العصر الأول
   
-

العصر الأول     
العصر الأول     

تدل أقدم المعلومات المعتمدة على حضارة يمنيةراقية، يعود تاريخها على الأقل إلى القرن العاشر قبل الميلاد وتقترن هذه المعلوماتبذكر سبأ التي ارتبطت بها معظم الرموز التاريخية في اليمن القديم والتي هي بالفعلواسطة العقد في هذا العصر ، ويمثل تاريخ دولة سبأ، وحضارة سبأ فيه عمود التاريخاليمني، وسبأ عند النسابة هو أبو حمير وكهلان، ومن هذين الأصليين تسلسلت أنساب أهلاليمن جميعا،كما أن هجرة أهل اليمن في الأمصار ارتبطت بسبأ، حتى قيل فيالأمثال:

      تفرقوا ايدي سبأ ،والبلدة الطيبة التي ذكرت في القرآن الكريمهي في الأصل ارض سبأ، كما أن ابرز رموز اليمن التاريخية ، سد مأرب ، قد اقترن ذكرهبسبأ، وكان تكريمه بالذكر في القرآن سببا في ذيوع ذكر سبأ وحاضرتها مأرب ودولة سبأفي العصر الأول هي أكبر وأهم تكوين سياسي فيه، وما تلك الدول التي تذكر معها سوىتكوينات سياسية كانت تدور في فلكها، ترتبط بها حينا وتنفصل عنها حينا آخر، مثل دولةمعين وقتبان وحضرموت، أو تندمج فيها لتكون دولة واحدة مثل دولة حمير، والتي لقبملوكها بملوك سبأ وذي ريدان وذو ريدان هم حمير وأرض سبأ في الأصل هي منطقة مأرب ،وتمتد إلى الجوف شمالا، ثم ما حاذاها من المرتفعات والهضاب إلى المشرق

.     
    وكانت دولة سبا في فترات امتداد حكمها تضم مناطق أخرى ، بل قد تشمل اليمنكله وكانت مأرب عاصمة سبأ،وتدلل الخرائب والآثار المنتشرة التي تكتنف قرية مأربالصغيرة اليوم على الضفة اليسرى من وادي أذنه على جلال المدينة القديم وكبرها،ويرجح ان التل الذي تقع عليه قرية مأرب اليوم هو مكان قصر سلحين الذي ذكره العلامةالحسن بن احمد الهمداني قبل الف عام، والذي ورد ذكره بالإسم نفسه في النقوش اليمنيةالقديمة وقد تحكم موقع مأرب في وادي سبأ بطريق التجارة الهام المعروف بطريق اللبان،وكان اللبان من أحب أنواع الطيوب وأغلاها في بلدان الشرق القديم، وحوض البحرالمتوسط، وقد تميزت اليمن بانتاجها أجود أنواع اللبان وهو الذي كان ينمو في الجزءالأوسط من ساحله الجنوبي في بلاد المهرة وظفار، وقد أدى ذلك الطلب المتزايد عليهإلى تطوير تجارة واسعة نشطة، تركزت حول هذه السلعة وامتدت إلى سلع أخرى نادرة عبرطريق التجارة المذكور وكان يمتد هذا الطريق بصفة رئيسية من ميناء قنا في مصب واديميفعة على بحر العرب إلى غزة في فلسطين على البحر المتوسط، مرورا بمدينة شبوةومأرب، ثم يمر بوادي الجوف، ومنه إلى نجران حيث يتفرع إلى فرعين :-


      طريقيمر عبر قرية الفاو في وادي الدواسر، ومنه إلى هجر في منطقة الخليج، ثم إلى جنوبوادي الرافدين، وطريق رئيس يمتد من نجران نحو الشمال، مارا بيثرب، ثم ددان في شمالالحجاز، ومنه إلى البتراء، ويتجه الطريق الرئيس من البتراء نحو ميناءغزة.

       بينما يتجه فرع آخر إلى دمشق وإلى مدن الساحل الفينيقي ولا شك أنإستئناس الجمل الذي يرجح انه تم في القرون الأخيرة من الألف الثاني قبل الميلاد قدلعب دورا بارزا في إزدهار التجارة بقدرته على حمل الأثقال ولمسافات طويلة، وتتوافقتواريخ استئناس الجمل مع ما ورد في التوراة من إشارات إلى زيارة ملكة سبأ للنبيسليمان عليه السلام في القرن العاشر قبل الميلاد، وهي الزيارة التي تفيد وجودعلاقات تجارية بين بلاد الشام وبلاد اليمن، إذ تذكر الأخبار المرتبطة بتلك الزيارةان ملكة سبأ أحضرت معها كميات كبيرة من الطيوب منها اللبان وتعتبر أخبار هذهالزيارة كما وردت في التوراة أقدم الأخبار التي وصلتنا عن سبأ وحضارتها، وقصة هذهالزيارة مشهورة وقد طبقت شهرتها الآفاق وملأت اسماع الدنيا، وشغلت الناس عشراتالقرون، ذكرتها الكتب السماوية، وتواتر ذكرها في الأخبار وروايات متعددة، وخاصةموروث أهل اليمن، فملكة سبأ عندهم رمز تاريخي لحضارة يمنية قديمة راقي

    وقدكرمت ملكة سبا وقصة زيارتها للنبي سليمان بالذكر في القرآن الكريم،قال تعالى:(( وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت إمرأة تملكهم وأوتيت من كل شيئ ولهاعرش عظيم ،وإذا كانت التجارة وموردها المالي الوفير قد أسهمت بقسط عظيم في صياغة الحياةالعامة للناس وإزدهارها في مراكز الحضارة اليمنية القديمة ، وخاصة في قلب تلكالحضارة ، أرض سبأ وعاصمتها مأرب، فإن سد مأرب هو أهم شاهد على أن اليمن شهدت أيضاحضارة زراعية فائقة، وتشير بعض الدراسات الأثرية الجادة التي أجريت ميدانيا علىآثار السد إلى أن أسسه ربما تعود تاريخيا إلى قبل مطلع الألف الأول قبل الميلاد علىالأقل، وهو أمر يتوافق أيضا مع ما سلف ذكره من أخبار تتحدث عن حضارة يمنية راقيةمنذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد، وقد ذكرت النقوش ملكة سبأ التي حكمت في القرنالعاشر قبل الميلاد وبعدها ذكرت عددا كبيرا من المكربين والملوك الذين تولوا الحكمفي دولة سبأ.

    والفرق بين الملك والمكرب هو أن الملك يحكم شعبا واحدا أوقبيلة واحدة بينما المكرب لقب للمجمِّع والموحِّد لعدة شعوب أي الموحد،ووجودالمكربين في تاريخ اليمن القديم يشهد بجدارة على الجهود المبكرة جدا لتوحيد أهلاليمن تحت سلطة سياسية واحدة، وقد حاول أحد العلماء ترتيبهم زمنيا خلال الألف الأولقبل الميلاد، فبلغوا ما يقارب الخمسين، إبتداء من القرن الثامن إلى القرن الأول قبلالميلاد، ومن هؤلاء الحكام يثع أمر بين بن آسْمُهُ عَلَي الذي تذكره الحولياتالآشورية حوالي عام 715 ق،م مقترنا بالملك الآشوري سرجون الثاني وهو ما يشهد علىقيام علاقات دبلوماسية مع العالم الخارجي ، اما النقوش اليمنية فتذكره مقترنا ببعضالمنشآت المعمارية ومنها أنه سور مأرب، ومنهم أيضا كَرِبْ إل وتار بن ذمارعلي الذيبعث بهدية إلى الملك الآشوري سنحريب، حسب ما يذكر نقش بناء معبد بيت أكينو في آشور،حوالي 685 ق،م، ويرجح أنه هو نفسه صاحب نقش صرواح الكبير الذي يذكر أن هذا الملك قدقام بعدة حملات عسكرية داخلية خلال فترة حكمه يهدف منها إلى تثبيت السلطة المركزيةلدولته وتأديب من خرج عنه، وشملت حملاته مناطق أوسان وغيرها من المناطق الجنوبيةحتى باب المندب، كما شملت حملاته أيضا مناطق امتدت ما بين نجران والمعافر بلادالحجرية، من محافظة تعز وبعض مدن وادي الجوف، مثل نشان ونشق، ويذكر النقش أنه كافأالجهات التي حافظت على الولاء له مثل حضرموت وقتبان، وأنه قام بإصلاحات واسعة فيمنطقة مأرب ومنها قصر سلحين وسوَّر عددا من المدن اليمنية، وأصلح عددا من سبل الريوالأراضي التابعة لها.

     ويعد المكرب يَدَعْ إل ذريح بن آسْمُهُ علي أشهرحكام سبا في أمور البناء، فقد عثر على نقوش عديدة من عهده تذكر منشآته المعمارية،وخاصة المعابد، وقد ارتبطت باسمه معابد شهيرة باليمن القديم مثل معبد أوام البيضاويالكبير محرم بلقيس ومعبد صرواح ، ومعبد في المساجد وغيرها من الأبنية التي تنبئ عنآثارها عن مستوى راق من الإتقان المعماري والإبداع الهندسي، وظلت سبأ وحتى القرنالخامس قبل الميلاد الدولة الكبيرة الأم ، حين خرجت عن سيطرتها منا طق عدة واستطاعتأن تكون دولا مستقلة، ودخلت هذه الدول في منافسة مع سبأ، وشاركتها نفوذها السياسيوالتجاري، بل إن كل واحدة من تلك الدول لم تكن أقل شأنا من سبأ في أوج إزدهارهاوأبرز هذه الدول هي معين وقتبان وحضرموت، أما دولة معين فقد ظهرت في القرن الخامسقبل الميلاد في الجوف، بعد أن تمكنت مناطق الجوف بقيادة مدينة يَثُل = براقش العصمةالدينية من السيطرة على طريق اللبان التجاري بمساندة حضرموت وقتبان، ثم اتجهالمعينيون شمالا، وأقاموا المحطات التجارية والمستوطنات المعينية على طرق القوافلالتجارية مثل قرْية في وادي الدواسر على الطريق بين نجران والبحرين أي شرق الجزيرة، ومثل ددان في وادي القرى على الطريق بين نجران وغزة، ومن قرنو عاصمة الدولةالمعينية انطلق أهل معين يرتادون الأسواق العالمية في فلسطين ومصر واليونانوغيرها.

      وقد عثر بمصر على قبر تاجر معيني نقش اسمه زيد إلأ بن زيد وكانيتاجر بالمر والقرفة في مصر أيام بطليموس الثاني حوالي 264 ق،م، وكان العالم القديميعرف المعينيين، وقد ذكرهم مؤلفوا اليونان في كتبهم وسموا اللبان باسمهم، على أنتلك المصادر لا تقصر الذكر على المعينيين، وإنما تذكر معهم أيضا في اليمن: السسبئيين والحضارمة والقتبانيين، وكان أول ذكر لقتبان قد ورد في نقش الملك كرب إلوتار السبئي، وكانت حينها موالية لسبأ التي خلصتها من سيطرة أوسان، على أن قتبانمثل معين استطاعت أن تخرج عن سيطرة سبأ في القرن الخامس قبل الميلاد، وأن تمدنفوذها على حساب سبأ متحالفة مع حضرموت، كانت مدينة تمنع في وادي بيحان عاصمة قتبانوهو مقر قبائلها في الأصل ، وفي القرن الثالث والثاني قبل الميلاد بلغت قتبان أوجازدهارها وشملت رقعتها مناطق أوسان القديمة حتى ساحل بحر العرب، ومدت نفوذها جنوبالتشمل واحة الجوبة على بعد مسيرة يوم واحد من مأرب العاصمة السبئية، وتميزالقتبانيون بنشاط زراعي هائل، فأقاموا مشاريع الري في الوديان، وشقوا القنواتالطويلة وحفروا الآبار وبنوا السدود، وأحسنوا استثمار موقعهم على طريق اللبانالتجاري، فجنوا من الزراعة والتجارة الخير الوفير، وكانوا يعنون بسن الشرائع ووضعالقوانين التي تنظم أمورهم الاقتصادية، ولا تزال تقوم إلى اليوم وفي محل السوقالقديم بهجر كحلان تمنع العاصمة قديما مَسَلَّةٌ نقش على جوانبها تعاليم خاصة بسوقالمدينة واسمه سوق شمر ويبين النقش إجمالا الرسوم المفروضة ، وفئات التجار وغيرذلك، أما حضرموت في أقدم عهودها فقد كانت تابعة لدولة سبأ الكبيرة ثم موالية لها،وفي القرن الخامس ق،م، إبان ضعف الدولة السبأية خرجت حضرموت عن سبأ كغيرها وكونتدولة مستقلة، وقد نمت قوتها تدريجيا واكتسبت أهمية فائقة، خاصة لكونها تملك أرضاللبان في ظفار وكانت عاصمتها‎شبوة التي تقع في أقصى غرب وادي حضرموت على أطرافمفازة صيهد، وكانت تشمل في عز ازدهارها ظفارا ارض اللبان والنطاق الجنوبي الممتدحتى ساحل العرب، وتمتد شمالا باتجاه الربع الخالي وما يحاذي العَبْر، بالإضافة إلىموطنها الأصلي وادي حضرموت، وتبرز أهمية هذه الدولة بوضوح من خلال ذكرها وذكرعاصمتها في المصادر الكلاسيكية، إذ تذكر أن شبوة عاصمة حضرموت كانت مركزا هامالتجارة اللبان.

    Bookmark and Share

هل تؤيد فكرة انشاء الأقاليم كأحد مخرجات الحوار الوطني ؟


النتيجة