الشطف
صناعة الخوص واحدة من الصناعات التقليدية التي تنتشر في اليمن خاصة في المناطق التي يوجد فيها النخيل كوادي حضرموت مثلا ، ونظراً لأهمية هذا الفن الشعبي فقد تم إنشاء مراكز لرعاية الحرف والصناعات بشكل عام والحفاظ عليها وإبعاد يد النسيان عنها في هذا الزمن الذي تكتسحه الآلات . وقد كـان الخوص في الماضي من ضروريات الحياة عندما كانت المرأة في الوادي تؤمّن معظم احتياجاتها من منتجات الخوص على اختلاف أشكالهـا . والخوص الذي يصنع هنا من النوع الخفيف ويقصد به الخوص ذو التجديلة العريضة التي تشكل حسب نوعية الإنتاج ومن طبقة واحدة من الخوص لا أكثر . و تسمى صناعة الخوص " بالشطف" ويمكن تسميتها باسم "صناعة النخيل" لارتباطها بالنخلة كذلك يصطلح بعض الباحثين على تسميتها بـ" صناعة المنسوجات النباتية " ، أما المصادر العربية القديمة فتسمى صناعة الخوص باسم حرفة "الخواصـة" . وما زالت صناعة الخوص في وادي حضرموت ، وفي مناطق أخرى من بلادنا ، من الصناعات الواسعة الانتشار حتى اليوم ، ويتفاوت انتشارها وإتقان صنعها تبعاً للكثافة في زراعة النخيل وفي السكان . و من بين هذه المناطق مدينة سيئون و تريم و تريس و ساه و مدوده و الحوطة و السوم و غيرها ، و تلقى الحرف التقليدية و الصناعات الشعبية هذه إهتماما و رعاية من قبل بعض المنظمات العالمية مثل المؤسسة الألمانية للتنمية DED و غيرها ، و تقوم وزارة التعليم الفني و التدريب المهني بالتنسيق مع هذه المؤسسات بوضع البرامج و الخطط من أجل دعم هذه الحرف فتعمل على إقامة الدورات التدريبية و توفير الأدوات التي تعين المتدرب على ممارسة الحرفة مما يضمن له حياة ميسورة كريمة .وتستخدم في صناعة الخوص أوراق شجر النخيل "سعفها " مما سهل على الإنسان ممارسة هذه الصناعة اليدوية ، ولذلك نجد ـ إلى يومنا هذا ـ أعداداً كبيرة من الناس يعتمدون على هذه الصناعة ويتخذونها حرفة لهم ، وأدوات العمل الرئيسية فيها بسيطة وميسورة ، وهي اليدان والأسنان بالدرجة الأولى والعظام والحجارة المدببة ، أو المخايط أو المسيل التي تقوم مقام الإبرة بالدرجة الثانية ، إلى جانب بعض الأدوات الأخرى كالمقص ووعاء تغمر فيه أوراق النخيل ، وورق النخيل من النوع المركب واستعمالاته عديدة حسب موقعه من النخلة ، فالذي في القلب ( القلبة ) تصنع منه القفف، المكل و المسارف مثلا ، و يستخدم الحرفيون أيضا نوعا آخر من السعف الملون بألوان تضفي على المصنوعة الخوصية مسحة جمال أخرى كالأحمر و الأزرق و الأخضر . وتتوافر هذه الأصباغ في محلات العطارة . وتبـدأ الصباغة بغلي الماء في وعاء كبير وتوضع فيه الصبغة المطلوبة ، ثم يتم إسقاط الخوص المطلوب تلوينه ويترك لمدة 5 دقائق ثم يرفع من الماء ويوضع في الظل وبالنسبة للخوص الأبيض أو الحليبي فإنه يكتسب هذا اللون نتيجة لتعرضه للشمس فيتحول لونه الأخضر إلى اللون الأبيض . وعند تصنيع الخوص لابد من نقعه في الماء لتلينه ، سواء كـان خوصاً عادياً أو ملوناً ، لأن الصبغة لا تزول بالماء ، وبعد تطرية الخوص يسهل تشكيله ويبدأ التصنيع بعمل جديلة طويلة وعريضة متقنة الصنع متناسقة الألوان ، ويختلف عرض الجديلة حسب نوع الإنتاج ، وكلما زاد العرض كلما زاد عدد أوراق الخوص المستعملة وباتت الصناعة أصعب ، وبعد صنع الجديلة يتم تشكيل الخوص بالاستعانة بإبرة عريضة وطويلة وخيط ، ولو قمت بزيارة لإحدى الأسر التي تمتهن هذه الحرفة و سألت المشغل، فلن تجد مكانا معينا و لكنك وجدنا ستجد ان البيت كله و ربما خارج البيت أيضا مكانا للعمل تحت ظلال النخيل الوارف حينما تجتمع الأم مع بناتها بعد أن يكملن عمل البيت فيجلسن و الخوص بينهن تأخذ كل واحدة منهن نصيبها و تبدأ بالعمل الذي يلاقين صعوبة في بدايته فتأتي إحداهن تستشير أمها التي أصبحت معلمة في هذه الصناعات فتجيب عن كل تساؤلاتها و تعطيها درسا عمليا فتنطلق بهمة و نشاط كي تسبق أخواتها في إنجاز المهمة الموكلة لها .و اذا دخلت عزيزي سوق الحرفيين فأن اول ما يلفت انتباهك هو وجود المصنوعات الخوصية بشكل كبير و ملفت و ترتيب بديع يجعلك تطيل النظر و الإمعان فيما أبدعته يد المرأة اليمنية بل الحضرمية من منتجات جميلة بديعة تفي بكثير من احتياجات الأسرة ستدفعك إلى أحد الأركان التي تحوي هذه المنتجات لتتأملها .كان الإنسان في حضرموت و لا يزال يستخدم المصنوعات الخوصية كالمسرفة و أغطية و قفف الخبز و الأطباق التي يستخدمها لتنظيف و تنقية الطعام من الشوائب ( تطيوب البر ) و هذه تصنع من المطي و لعل أسرة آل مطبق هي التي اشتهرت بصناعة الأطباق خصوصا ، كذلك المظلات و المرابش و المكل و غير ذلك ، و لا شك أن هناك مصنوعات مستوردة أخذت تنافس مصنوعاتنا المحلية و تسحب البساط من تحتها .أيها الأعزاء : دورنا في تشجيع الصناعات المحلية يتمثل في اقتنائها و استخدامها و الاستغناء قدر الإمكان عن المستورد و ما ينبغي على الصناع هو الاتقان و المواكبة و الجودة ، عزيزي و أنت تعيش في فصل الصيف و في هذا الجو الحار وأنت تمشي تحت أشعة الشمس المحرقة و غالبا ما تكون عاري الرأس ، ماذا عليك لو ارتديت مظلة مصنوعة محليا ، إنك بذلك تقي نفسك حرارة الشمس الملتهبة و تشجع صناعة محلية و تعكس مظهرا جماليا فريدا ..لنا لقاء قريب مع صناعة شعبية أخرى انشأالله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .