المعصرة
السلام عليكم . في أمثالنا الشعبية التي ترصد وقائع و أحداثا و تحكي حقائق و قصصا و تنشا من حادثة أو قضية حدثت فعلا لا تخلو من العظة و العبرة . تجد استخدام هذا المثل أو ذاك مناسبا لواقعة أخرى مطابقة لها في زمن لاحق ، هناك أمثال غاية في دقة التعبير و اختيار الكلمات . ما جعلني أقول هذا في بداية هذا الموضوع مثل رأيته عيانا و جذبني لأن أصحبكم في رحلة جديدة مع صناعة شعبية أخرى المثل هنا يقول : بعير يعصر و بعير يوكل التخ : أيها الأعزاء مرحبا بكم في موضوع جديد والذي سندخل فيه معا الى إحدى معاصر انتاج زيت السمسم أو كما نسميه نحن ( السليط المعصر ) لنرى كيف يتم انتاج هذا السليط الذي يعرفه كل واحد منا و يشتاق إليه ( ذوقا و طعما و رائحة ) منذ أجيال كثيرة , وفي معظم البلاد العربية حيث بدأت الحضارة .. كان زيت السمسم هو المستخدم في عمليات الطبخ و ذلك لرائحته الممتازة ونكهته الجيده ، إذ أن كثيرا من الناس يفضله على غيره من الزيوت الأخرى كزيت الزيتون مثلا . ويستخدم زيت السمسم الصافي ، في الطبخ بانواعة كما أنه يستخدم أيضا على السلطات والحمص والفول فهو يعطي نكهة لاتقاوم على الفول والحمص بخاصة ، و نخشى أنك لو جربت ذلك ـ عزيزي ـ أن تستغني عن كل الزيوت عدا زيت السمسم . و يرجع استخدامه في كثير من البلاد الشرقية كما تذكر بعض المصادر إلى 4000 سنة . و في بلادنا عموما و في وادي حضرموت على وجه الخصوص هناك العديد من المعاصر التي تقوم بانتاج السليط المعصّر من حب السمسم أو الجلجل كما يسميه الحضارمة ، وكان الجلجل في القدم يعصر باستخدام بعض الحيوانات النشيطة و الأليفة و لعل أبرزها على الإطلاق ـ الجمل ـ وهذه الطريقة على ما يبدوا أنه تم الاستغناء عنها فلم تعد موجوده إلا في عدد قليل من مناطق الوادي ، و يعتقد بعض الناس ان طريقة العصر الحديثة تغير طعم السليط المعصر نتيجة للمواد المعدنية المستخدمة . وهذا اعتقاد خاطئ لأن عملية العصر تخضع لعنصرين أساسيين . هما الزير و القطب فالأول يوضع فيه حب السمسم و الثاني ( القطب ) و هو العود الذي يدور في وسط الزير و دوره أن يقوم بالضغط على الحب و هرسه و من ثم استخراج الزيت منه ، أما الجمل فإن وظيفته هي تحريك القطب و كلما كانت الحركة بطيئة كانت النتيجة أفضل ، لذا ينبغي أن تكون حركة القطب بالكهرباء مساوية لحركته بالجمل من حيث السرعة و الإبطاء وهذا يحتاج إلى خبير جرب العصر بالجمل ، و لكن الفرق الذي يمكن أن يبرز هاهنا هو أن الجمل كائن حي يحس و يسمع ويدرك ، بينما الآلة الكهربائية تفتقد إلى كل هذا . ويعصر حب السمسم بارداً بعد تنظيفه من الشوائب وقد يعصر بعد تحميصه للحصول على نكهة خاصة . وتبدأ عملية العصارة بوضع كمية قليلة من حب السمسم في الزير و تركها فترة زمنية قصيرة حتى تدق و تهرس بشكل جيد بواسطة القطب ، ثم تضاف كمية ثانية و هكذا تدريجيا و يحدد قدر الكمية حجم الزير المصنوع من خشب شجرة السدر ( العلب ) فمنه ما يتسع لأكثر من 12 مصراء ، بعد مضي ربع ساعة من الزمن تقريبا يبدأ الحب بإفراز الزيت و كلما زاد الوقت زاد المنتوج و في هذا الوقت يقوم العصار بتزويد الزير بكميات من الجلجل وهكذا تزداد العصارة شيئا فشيئا حتى يمتلئ الزير فيستخرج العصار كميات الزيت بغرفها ، أما مخلفات السمسم بعد عصره و هو ما يعرف بالتخ فيأخذه أرباب الجمال كعلف لها و في المثل ( بعير يعصر و بعير يوكل التخ ).وهناك عدة انواع من حب السمسم مثل الاحمر والابيض والاسود و هو المستخدم هنا في وادي حضرموت ، و ينعكس لون الحب على لون الزيت . و يجلب السمسم من السودان و أثيوبيا و أرتيريا و غيرها من دول جنوب أفريقيا ، وقد كان المزارعون في وادي حضرموت يزرعونه و بكميات كبيرة في ما مضى من الزمان إلا أنهم في وقتنا الحاضر أهملوا زراعته لكثرة عنائه و قلة مردوده . و يبلغ ثمن الكيس الواحد الذي يزن حوالى ( 45 كجم ) الـ 10.000 ريال .ويعتبر زيت السّمسم من الزيوت التي تبقى صلاحيتها لفترة طويله مقارنة بالزّيوت الأخرى . و من أهم ما يمتاز به أنه يحتوي على نسبة عالية من الفيتامينات و على قيمة غذائة عالية حتى قيل انه الغذاء الكامل لكثر احتوائه على قيم غذائية مفيده. كما انه يستخدم كعلاج لكثير من الأمراض ويستخدم بشكل كبير كمغذي للبشره وللشعر لذا فهو من أفضل ما تستخدم المرأه للمحافظه على بشرة ناعمه وشعر ناعم صحي و لزيت السمسم أيضا فوائد كثيرة أخرى نذكر منها :• يستخدم في الطبخ لرائحته الممتازة ونكهت الجيده . • مضادّ للسّرطان. • لتخفيف القلق. • لأمراض اللثة والأسنان. • يساعد في تخفيف الكولسترول و يمنع تصلّب الشّرايين. • يستخدم كملين للجهازالهضمي وتخفيف الإمساك. • معالجة عدم وضوح الروئية و الدّوار و الصّداع. • لتدليك الجسم بسبب صفاته الخاصّة . • للصحة العامة والرشاقة وجمال البشرة والشعر. • يستخدم كحامي للبشرة من أشعة الشمس الحارقة. • يستخدم في حالة الآلام المصاحبة للحيض. • لتسكين الجفاف أثناء سنّ اليأس. • يحتوي على تركيبة بروتينات تجعله تقريباً الطعام الكامل. • يحتوي على كمية عالية جداً من الأميثيونين. • يحتوي على الدهن الأميني الذي يزيد الذاكرة. • يحتوي على فيتامين (E) الذي ينشط من الدورة الدموية. • يحتوي على الكالسيوم والبوتاسيوم، والفوسفات. و هناك مشكلة تواجه المعصرة الكهربائية . ألا و هي انقطاع التيار الكهربائي أثناء عملية العصارة . و لعل هذا من المساوئ التي تطرأ على صناعاتنا الشعبية التي تعتمد في أصلها على اليد العاملة و المادة المتوافرة في البيئة المحلية . و نحن هنا نشد على أيدي كل الحرفيين أن يحافظوا على الصناعات الشعبية و الحرف التقليدية بما يتلائم و الظروف البيئية المحيطة و الاعتماد بشكل رئيسي على المواد و الأدوات المتاحة محليا حتى لا نضطر لإيقاع أنفسنا فيما ليس لنا به طاقة ، فلا نحن اعتمدنا و حافظنا على الصناعة الشعبية كما هي و لا نحن واكبنا التطور و احتطنا لما يحتمل وقوعه فنقف عاجزين .الى اللقاء مع حرفة اخرى من الحرف التي اشتهرت بها محافظة حضرموت .