الشاهي
صناعة شعبية تميزت بها مناطق وادي حضرموت عن غيرها من مناطق اليمن بل و الجزيرة و ربما حتى دوليا ،، صناعة شعبية عرفها كل بيت حضرمي ، و لايمكنه الاستغناء عنها غالبا . صناعة يجيدها الرجال و النساء على حد سواء و غالبا ما تكون من مهام المرأة في منزلها ،
و تتفنن المرأة في مدن وادي حضرموت في هذه الصناعة ، فهي قبل أن تكون صناعة تعد لونا من ألوان الفن و التميز .
حديثنا اليوم سيكون عن صناعة الشاي أو كما يسميه الحضارمة ( الشاهي ) و قد عُرف الشاي في حضرموت في أوائل القرن الرابع عشر الهجري عندما قام بجلبه من بلاد الحجاز و الشرق الأقصى السيد حامد بن عبدالله الجنيد ، و بداية لم يلق الشاي قبولا عند أهل حضرموت لأنه مشروب جديد لم يكن له وجود بينهم ، إذ كان مشروب القهوة هو السائد و هو الحاضر في المجالس كلها ، إلا أن الشاي فرض نفسه و أصبح منافسا حقيقيا و قويا لمشروب القهوة الذي مالبث أن تخلى عن مكانته ليحل محلها الشاي هذا المشروب الجديد الذي استطاع أن يلف الناس حوله خصوصا ممن هم من ذوي الثراء و الطبقات الراقية ، و ظل الشاي و لايزال إلى اليوم هو المتصدر في جلسات الأنس و الطرب و الأفراح و جلسات الدان الحضرمية ، و ترك للقهوة ما عدا ذلك من المجالس . و لعل هناك أسبابا أخرى ساعدت الشاي أن يكون هو المسيطر و السيد في المجالس
و أول من استعمل الشاي في سيئون السيد العلامة الإمام علي بن محمد الحبشي عام 1326 هـ و هذا كما يقول الأستاذ جعفر بن محمد السقاف من حسن حظ الشاي .
لقد عم شراب الشاي و اتخذه أهل سيئون ـ كما يذكر المؤرخ عبد القادر محمد الصيان ـ شرابهم المفضل و عقدوا له المجالس الخاصة و جعلوه جزءا من غذائهم اليومي فوجبة الصبوح تكون بالشاي و وجبة الغداء لابد أن يعقبها الشاي ، ووجبة العشاء لابد أن يكون معها شاي ، وجلسة البسط أي عند الضحى تكون الآن بالشاي ، و إذا جاء الضيوف أو الاصدقاء فلابد من الشاي ، مما جعلهم يتفننون أكثر من غيرهم في طبخه و إعداده و صناعته و استهلكوا منه كميات كبيرة ، فأقل بيت يستغرق ما بين 3 ـ 4 أرطال من الشاي شهريا . و أنواع الشاي كثيرة و غالبا ما تنسب إلى التاجر الذي يستورده فمنه : الباسلامة ، العطاس ، بن طالب ، المشعبي ، و الحبشي ، و غيرها و هناك أيضا أنواع أخر مثل الشاهي العطري و الشاكر : ( شاهي عطري و شاكر في رقاق الفنجين )
لقد قيلت في شراب و جلسة الشاي الحضرمية أشعار كثيرة لكبار شعراء حضرموت مثل : الحبيب علي بن محمد الحبشي ، صالح بن على الحامد ، علي أحمد باكثير ، و غيرهم ، أما حداد بن حسن الكاف فله أشعار كثيرة في الشاي و جلساته التي تترك الأثر واضحا في صاحبه لا سيما إذا كان المجلس عامرا بالأحبة و الخلان و الغيد الحسان ، فهاهو يقول في إحدى قصائده المعروفة :
قال المعنى بن حسن نسنس بصوت الدان ياذا الرضي
و خلنا با ننبسط على خزاهم لي يحسدون
ياداير الشاهي تفضل اسقنا من كاس شاهي هني
فنجان من شاهيك يقطع خرمتي يازين الفنون
و قبل أن نبدأ في معرفة خطوات صناعة الشاي و إعداده تعالوا بنا أولا نتعرف على أهم أدوات عدة الشاهي حسب الأولوية :
المشمّع : و هو طربال صغير يتسع لأدوات العدة التي توضع عليه بترتيب خاص
التبسي : وعاء حديدي دائري أو بيضاوي يوضع فيه البخار ي و صحن آخر لغسل الفناجين أمامه
البخاري ( السموار ) : و هو قطب الرحى ، و هو من الحديد أو النيكل إذ يتم فيه غلي الماء و به فوهة خاصة توضع فيها الجمار الملتهبة و له شكل متميز و قد حرصت وزارة الثقافة على تخليد هذه الأداة بأن جعلت لها مجسما في الجولة الواقعة أمام قصر سيئون بالسوق العام .
البرّاد : و في يوضع أوراق الشاي و مكانه فوق فوهة البخاري
الملتقي : و يوضع أسفل البخاري و تحته صحن صغير يتلقى ما بنفذ من شبكة البخاري من رماد أو جمار صغيرة حتى لا تحرق الطربال .
الفناجين : و هي من الزجاج الصافي و لها أشكال و أحجام متعددة متنافسة في الجمال
علب السكر و الشاي : لحفظ السكر و الشاي
الملاعق : لتحريك الشاي
علب التعبور : و هي إضافية للسكر ، تصاحب فناجين الشاي
معاشر الشاي : يوضع فيها فنجان الشاي و علبة التعبور ثم تقدم لمن يريد فنجانا من الشاي
قصعة الصخر : و فيها يحفظ الصخر ( الفحم ) حيث يتم تزويد البخاري من فحمها حتى تبقى النار مشتعلة طيلة جلسة الشاي
دلة الماء : لتزويد البخاري بالماء
البالدي : و به الماء الكثير المستخدم للعملية كغسل الفناجين و تزويد دلة الماء و غيره
منشفة الفناجين : لمسح الفنجين و تنشفها بعد غسله حتى تحتفظ بلمعانها
هذه أبرز أدوات عدة الشاي ، و إذا دخلت عزيزي المستمع بيتا حضرميا ستجدها في المقدمة ، إما مصفوفة على الأرض أو مرصوصة في الدولاب الخاص بها فهي من الضروريات التي تحرص الأم عند تزويج ابنتها على أن تكون في أول القائمة فهي و سيلة من وسائل دوام الألفة و المحبة بين الزوجين حينما تجلس العروسة بين يدي زوجها في غرفتهما الخاصة و قد تزينت بأحلى مالديها من الثياب و الحلي و تطيبت بأروع الطيب و هاهي جالسة خلف عدة الشاي متناسقة معها ، تأخذ هذا و تمسح هذا ، و تنفخ النار حتى لا تنطفئ و ينتهي السمر ، و ربما أحضرت شيئا من الحنظل و اللوز ، و مع أنغام أصوات الدان العذبة و الألحان الحضرمية الأخاذة يطيب السمر
ودي بسمره انا وياه في وسط بستان ولا بانظلي
بغيت البخاري على يمناه من كاس شاهيه يسقينا ونسقيه
و إليك خطوات صناعة الشاي بالطريقة الحضرمية : بعد أن يملأ البخاري بالماء النظيف ، توضع النار ( الجمرة ) في الفوهه المخصصة لها ، و يترك البخاري شامخا على الملتقي حتى يبدأ الماء بالغليان ، في هذه الفترة يتم غسل شعيرات الشاي في البراد و تصفيتها من الماء ، و يتم تحديد كمية الشاي بحسب العدد ، يترك البراد في مكانه أعلى البخاري ، بعد أن يكتمل غليان الماء في البخاري ( يفور ) يسكب من فوهة الماء إلى البراد الماء الساخن ختى يواري شعيرات الشاي ، ثم يضاف إلى البخاري كمية الماء التي سحبت منه ، يعاد البراد إلى مكانه ، و هنا يمكن أن يتفقد الصانع حالة النار هل تحتاج إلى إضافة بعض الفحم ( صخرات ) في الفترة التي يستعيد فيها البخاري فورانه للمرة الثانية يأخذ البراد قسطا من الوقت على النار ، و كلما زادت الفترة كان أفضل ، و هذه العملية تسمى عملية رسوخ الشاي ، أي تفاعله و نضجه ، في هذه الحالة يمكن أن تأخذ فنجانا من الشاي و لكن كيف تتم عملية تحضير فنجان من الشاي ، خذ فنجانا من معشرة الفناجين و خذ ملعقة و من علبة السكر خذ الكمية التي ترغب و لا تكثر ، بهدؤ خذ البراد من مكانه أعلى البخاري و قبل أن تسكب الشاي تأكد من أنك قد قمت بتكريس الشاي و هذا يعني أنك عاكست الشاي بسكبه في فنجان نظيف تماما وإعادته إلى البراد مرة أو مرتين ، أسكب كمية بسيطة من الشاي يواري السكر ثم أكمل ما تبقى من الفنجان من ماء البخاري الساخن إذا كانت كمية الشاي كثيرة يقال هذا فنجان حاد أو قاطع قم بتخفيفه من خلال تنقيص كمية الشاي و تكثير الماء و هكذا ، قدم الشاي لأهل بيتك و ضيوفك الكرام في معشرة صغيرة و لا تنسى أن تضع علبة صغيرة من علب التعبور ..
و يتم ارتشاف الشاي على دفعات تسمى كل دفعة ( الصبة ) و من الناس من يرغب في تناول الشاي قبل الأكل و منهم بعده ، و نحن حينما نطلق اسم الشاي دون تقييد فإننا نعني بذلك الشاي الأحمر لأن هناك أنواعا أخرى من الشاي ايضا مثل الشاي الحومري ( الكاركاديه ) الذي يظهر بشكل أكبر في المناسبات الكبيرة و الخاصة جدا مثل الجلسات التي تعقب الزفاف و عقد القرآن . بينما يفضل آخرون الشاي الأخضر و يعتبرونه صحيا . و هناك منعشات أخرى مثل الأوفالتين و الكاكاو و النسكافة تكون حاضرة في عدة الشاي كالحاشية بجانب الملك . و رغم صغر حجم فنجان الشاي الحضرمي إلا أنه يفعل فعلته ويؤثر عليك تأثيرا واضحا و يحكي البعض أنه يشعر بشئ من الصداع إذا امتنع عن شرب الشاي لفترة تزيد عن اليوم أو اليومين كحد أقصى ، و يعتقد البعض أن الشاي يعطيك حيوية و نشاطا و ربما أصابك بالأرق و أفسد عليك النوم ، ولكنك لا تنفك في البحث عن الشاي حتى تجده و هذا ما يعرف بـ ( الخرمة ) عند الحضارمة ( خرمان خرمان للشاي و العدة )
و هناك أناس تخصصوا في التفنن في هذه الصناعة التي أصبحت تمارس و تمتهن كصناعة مستقلة ، و ربما حضرت مناسبة عند بعض أقاربك و رأيت شخصا منزويا في أحد الأركان يحيط به عدد من المدمنين على تناول الشاي ، و يحبذ الكثيرون شاي البخاري الذي يعمل بالفحم على شاي السموار الذي يعمل بالكهرباء ، فالأول له لذعة و نكهة و خصوصية ، و نترك الحكم في هذه المسألة لك انت وفي الاخير نتمنى لك نكهة اذيذة ومزاجا رائقا والى اللقاء .