحاد الحالية , بشكل ملحوظ , وربما أن هذه السكرتارية تواجه بعض
العراقيل والمصاعب , لم تستطع تذليلها , إلا أننا نأمل أن تتحمل مسئولياتها بجدارة
, وأن تحاول تكثيف جهودها لكي تستطيع تسيير نشاط الاتحاد كما ينبغي , ولابد أن تتم
الاستفادة من المخصص المالي , لمصلحة الحراك الثقافي , وأن تنفذ كل الخطط التي
تضعها , ولا نعتقد أنها ستظل هكذا مراوحة في مكانها , محلك سر , وأن تظل قابعة على
الدوام في شرانق اللامبالاة .
ثانيا : غياب الجمهور المتلقي :
وعندما ينحسر الإبداع من ناحية , ويتراجع
الإقبال على قراءة أعمال المبدعين من ناحية أخرى . يلزم دق ناقوس الخطر , إن هذه
المعادلة تشير بوضوح إلى أن وجود الجمهور المتلقي شرط أساسي ومهم في تحريك وازدهار
العملية الإبداعية ، إلا أن الحاصل – للأسف – وفي ظل وسائل التعبير الأخرى ,
المعروفة للكل , وانشغال أكثر الناس بهمومهم ومشكلاتهم المادية , انصرف الجمهور
المتلقي عن المناشط والفعاليات الثقافية المحلية , وطالما سمعنا هذه العبارة ,
والتي أصبحت كأنها قولا مأثورا, بعد تنظيم أي فعالية شعرية : حضر الشعر وغاب
الجمهور , والأعمال الشعرية والنثرية التي طبعت ونشرت لبعض أدباء الوادي تندب حظها
العاثر في المكتبات .
ثالثا : غياب المتابعة النقدية :
إن غياب المتابعة النقدية للنتاج الثقافي ,
يؤدي إلى اختلاط الأوراق , والأصيل من المبدعين بالدخيل من الأدعياء , ولا يجد
الأديب الشاب الناهض من يقدم له النصيحة أو الرأي السليم الموضوعي فيما كتب ويكتب ,
ويفرز الجيد من الرديء في تجاربه ومحاولاته وأعماله , سواء أكانت فصيحة أو باللهجة
الدارجة والنقد الأدبي – أعزائي – بمفهومه الصحيح , ليس شتيمة وليس تجريحا ولكنه
جزء متمم لكل عمل , ولولا النقد ما اكتمل النضج الفني لكاتب أو أديب أو شاعر .
يقول الدكتور / عبد العزيز المقالح - وهو
يتحدث عن المعارك الأدبية التي دارت في العشرينيات والثلاثينات من القرن المنصرم –
سيئة الذكر – على حد وصفه ما يلي :
و من بين أخطر نتائج المعارك الأدبية التي
دارت في العشرينات و الثلاثينات من القرن العشرين – سيئة الذكر – أنها تثبت في
أذهان القراء حتى اليوم ، إن النقد الأدبي يعني الهجوم الحاد بأسلحة البذاءة على كل
ما يكتب من شعر أو نثر، وصار بعض المتطفلين على النقد الأدبي يرون أنه تشريح و
تجريح ، و ليس دراسة أمينة و نزيهة للنص الأدبي لتقريبه من القارئ و مساعدته على
اكتشاف ما فيه من أساليب تعبير مباشرة أو مضمرة ، ومن صور و لفتات فنية ، و طاقات
إبداعية سواء كان هذا النص الأدبي شعراً أو نثراً ، رواية أم مسرحية ، و هذا لا
يعني أن يخلو النقد الموضوعي من الملاحظات و الإشارات إلى العثرات الفنية و
المعنوية التي قد يكون قد وقع فيها رغم أنفه .
وتحضرني الآن عبارة أعجبتني للناقد الدكتور
المقالح أيضا يقول فيها : النقد في بلادنا .. إما إقبال كامل أو إدبار كامل .. و
العبارة واضحة و لا تحتاج إلى شرح أو تفسير أو تعليق .
رابعاً : تهميش المبدعين :
الأنظمة السياسية على اختلاف مشاربها لا
يختلف أكثرها على أن أهم واجهة تمنحها السمة الإنسانية و الحضارية – هي مقدار
ثروتها من المبدعين في مختلف المجالات الإنسانية و الإبداعية و مستوى ما يحتله
هؤلاء المبدعون من منزلة و مرتبة على خارطة - الأولويات - الوطنية و السياسية و على
صفحات الاستحقاق المعيشي و المهني و الدعائي و الحضاري . كما يقول الكاتب / محمد
سعيد سالم و يضيف قائلاً : " و أنا أشعر بالأسى على هذه - الثروة – التي لم تعرف
قيمتها الكبرى بعد في بلادنا ، إنها ثروة مبددة ، و في كل المجالات " انتهى.
إذن المعاناة و المكابدة المعيشية و التهميش
جعلت بعض الأدباء و الكتاب يتفرغون لمسؤولياتهم الأسرية و يتحولون – مضطرين – إلى
أدباء مع وقف التنفيذ دون أن يهتم بهم أحد أو يتلمس همومهم .
أخيراً و ليس آخراً : صراع المثقفين
نلاحظ أن بعض المبدعين يحملون على من يختلف معهم في الرأي ، و
لا يجيدون على الإطلاق الحوار الودي الهادئ أو الإصغاء للآخر بل ينظرون إلى الآخر و
كأنه عدوّهم اللدود، و بعضهم - و للأسف الشديد – يتفننون في الغيبة و النميمة على
من يختلفون معهم في الرأي لذا نشأ بينهم و بين الآخرين علاقة هشة و مضطربة متوترة
.. و مثل هؤلاء من الصعوبة بمكان أن ينتجوا أعمالاً إبداعية جادة وراقية ، تستحق
النشر والقراءة .
نتمن أن تسود بين الأدباء والكتاب المشاعر
الطيبة والألفة والمحبة ، وتتوجه كل طاقاتهم للإبداع والخلق والابتكار ويظل شعارهم
: " اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية " .
والمسألة كما ترون تحتاج إلى حيز كبير و إلى
نقاش طويل لعل و عسى أن – يظهر و يبان – في نهاية المطاف الأديب المنتظر .. الذي
يكرس حياته للمشروع الأدبي المنتظر .
أخيراً لا يسعفني إلا أن أشير إلى أن ثمة
أشخاص يعملون دون كلل أو ملل .. في ظل هذا المشهد الثقافي البائس .. فلهم منا كل
التحية و كل التقدير ..
وبدورنا في موقع محافظة حضرموت الرسمي ، نستطلع آراء القارئ الكريم حول
المشهد الثقافي في حضرموت عامة في ركن الاستفتاءات ،
انقر هنا للمشاركة
.