والابن .. وعاء وقالب يقبل كل شيء صب عليه ، لا يدرك الخطورة الكامنة في هذا الأمر وهو بدوره أيضاً ينقله بجهل إلى من هو في مثل سنه من الأطفال .. وهنا تحصل الكارثة الكبرى ومالا يحمد عقباه لا سمح الله .
ما جعلني أسطر هذه الكلمات هو ما سمعته وشاهدته من طفل لم يتجاوز الحادية عشر من العمر ، وهو يلعب مع أصدقاءه في إحدى الحارات إذ جاءه أحد أبناء جيرانهم ليشاركهم اللعب ، فإذا به يقول له وبأعلى صوته : " لا نريدك أن تلعب معنا " وهو شاحب الوجه وبكل عنجهية .. " لأنك لم تصل بالمسجد الذي صلينا فيه .. بل ذهبت للصلاة في المسجد الآخر !! " ذلك لأن المسجد الآخر ينتمي إلى طائفة غير الطائفة التي حُبِّبَت إليه والمنتمية إليها أسرته ، وهذا طبعاً ناتج عن السموم الفكرية التي تجرعها من قبل أهله وجماعته .
ذلك الطفل .. وغيره ممن هم مثله لا يعي بتاتاً مثل هذه الأمور والخطورة التي تنتج عنها ، وما بدر منه - كما لا يخفى - هو ما نشأ عليه في بيئة تنتهج فكرة معينة ألزمته ما انتهجته شاء أم أبى .
وما زاد الطين بلّة هو وجود أبيه في نفس المكان وهو يستمع إلى كل ما قاله ابنه ولم يفكر في انتهاره ، وكأنه لم يسمع ولا يعي خطورة ما يقوله ابنه بل تبسم في وجه سعيدا ونشوانا ، وطبعاً .. لا غرابة في هذا ، لأنه ثمرة ما زرعه فيه ، فأنى له أن ينهره .
ولم يقف الطفل عند تلك الكلمات .. بل بارك صراخه بما هزني وجعل بدني يقشعر كأني أصبتُ بمس كهربائي أو صاعقة نزلت علي .. وزلزلتني ، ودرت في دوامة من الحيرة والاستغراب مما تلفظ به ذلك الطفل " أنت كافر لأنك تنتمي إلى تلك الجماعة ونحن لا نريد أن نلعب مع كفرة – !!! دهشت كثيراً ولم أملك في تلك اللحظة غير أن قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
الطفل الآخر .. كان مندهشاً تماماً من حديث زميله له بهذه الطريقة الغريبة وأحسست حينها أنه لم يستوعب الكلام ولكنه تأثر فجهش بالبكاء وذهب إلى بيت أهله لتعرضه للإهانة والذل وجرح الكرامة بغير وجه حق .
• عندما تنتقل سموم المسائل الخلافية الفكرية من الكبار إلى الصغار وعلى جهل وغير علم بما سيحدث فهنا الأمر يحتاج إلى وقفه جادة فعلاً ، لإيقاف هذه الفتنة قبل أن تبلغ ذروتها ويحدث ما لم نريده أن يحدث وهذه كارثة .
• " الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية " ، ومهما كان نوع ذلك الخلاف فلا ينبغي أن يصل لدرجة أننا نسقي سموم تلك الفتنة والخلافات لأبنائنا الصغار ليتجرعوها .. فماذا نتوقع أن نحصد من ذلك مستقبلاً ؟
بلا شك سيكون الحصاد تفكك في المجتمع وتشويش في الخطاب وفي الأفكار لدى الشباب وبذلك .. لن يقبلوا أي رأي آخر محايد ، والمستفيد الأول والأخير من كل هذا أعداء المسلمين ومن يحاول زرع الفتنة والحقد والحروب بين المسلمين بأي أفكار دخيلة علينا يرون فيها تفكيك وحدتنا واختلافنا ، وواجبنا سد تلك الثغرات فلا نسمح لهم بذلك ، ولنظهر لهم مدى قوتنا وتماسكنا.
• وهنا نوجه رسالة في غاية الأهمية إلى كل أب وأم ومدرس ومدرسة وإلى كل من تحمل رسالة التربية والتعليم سواء في المدارس الدينية أو غيرها ، وأيضاً خطباء المساجد والوعاظ من أهل الوسطية والاعتدال بأن عليهم التنبيه بمخاطر تلك الفتن وآثارها السلبية على المجتمعات وخصوصاً آثارها السيئة على عماد المستقبل - الأطفال والشباب - لأنهم غير قادرين على التمييز لما يمكن أن يحدث ولا لخطورة هذه الأمور .
[email protected]