النجارة
   
-

النجارة

 

مرحبا بكم أيها الأعزاء. .. لا أدري كيف أبدا حلقة الأسبوع و ما الصناعة الشعبية التي سنستعرضها فقد ظننت أني استوعبت الكثير منها و لكني تذكرت شيئا جعلني أشجع نفسي على زيارة لمدينة القطن ، وصادف أن كانت زيارتي أيام زيارة القطن الشهيرة ( زيارة الهدار ) فقد كنت عصر ذات يوم هناك فشدني فضولي ـ و ما أكثرنا نحن الفضوليين ـ شدني للذهاب إلى حيث الزيارة  و أقنعت نفسي أن هذه فرصة لا تعوض ، أشير إلى بموقع السوق ، ضممت نفسي إلى ركب المنجرفين نحو موقع الزيارة و هاهي التباشير تبدو كثيرون هم الباعة دلفت ـ الحوش ـ المخصص فإذا بي بين المتزاحمين و الأصوات المتشابكة فلا تدري من تسمع و ما ذا تسمع ـ كل في فلك يسبحون ـ و قابلت أناسا أعرفهم فدلوني على بعض الأماكن التي ظنوا أنها قد تشدني فهناك سوق للجمال و الأغنام و بالقرب منه سوق التمباك ، و في داخل الحوش أنواع متباينة من السلع فهنا المأكولات و هناك المشروبات ، وهذه أدوات منزلية ، و بجانبها لعب الأطفال ، و حتى اللحم رأيته يباع  ، و تجولت هنا و هناك بمفردي . و مما لفت انتباهي أيضا و فاجأني أن رأيت ركنا متألقا يشع بريقا و لمعانا أنها المنتجات و المصنوعات المحلية ـ قلت بيني و بين نفسي لقد تيسرلي  موضوع جديد حول حرفة جديدة ، إقتربت من هذه الزواية أسأل و أبحث عن صناعة لم يتناولها البرنامج : هنا صناعات خوصية ، مسارف ، أغطية ، قفف و ما إلى ذلك ، و هنا مصنوعات جلدية ، وهذه منسوجات وطنية ، و هنا التنانير و المصنوعات الخزفية ، هل سأعود بخفي حنين ، غير معقول ، و على مسافة غير بعيدة رأيت خيمة أخرى بداخلها رجل طاعن في السن و كأنه يعمل شيئا ، فضولي لايزال معي فدفعني إليه ، إنه جالس و بيده إحدى أدوات النجارة و حوله مصنوعات خشبية لطيفة و جميلة  ، هذا هو الموضوع ، نعم ، ثم رأيت صناعات أخرى موضوع حلقة جديدة ، إنها النجارة ، وحرفة النجارة حرفة قديمة وحديثة في نفس الوقت و هي من المهن الأساسية التى اعتمد عليها الإنسان و لايزال ، و قد شهدت تطورا ملحوظا ، ملموسا و محسوسا ، على كافة المستويات صنعا ، و شكلا ، وإخراجا . فأنت تشك أحيانا كثيرة أن هذه الصناعة ليست محلية ، و هذا يدل على مدى التطور الحاصل في صناعاتنا الشعبية و القدرة على جعلها مواكبة بل و أحيانا كثيرة منافسة لصناعات مستوردة . وهذا هو المأمول من أهل كل الحرف ، بما لا يطمس الهوية التاريخية و موروثنا الشعبي و طابعنا المتميز ، و كان الإنسان اليمني منذ القدم يوفر لنفسه كل ما يحتاجه من الأدوات الخشبية التي تعينه على حياته فمن الخشب صنع الأبواب الكبيرة ( السدد ) التي لازالت صامدة رغم تهدم المنازل فوقها ، و عليها الزخارف الجميلة و المتميزة ذات الطابع الفريد إضافة إلى النوافذ و السواري ( الأسهم ) و ما يرافقها و كذا الرفق و القواسم و القبل ، ناهيك عن الأدوات المنزلية الكثيرة المستخدمة في الطباخة و الشؤون المنزلية الأخرى فهنا الصحفة ، و المقدح ، المكيال ، الملخة للأطفال ، الكراسي و غرف النوم المتنافسة في الحسن و البهاء. و أشياء كثيرة لا يتسع المجال لذكرها .

أما اليوم فقد أصبحت النجارة ضربا من ضروب التجارة يحدد ذلك درجة الابداع فيها الشطارة ، ورش طويلة عريضة بطاقم فني متكامل بل و متخصص . فهذا وظيفته نشر الخشب و تهيئته ، و آخر يتابع النواقص و يعمل على توفيرها ، وذاك يرسم و ينحت ، و بعده شخص ينعم و يصبغ ، تخصصات كثيرة و متعددة ، و قد أبدع الإنسان اليمني و الحضرمي حقيقة في تقديم الجديد الممتع .

و قبل الصنفرة أو التنعيم إذا جاز لنا أن نسميه هنا ، تتم عملية الرسم و النقش و النحت و هي حرفة قائمة بذاتها نتعرف على بعض جوانبها هنا بالمناسبة ، ففي هذا الفن يستعين النجارون بمن هم أهل لذلك ، فقد أقامت الدولة المعاهد و المدارس من أجل تخريج الأكفاء في هذا المجال الذي يرتكز أساسا على الذوق و الفن و التعلم ثم الممارسة . فأنت عندما تشاهد نقشة بديعة على لوحة خشبية لابد أنك ستقف برهة من الزمن تتأملها و تتساءل أين اليد التي أبدعتها و رسمتها و أنجزتها

أيها الأعزاء : لقد ارتبطت النجارة منذ زمن قديم جدا بحياة الإنسان و لا تزال إلى يومنا هذا فهو لايستطيع أن يستغني عنها مهما كان الأمر فالصناعة الخشبية تلازمه من المهد إلى اللحد ، فأول مااستقبل هذا الإنسان حينما قدم إلى هذه الحياة ، المهد ( الهداة ) و هي مصنوعة من أعواد خشبية و جلود ، و إذا أنهى كل ماله في حياته و حان وقت المغادرة ، حمل على النعش و هي أيضا أعواد خشبية ثم وضع في المكان المخصص له في قبره . هذا ما كان . أما اليوم و في ظل التنافس الحاصل بين الخشب و الحديد و الألومنيوم في بعض المصنوعات كالأبواب و النوافذ و غيرها ، فإننا نصاب أحيانا كثيرة .. بشئ من الحيرة ، و لكننا أولا و أخيرا يجب أن نشجع الصناعات الشعبية و أن يكون بعضها مكملا للآخر و ليحترم كل واحد منا تخصصه : فإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه .. لقاؤنا بكم يتجدد في موضوع جديد إن شاء الله ..

 


    Bookmark and Share

هل تؤيد فكرة انشاء الأقاليم كأحد مخرجات الحوار الوطني ؟


النتيجة