قصة مدينة مساجدها بعدد أيام السنة .. تـريـم مـديـنـة الـقـصـور والـمـآذن
   
تريم/موقع محافظة حضموت/صالح البيضاني - الجمعة 27/يوليو/2012
tareem_04.jpg
تعتبر مدينة تريم واحدة من أهم مدن حضرموت نظرا لمكانتها التاريخية والدينية والثقافية على مر العصور ..ماجعل منها واجهة يقصدها الباحثين عن سياحة الروح والعقل ..فبين جنبات المدينة القديمة تقع اليوم أهم أربطه ومدارس العلم الشرعي إلى جانب مكتباتها الثرية وجوامعها العريقة التي تعانق مناراتها البيضاء عنان السماء وتقف بشموخ آثار قصورها التي كانت مساكن لملوك وسلاطين سكنوا المدينة وسكنت فيهم.
أنها قصة مدينة ارتبطت فيها انجازات المادة بقيم الروح فكل مبنى له قصة وكرامة وكل حائط يحكي تاريخ غابر منذ نبي الله هود الذي مازال قبره مزارا وتذكارا لمدينة يرجع تاريخ تأسيسها إلى القرن الرابع قبل الميلاد حيث يرجع الباحث سعيد عوض باوزير في كتابه (معالم تاريخ الجزيرة العربية) تأسيسها إلى عهد الحكم السبئي لحضرموت مشيرا إلى أنها سميت باسم أحد أولاد سبأ الأصغر أو باسم القبيلة التي من تريم هذا). .فيما يقول ياقوت الحموي في كتابه الشهير (معجم البلدان) ،أن تريم إحدى مدينتي حضرموت.. لأن حضرموت اسم للناحية بجملتها ومدينتيها شبام وتريم هما قبيلتان سميت المدينتان باسميهما. كما يقول المرتضى الزبيدي صاحب كتاب(تاج العروس)أن تريم سميت باسم بانيها تريم بن حضرموت.

منارات وقصور

لعبت مدينة تريم دورا كبيرا في خدمة الإسلام ونشر العلوم الدينية وتعليمها منذ أن اشتهرت في مطلع العصر الإسلامي كعاصمة لوادي حضرموت حين كان يقيم فيها العامل ( لبيد بن زياد الأباضي) وقد كانت تريم العاصمة السياسية لوادي حضرموت في عهد ملوك كندة وبقيت كذلك حتى العام 1521م عندما استولت عليها الدولة الكثيرية .. كما كانت ومازالت تعد كعاصمة حضرموت الدينية من خلال انتشار المدارس الدينية والعلماء الذين وصلت آثارهم إلى كل أرجاء الأرض وكان لهم الدور الكبير في نشر الإسلام في دول شرق آسيا والهند وأجزاء من القارة الإفريقية مع بدايات القرن الثاني عشر الهجري عندما هاجر الكثير من أبناء تريم إلى أفريقيا وجنوب شرق آسيا بغرض التجارة ولازالت المدينة حتى اليوم مقصد رئيسي للراغبين في تعلم العلوم الدينية من مختلف أنحاء العالم .
وقد اشتهرت تريم بكثرة مساجدها التي تجاوز عددها ثلاثمائة وستون مسجداً ، وهو عدد كبير مقارنة بحجم المدينة وعدد سكانها ولكنه يحمل دلاله خاصة من خلال اقترابه من عدد أيام السنة كما يقول البعض.. ومن أشهر مساجد المدينة جامعها الذي يرجع تاريخ بنائه إلى العام (375 – 402هـ) ، حيث بني في عهد الحسين بن سلامة الذي ولي الحكم في اليمن عام (375هـ) و تـصـل مساحـة الـجـامع إلى ( 19110 قدماً مربعاً ) ، وتحمل سقفه ستون دعامة أسطوانية ، قطر الواحدة (16 بوصة) ، وللمسجد ثمانية أبواب ، وتزينه المنارة التي بنيت في منتصف الجدار الشرقي للمسجد ، ويبلغ ارتفاعها (115 قدماً) ، ويضم الجامع بين جنباته مكتبة الأحقاف التي تحتوي على عدد من أندر الكتب والمخطوطات العربية والإسلامية في مختلف مسائل الدنيا والدين يصل عددها إلى حوالي (5300) كتاباً مخطوطاً في شتى المعارف والعلوم ( التفـسير ، الفـقه ، الحديث، الأدب ، التاريخ ، السيرة النبوية ، الطب ، الرياضيات ، الفلك ) والتي يعود تاريخ معظمها إلى القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين , أما أقدمها فيعود للقرن الخامس الهجري ويتميز بعضها بالندرة مثل النسخة الأصلية لتفسير السيوطي و نسخة الجزء الثاني من كتاب القانون في الطب لأبن سيناء تعود لسنة 633هجرية كما يوجد بالمكتبة نسخة في جزئيين بخط بديع ومزين بالذهب لكتاب الشفاء بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي نسخت سنة 763هجرية .
ومن أشهر مساجد تريم كذلك مسجد المحضار الذي يتميز بمنارته البيضاء المربعة التي يبلغ ارتفاعها (175 قدماً) ، وقد تم بناؤها عام (1333هـ) من الطين وجذوع النخيل ، وهي من تصميم الشاعر والأديب أبوبكر بن شهاب المتوفي في عام (1334هـ) . . والجامع يعد من أبرز مظاهر التفرد المعماري التي تتميز به المدينة والذي يتجلى خصوصا في بناء مناراتها الشاهقة والتي تتميز بشكلها المربع أو المخروطي الذي يضيق كلما ارتفع البناء الذي غالبا ماتستخدم فيه المواد التي عرفت بها المنطقة وهي الطين وأعواد النخيل أما من حيث مكونات المساجد عموما في المدينة فقد حافظت على التكوين التقليدي للمساجد في اليمن مع الاختلاف في الأسلوب الفني الذي تأثر فيه أهل المدينة بأساليب البناء في دول شرق آسيا التي عاشوا فيها كما هو الحال مع الأديب والعالم بن شهاب الذي عاش جزءا كبيرا من حياته في الهند وعدد من الدول الإسلامية وهو الأمر الذي انعكس بشكل واضح على أسلوب تصميمه لمسجد المحضار ومنارته التي يقول بعض الباحثين المعماريين أنها اتخذت «شكلا جديدا للمنارة لم تعهده المنطقه» وأن ذلك الشكل استوحاه المصمم « من وحي عمارة المآذن التي سادت في بعض المناطق التي قطنها ، ألا وهي العمارة المربعة» حيث دخل هذا الأسلوب «ولأول مرة في تاريخ العمارة الطينية في حضرموت من خلال بناء منارة مسجد مربعة القاعدة هرمية الشكل بهذا الارتفاع « حيث تعد منارة جامع المحضار» أول وأطول منارة طينية مربعة الشكل في وادي حضرموت بل وفي العالم أجمع « كما يقول بعض المهندسين والباحثين في تاريخ العمارة الإسلامية في اليمن .
وقد تحدث عن المنارة الرحالة فاندر ميولن عند زيارته لتريم في العام 1931م واصفا إياها بالقول :(هذه المئذنة مبنية على النسق الحديث ، المآذن الحضرمية الأصيلة هنا مستديرة وتضيق قليلا عند القمة ... وفي قمتها عمدان صغيرة تقف عليها القبة ويبرز اللون الأصفر الشاحب واضحا عكس السماء الداكنة الزرقة وفوق أشجار النخيل بألوانها الرمادية الخضراء ، ولكن هذه المئذنة مربعه وملونه بالأزرق والأبيض وبها العديد من النوافذ الصغيرة وتزينها حواش رمادية وهي تضيق أيضا عند القمة حيث هناك سلالم لولبية من الطين لا تناسب إلا الأشخاص النحاف ، وفي القمة أيضا قبة صغيره بها أعمده يقف عليها السقف).
وتضم مدينة تريم بحسب إحصائية رسمية لإدارة المدينة 59 موقعا تاريخيا ودينيا بارزا يأتي على رأسها القصور التاريخية التي تشتهر بها المدينة مثل «قصر الكاف عشه « و « قصر المنيصورة « و قصر عبدالرحمن بن شيخ الكاف» إضافة إلى سور المدينة القديم وبواباتها وحصونها مثل «حصن الرناد» و حصن العز» و» حصن غرامه « .. كما تشتهر تريم بوجود قبر نبي الله هود والذي تقام الزيارة له في منتصف شهر شعبان من كل عام . .ويبعد القبر عن مدينة تريم 90كم باتجاه الشرق، ويقع على ربوة مرتفعة و يعود تاريخ بناءها بشكله الحالي إلى العام 1673م.
والى جانب اشتهار المدينة بمعالمها الدينية و كثرة علمائها فقد عرفت تريم كذلك بكثرة شعرائها وأدبائها الذين تغزلوا وتغنوا بمآثرها كما هو حال الشاعر المعاصر جنيد محمد جنيد الذي يقول في إحدى قصائده في وصف المدينة :
«لم تزل مثلما عبرتنا صغاراً
تريم التي أمس كنا
قرأنا على سورها القرمزي...
حديث الطفولة..أدعية الأولياء
قرأنا قبور النخيل التي صرخت
فوق مجرى المياه...
رسمنا تريم التي بسطت ساعديها
بوادي الهوى
تتراقص بين الزوامل..بين الهبيش».


    Bookmark and Share

هل تؤيد فكرة انشاء الأقاليم كأحد مخرجات الحوار الوطني ؟


النتيجة