السعف(الخبر)
   
-

السعف(الخبر)

 

في هذا الموضوع  سنقف مع صناعة شعبية من الصناعات المنتشرة في وادي حضرموت و كثير من مناطقه و خصوصا الأرياف إنها الصناعات الخوصيّة ( الوضانة ) و لعل هذه الصناعة قديمة أيضا إذ أن موادها و مواردها من نفس المناطق التي اشتهرت بها إلا أنه يمكن القول أن الخوص الذي يستخدمه اهل هذه الحرفة أنواع كثيرة منه ما يسمى المسح و هو أجود هذه الأنواع و كذا البطبوطي و الحرضة أو الخضرة كما يسميه بعض أهل هذه الحرفة يتم جلب هذه الانواع من الخوص من مناطق البادية في محافظة حضرموت و من محافظة المهرة و قديما كان ليوم مقدم السعف إلى بلدة مدوده ( شمال غربي سيئون )  مذاقا خاصا و ابتهاجا إذ إن معظم أهل هذه المنطقة يمتهنون هذه الحرفة .
و تعتبر منطقة مدوده هي الرائدة في مجال الصناعات الخوصية و خصوصا صناعة الخبر فقد اشتهرت منذ القدم بهذه الحرفة على وجه الخصوص و ما زالت إلى يومنا هذا إضافة إلى بعض المناطق الأخرى في الوادي مثل بور و تاربة و تريم و ساه و غيرها ، و الخبر : جمع خبرة و هي زنبيل مصنوع من السعف يستخدم لحفظ التمور في النخيل قبل قطعة  و تسمى هذه العملية :  أي وضع الرطب / إذا بدت عليه علامات النضج /  في الخبرة بعملية القنامة. و تتميز الخبرة بشكلها الجميل الذي يشبه إلى حد كبير شكل الخف أو قارب الصيد . فهي تتكون من جناحين متجافيين مفتوح طرفها و طرفها الآخر بيضاوي الشكل و يقسم الخبر حسب حجمه إلى خمسة أنواع رئيسية : العقدة و هو أكبرها حجما يأتي بعده كبير الحوطة فكبير سيئون ثم الربع الشافي و أخيرا لربع الصغير .  و تعد صناعة الخبر من الصناعات الخوصية التي تحتاج إلى خبرة في إعداد الخبرة فهناك خطوات عملية خاصة تحتاج إلى فن و إتقان ، و تبدأ عملية صناعة الخبرة بعد شراء السعف من سوق السعف الخاص و ذلك بتقسيم ( المشك ) إلى جزئين يسمى كل جزء ( سرف ) يوضع في زير الماء حتى يصير لينا رطبا ، و عادة ما يوضع هذا السرف عند غروب الشمس كي يبقى طيلة الليل مغمورا بالماء و يبقى إلى وقت المغرب من اليوم التالي ( 24 ساعة ) بعدها ينقل من الزير إلى المخمرة و هو مكان يوضع فيه السعف المبلول بالماء كي يجف ويذهب عنه ما علق به من ماء ، في صباح اليوم الثالث يقبل الحرفيون إلى السعف الذي أصبح الآن جاهزا للعمل و قد لان و أصبح نظيفا ليأخذوه وتبدأ مباشرة العمل ، فلو زرت  أحد البيوت التي تحترف صناعة الخبر بمنطقة مدوده فلابد ان يكون الوقت مبكرا إذ أن العمل يبدأ عادة قبل السادسة صباحا بأخذ السعف من المخمر و تشريقه أولا حيث يمسك كل فرد من أفراد الفريق ( و يتكون الفريق عادة من أفراد الأسرة ذكورا و إناثا كبارا و صغارا ) يأخذ سعفة واحدة و يجعلها جزئين ( خمس خوصات إلى اليمين و مثلها إلى اليسار ) بعد ذلك تبدأ عملية رص السعف بشكل فني منتظم عن طريق رص ( الحناظل ) و الحنظلة هي العود الذي ينتهي إليه الخوص في السعفة ، ويبدأ بناء الجناح و هو نصف الخبرة و بعد عصب نهايته  و الانتهاء منه يتم الانتقال إلى الجناح الآخر و هكذا ، و يمكن للفرد الواحد أن ينتج في فترة العمل الممتدة من السادسة صباحا و حتى العاشرة ظهرا و ربما إلى أذان الظهر 5 – 7 خبرات أو يزيد إذا كان ماهرا حاذقا / أي أن ستة من العمال النشطاء يكفون لإنجاز قرن كامل ( 40 خبرة ) خلال ست ساعات يوميا .
أما السفالة و هي الخبرة الخارجية الظاهرة في القرن فصناعتها تحتاج إلى خبرة ووقت أكثر لأن سعفها من أجود الأنواع و هو من نوع المسح إلا أنه أكثر طولا و أنصع بياضا ليضفي على القرن إشراقا و جمالا ، و لعلك عزيزي قد لاحظت الخبر  و أنت داخلٌ مدينة سيئون عبر شارع المطار بجوار سوق الحرفيين  يعكس مدى افتخار بلادنا بالصناعات التقليدية و الحرف الشعبية التي بدأت تنافسها اليوم الصناعات المستوردة ، فحتى الخبر الذي عرفه الحضارمة منذ زمن بعيد جدا يعاني اليوم من وجود منافس خارجي :


و وجد المزارعون في المنافس الجديد سهولة في التعامل و ربما نقصا في الثمن ، و لكن يبقى سؤال ، هل يؤدي المهمة كما يؤديها المنتج المحلي ألا و هو الخبر :

إذن كي نحافظ على تراثنا و اقتصادنا و قوتنا أيضا يجب أن تتضافر جهودنا و تتكاتف ، و لا نجعل الغزو يأخذ منا أكثر مما أخذ

لقاؤنا يتجدد بكم إن شاء الله في موضوع  اخر و مع صناعة شعبية أخرى شكرا لكم و السلام عليكم و رحمة الله .

 


    Bookmark and Share

هل تؤيد فكرة انشاء الأقاليم كأحد مخرجات الحوار الوطني ؟


النتيجة