اليمن الكبير ... تاريخا وحضارة
   
موقع محافظة حضرموت/سالم أحمد الخنبشي - السبت 6/6/2009
Khanbashy_hadhramaut.JPG
قسم الجغرافيون الجزيرة العربية إلى أربعة أقسام رئيسية وهي اليمن الحجاز ، نجد ، اليمامة وهناك من قسمها إلى خمسة أقسام وهي اليمن و الحجاز ، ونجد ، العروض ويقصد بها اليمامة و القسم الخامس تهامة وهي ذلك الشريط الساحلي المحاذي للبحر الأحمر الذي يمتد من باب المندب جنوبا باتجاه الشمال حتى يصل إلى منطقة العقبة بالأردن شمالا وأهم جزء من تهامة من حيث الأهمية و الاتساع وخصوبة التربة وتوفر المياه هو ذلك الجزء الذي ينتمي إلى اليمن تحت مسمى ( تهامة اليمن ).
لسنا هنا بصدد تحليل الحدود الطبيعية أو التاريخية لليمن كونها معروفة كما حددها علماء التاريخ والجغرافيا ولكننا سنتعامل مع اليمن في إطار حدودها السياسية و الإدارية التي تضم كل المساحة والرقعة الجغرافية التي تشكل اليوم الجمهورية اليمنية بما في ذلك الجرف القاري لليمن في كل من البحر الأحمر وخليج عدن و البحر العربي .

يطلق اسم اليمن تاريخيا على معظم جنوب جزيرة العرب وهو المفهوم الذي كان سائدا منذ قديم الزمان وحتى فجر الإسلام حيث تعامل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وخلفاؤه مع تلك المنطقة كولاية واحدة قسمت إلى عدة مخاليف .
وإذا برزت إلى السطح اليوم بعض الأحداث أو الادعاءات التي تدعي بأن هذه المنطقة أو تلك ليست من اليمن أو أنها تحمل اسما أخر أو تنتمي إلى منطقة جغرافية أخرى في الجزيرة غير اليمن أو تطالب بالعودة إلى الوضع الذي كان سائدا ما قبل 22 مايو 1990م فإن هذه الأصوات والادعاءات ما هي إلا نشاز لا تستند في يدعواها وقولها إلى أية حقائق وأسس تاريخية أو جغرافية أو ثقافية أو اجتماعية تؤيد ما تدعيه وهي بذلك إما أنها تنجذب لهوى يسيطر على تفكيرها وإما أنها تنفذ وتستجيب وتخدم بوعي أو من دون وعي تلك المشاريع السياسية التي رسمت ولا زالت ترسم بهدف زعزعة وتقويض الوحدة اليمنية المباركة .
إن الرد والحجة العلمية والتاريخية على مثل هذه الأقوال والأحداث والادعاءات تأتي من كل الشواهد التاريخية الموغلة في القدم والتي تثبت ومن دون أدنى شك وحدة اليمن أرضا وإنسانا ووحدة كل ما نتج عن ذلك من نتاج مادي واجتماعي وثقافي واذا كنا لسنا بصد استعراض هذه الشواهد لأن المجال قد لا يتيح لنا ذلك فإننا سنورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر والتي تدعم وتثبت قولنا بوحدة اليمن أرضا وإنسانا منذ الأزل إلى اليوم .
الشواهد الجغرافية والتاريخية والحضارية على وحده اليمن أرضاً وإنساناً:
أولا: توجد علاقة جدلية بين الكل ومجموع الأجزاء المكونة له فاليمن وهي تمتد على مساحة تزيد عن 550 ألف كيلومتر مربع تتكون بطبيعة الحال من مناطق عديدة هذه المناطق تحمل أسماء خاصة بها وهي أسماء موغلة في القدم كصنعاء، أبين ، لحج ، حضرموت ، شبوة ، ذمار ، يريم ، المهرة ، خولان ، مأرب ، تهامة وغيرها.
لا يوجد أي تناقض أو تعارض بين هذه المسميات الجزئية وبين الكل حتى وإن ظهرت أو قامت في بعض هذه المسميات بعض الدول أو الكيانات السياسية قديما أو حديثا فالأمر يبدو طبيعيا ولا يتعارض مع الكيان الواحد الذي يضم كل هذه الأجزاء المتعددة والمكونة له والحقيقة العلمية الثابتة تؤكد أن أي جزء من هذه الأجزاء لا يمكن له أن يعيش ويعتمد على ذاته بمفرده بمعزل عن بقية الأجزاء الأخرى أو عن الكل الذي يضمها، كما أن الكل هذا لا يمكن أن يفهم ويعترف به إلا من خلال الأجزاء المكونة له ، والعلاقة الجدلية القائمة بين الكل والجزء تتجلى في أننا نتعرف على الكل من خلال دراستنا للخواص والسمات الموجودة في الجزء التي هي خواص وسمات الكل ، كما أن الكل هذا أيضا يجب أن يجسد ويمثل في إطاره كل هذا التعد والتنوع الموجود في الأجزاء.
وعليه فإنه حتى وإن وجد تنوع سياسي أو شهدت اليمن بعض المنازعات أو حالة من حالات عدم الاستقرار السياسي فإن هذا التنوع وهذه المنازعات لا تخرج من الإطار اليمني فلم نجد في أي يوم من أيام التاريخ اليمني أي كيان سياسي يخرج من الهوية اليمنية أو يتورد عليها حتى أن المنازعات والصدامات التي قد تحدث بين الأجزاء كلها تتجه نحو تأكيد وحدة الكيان اليمني وان بلغت هذه الصراعات في بعض الأحيان حد العنف .
ثانيا: من الشواهد والحقائق التاريخية التي تثبت وحدة اليمن قديما تلك الحضارة اليمنية القديمة التي قامت في عصور ما قبل الميلاد والتي عبرت عن نفسها بدول الحضارة اليمنية القديمة التي قامت على الأرض اليمنية وهي بالمجمل ( أوسان ، معين ، قتبان ، سبأ، حضرموت ، حمير) .
وقد قامت واعتمدت حضارات هذه الدول آنذاك على الأسس التالية:
- الزراعة في مرتفعات اليمن الممطرة وبطون الأودية والقيعان التي تتلقف السيول القادمة من المرتفعات الجبلية حيث أقاموا الحواجز والسدود وطوروا وسائل استخدام المياه كما تدل على ذلك آثار أعمال الري التي أقاموها بالقرب من مدنهم ولعل سد مأرب وغيره من السدود الأخرى وقنوات الري التي تم شقها والحواجز التي أقاموها في الكثير من الأودية والقيعان خير شاهد على ذلك بالإضافة إلى استفادتهم من التربة الزراعية عبر إقامة المدرجات الزراعية والحقول المختلفة الموجودة والمنتشرة في مناطق اليمن التي تعتبر مفخرة الحضارة اليمنية العريقة .
- الموقع الممتاز لليمن من الناحية الجغرافية وامتلاك اليمن لشواطئ بحرية ممتدة على البحرين الأحمر والعربي حيث قامت الموانئ التاريخية عليها وقربتهم هذه الموانئ من كثير من المناطق الأخرى وخاصة المنطقة الغنية بالغابات المدارية في افريقيا الشرقية .
1- لم تقتصر الحضارة اليمنية على الزراعة وعلى العلاقات اليمنية الأفريقية فقط فكان لابد لهذه الحضارة من الاتصال بمراكز الحضارة الأكبر والموجودة في حوض البحر الأبيض المتوسط وبلاد ما بين النهرين وكان المدخل لذلك الاتصال هو التجارة لتسويق المنتجات اليمنية وفي مقدمتها اللبان والمر والسلع القادمة من أفريقيا الشرقية التي كانت تمر عبر الموانئ اليمنية ، ومن أجل ذلك كان لابد لليمنيين لكي يؤمنوا اتصالهم بمراكز الحضارة في الشمال أن يخترقوا شبه الجزيرة العربية في اتجاهين همها:
أ - اتجاه يمر على الساحل الغربي للبحر الأحمر مارا بجبال السراة والحجاز بعد أن يجتاز الطريق التجاري الصحراوي الذي يمر عبر حضرموت وبيحان ومأرب حتى الجوف باتجاه الشمال نحو بلاد الشام وسواحل البحر الأبيض المتوسط .
ب - على عرض وسط الجزيرة العربية في خط مائل من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي مرورا بوادي الدواسر جنوب غرب نجد وشمال شرق نجران حتى يصل إلى السواحل الشرقية للجزيرة العربية على الخليج العربي وبلاد ما بين النهرين .
ثالثا: كل الدول اليمنية القديمة التي قامت نجدها عندما تبلغ أعلى مراحل قوتها وشدتها وتطورها تسعى إلى فرض نفوذها وسيطرتها بالقوة على أراضي الدول اليمنية الأخرى أي أن السعي بفرض السيطرة والامتداد الافقي لهذه الدولة أو تلك يتم على الأراضي اليمنية والامتداد في الغالب في خارج المحيط اليمنى فمثلا عندما قويت دولة قتبان سيطرت على دولة أوسان وسيطرت على أراضيها كما تقاسمت سبأ وحضرموت القضاء على قتبان وسيطرت على أراضيها وتحالفت حضرموت ومعين ضد سبأ ثم قامت دولة حمير كامتداد تاريخي لدولة سبأ واستطاعت هذه الدولة أن تسيطر وتخضع كل الأراضي التابعة لسبأ وحضرموت وأصبح الملك الحميري ( شمر يهرعش ) ملكا لكل اليمن ولأول مرة حمل هذا الملك اللقب الجديد ( ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات وأعرابهم طودم وتهامت).
رابعا: إن وحدة اليمن الأزلية والخالدة والباقية قد تجسدت في نمط وأسلوب الإنتاج السائد الذي كان يعتمد على ذلك جهد أكبر وتحقيق ناتج أقل وهو الذي قامت عليه كل دول الحضارة اليمنية القديمة ، هذا الأسلوب الإنتاجي أدى إلى تحديد معالم النظام السياسي الذي كان سائداً آنذاك .
وتميزت هذه المعالم بالخصائص التالية :
أ . نتيجة لبذل جهد أكبر وتحقيق ناتج أقل هذا الأسلوب الإنتاجي لم يؤد إلى انقسام المجتمع اليمني إلى طبقات وفئات اجتماعية متناحرة طبقة تسيطر وتحكم وتملك كل فائض الإنتاج لعدم تحقيقه ووجوده ، وطبقات أخرى لا تمتلك أي شيء وتتحول تدريجيا بشكل أو بآخر إلى طبقات وفئات مسحوقة مثلما كان عليه في المجتمع الإغريقي أو الروماني فلم يثبت تاريخيا أن اليمن ة قد مر بنمط الإنتاج العبودي المميز للمجتمع الإغريقي أو الروماني.
ب . كانت الدولة اليمنية القديمة تقوم على أسس المجتمع الزراعي والرعوي وهذه الأسس التي كانت تحكم بنية نظام المجتمع الداخلي فنجد أن الملك أو المكرب أو القيل لا يحكم بعقلية الحاكم المطلق أو المتسلط ، فنجد إلى جوار الملك مجلس الأعيان ( الملأ ) الذي يمثل كل المناطق الواقعة تحت سيطرة هذه الدولة اليمنية أو تلك وهذا المجلس يمثل مجلسا استشاريا للملك وبالتالي لا يستطيع هذا الملك أن يصدر أحكامه إلا بعد العودة إلى مجلس الأعيان واستشارتهم وكان نظام المثامنة المعمول به في دولة سبأ خير مثال على ذلك ، وقد أورد القرآن الكريم القصة الكاملة لملكة سبأ ( بلقيس ) عندما جاءها كتاب سيدنا سليمان عليه السلام خيردليل على صحة قولنا.
ج . لم تأخذ كل الدول اليمنية بنظام توارث الحكم والمعمول به في الدول الأخرى إلا ما ندر فالملك في الغالب يتم اختياره من قبل مجلس الأعيان وبعد مشاورات وحوارات وبعد اتفاق بينهم يتم اختيار الملك الذي يكون محل اتفاق ورضا من قبل الجميع .
د. حافظت اليمن على ازدهارها الاقتصادي الذي كان محل اطماع الرومانيين المتكررة التي كان مصيرهآ دائما الفشل ، لكن سفنهم أخذت تمخر عباب المحيط الهندي لتفقد اليمنيين احتكار تجارة التوابل ، وزاد انهيار سد مأرب أن افقد اليمن وسائل الري وأصبحت عاجزة عن إعاشة سكانها لتشهد اليمن أول هجرة واسعة لسكانها والذين استقروا في بلاد ما بين النهرين والشام حيث أقاموا هناك مملكتي الحيرة والغساسنة .
د. لقد كان من الطبيعي أن تترك الحروب الأهلية والغزو الخارجي آثارها الاقتصادية على اليمن حيث ازدادت الأوضاع سوء بانهيار السد للمرة الثانية إبان السيطرة الحبشية ليشهد اليمن هجرة سكانية ثانية إلى شمال الجزيرة وافريقيا الشرقية ، وشهدت اليمن انقطاع التوازن الزراعي الذي سبب مشاكل غذائية لتكون الهجرات التاريخية قد لعبت دورا على تعاقب التاريخ بالنسبة لديموغرافية اليمن والتي نتيجة لها أصبحت اليمن بلاد هجرة .
و. وبانتهاء عرش اليمن وانتهاء دور العاصمة التي كانت تلعبه صنعاء ومن فتح الشمال وبلاد ما بين النهرين ومصر فقدت اليمن الأهمية السياسية والاقتصادية التي كانت لها في الماضي ونتجت عن ذلك هجرة ثالثة نحو أقطار العالم الإسلامي.
خامسا: لقد تجلت وحدة الأرض والإنسان اليمني أكثر في الثقافة وما نتج عنها من نتاج ثقافي ويمكن أن نورد بعض الأمثلة لذلك :
1- منذ القدم عرف أن الشعب اليمني يمتلك لغته الخاصة به والتي كان يتحدث بها واطلقت على هذه اللغة لغة جنوب الجزيرة العربية لتميزها عن لغة الشمال وكان لهذه اللغة حروفا هجائية خاصة تكتب بها اللغة عرفت بحروف خط المسند الذي حفظته لنا النقوش اليمنية المكشفة في مختلف مناطق اليمن التي قامت فيها الحضارة اليمنية القديمة .
هذه اللغة اليوم أزيحت وانحسرت مساحة المتحدثين بها إذ لم يعد يتكلم بها إلا في مناطق نائية من اليمن وهي المناطق الشرقية في حضرموت ومحافظة المهرة وجزيرة سقطرة وهذه المناطق لازال سكانها يتحدثون بثلاث لهجات محلية متداخلة ومترابطة فيما بينها وهي اللهجات ( السقطرية والمهرية والشحرية ) تتعرض هذه اللهجات المحلية اليوم للاختفاء لأسباب عدة يأتي في مقدمتها عدم وجود حروف هجائية لها تنطق ولا تكتب كذلك عوامل التمدن والتحدث وسهولة الاتصال والتواصل بين هذه المناطق والمناطق الأخرى بالإضافة إلى التعليم وغير ذلك .
لقد أصبح من الضروري كواجب وطني الحفاظ على هذه اللهجات من الاندثار والانحسار كونها أصلا بقايا اللغة اليمنية القديمة وذلك من خلال تبني مشروع وطني يستهدف الحفاظ عليها وتكليف وزارة الثقافة والجامعات اليمنية ومراكز البحوث المختصة بوضع مفردات هذا المشروع ويأتي في مقدمة ذلك إعداد قاموس ووضع حروف هجائية لها والعمل على توثيقها وتوثيق مخارج ونطق الحروف بالصوت والصورة وتنفيذ عدد من الندوات المتخصصة لهذا الغرض .
2 - ما يعكس وحدة الشعب اليمني أيضا في الجانب الثقافي تطابق وتشابه الأسماء لكثير من المعالم والإعلام في لغة اليمن ومنها على سبيل المثال :
- نجد أن كلمة ، ( شبام ) تدل وتطلق على أكثر من مكان في اليمن ومثلها كلمة ( ريدة ) وهي تحمل نفس المدلول اللغوي والاصطلاحي في كل هذه المناطق فهي تطلق على تلك الأرض المرتفعة والمنبسطة فمن المناطق التي أطلق عليها اسم ريدة ، ريدة عمران ، ريدة ميفعة ، ريدة الصيعر، ريدة الدين ، ريدة الجوهيين ، ريدة المعارة ، ريدة عبدالودود) .
- القاع تطلق هذه الكلمة على المناطق الزراعية المنبسطة وهذه القيعان من أخصب الأراضي الزراعية في اليمن ومنها ، قاع البون ، قاع جهران ، قاع الحقل ، قاع سهمان ، قاع الفضول ، قاع الكراديس ، قاع آل عوض ) .
1- ما يميز أسماء الأعلام في اليمن أن الكثير منها ينتهي بحرف ألف ونون كـ ( قتبان ، بيحان ، همدان ، كحلان ، كهلان ، غيمان ، خولان ، بعدان ، سيبان ، سنحان ، دوعان ، حبان ).
2- ما ينتهي بحرفي واو ونون مثل ،ريبون ، سيئون ، قيدون ، نفحون ، هدون ، عقرون ).
3- ما ينتهي بحرفي واو وتاء مثل ، سيحوت ، حضرموت ، ضبوت ، كلبوت ، برهوت .
4- ما ينتهي بحرفي ياء وتاء مثل ،دمهريت ، صرفيت ،عفيت ، رشنيت ، غفيت .
هذه الكلمات والأسماء التي تنتهي بأي حرفين هي أسماء يمنية قديمة جد وظلت تحافظ على صنيعتها .
ولم يطرأ عليها أي تعديل أو تغيير وقلما نجد مثل هذا في أية منطقة أخرى.
3- ومما يستدل به أيضا على وحدة الشعب اليمني في الجانب الثقافي ترديد الزوامل في المناسبات والأفراح ورقصات البرع وكذا رقصات الطبل والمزمار، فكلمة الزامل تحمل نفس المدلول في اليمن ككل واليمنيون عندما يرددون الزامل يقفون في صف واحد مستقيم ويرددون كلمات الشعر التي عادة ما يقولها الشعراء بشكل ارتجالي أمام الصف وتتشابه بل إنها تتطابق الحان الزامل ( الشلة ) في عموم محافظات اليمن فعلى سبيل المثال نجد أن أشهر  ( شلة ) للزامل هي ( شلة ) الزامل اليامي نسبة إلى قبيلة ( يام ) المعروفة .
كذلك رقصات البرع فهي متقاربة جدا ومن أشهر البرع التي تعكس الصور الجمالية هي رقصة البرع اليافعية وفي العادة تنسب رقصات البرع إلى المناطق التي تؤدى فيها, فهذه رقصة برع الحرازية ، الحاشدية ، الخولانية ، المطرية ، السومحية ، وعلى نفس المنوال تتشابه أيضا رقصات الطبل والمزمار ونلاحظ أن رقصة الطبل والمزمار التي تؤدي في كل من الجوف ، مأرب ، شبوة ، حضرموت ، المهرة ، متماثلة .
وحدة اليمن في الأدب العربي القديم:
وحد اليمن حملها لنا الشعر العربي القديم أكد لنا وحدة التراث اليمني هنا نورد عددا من الأمثلة للشعر القديم لعدد من الشعراء اليمنيين مثل الأبيات التي قالها الشاعر الكبير امرؤ ألقيس في لحظة مفارقته للمنطقة التي تربي وعاش فيها أحلى أيام شبابه وهي منطة ( دمون ) التي تقع في سفح جبل الهجرين أسفل وادي دوعن حيث قال :
تطاول علينا دمون
دمون إننا معشر يمانون
وإننا لأهلنا محبوب

فالشاعر امرؤ القيس ينتمي إلى قبيلة كندة وأكد هنا بما لا يقبل مجالا للشك أن قبيلة كندة يمنية ومثلها القبائل الأخرى في حضرموت وغيرها من المناطق الأخرى هي كذلك يمنية ، وقد كانت قبيلة كندة تسمى قريش اليمن ، كذلك ما قاله الشاعر عبديغوث الحارثي والذي كان على رأس قبيلة بن الحارث المذحجية اليمنية عندما تعرض للأسر من قبل قبيلة عربية أخرى في إحدى المعارك وللمكانة التي كان يحتلها عرضت على القبيلة التي أسرته كل أشكال الفداء حتى يفك أسره إلا أنه تم الرفض وخير بين أن يختار شكل وطريقة القتلة التي يريد أن يموت فقال قصيدة عصماء يستنجد ويستحث رجالات قبائل اليمن للأخذ بثائره ومن أهم أبياتها البيت التالي:
أبا كرب والأيهمين كلاهما                                     وقيساً بأعلى حضرموت اليمانيا
ما يمكن أن يشار إليه أن قيسا الوارد اسمه في بيت الشعر هذا هو والد الأشعث بن قيس الكندي الذي رأس وفد كندة الذي قدم على الرسول ( صلى الله علية وأله وسلم ) ليعلن إسلامه وإسلام قبيلته كما أن الأراضي والمرابع والمثاوي التي تقطنها كندة تقع بالفعل في منطقة شمال وشمال غرب محافظة حضرموت تعتبر هي المنطقة الاقصى لليمن ، كذلك ما قاله الشاعر العربي ( جرير ) في البيتين التاليين :
يا حبذا حبل التوباد من جبل                                                    وحبذا ساكن الريان من كان
وحبذا نفحـات من يمـانيـة                                                      تأتيك من قبل الريان أحيانا
الريان منطقة موجودة في اليمن وهي أما أن تكون منطقة الريان أسفل وادي عبيدة والتي تقع بين منطقة العبر بحضرموت وخب الشعف بالجوف وإما أن تكون في منطقة ساحل حضرموت وهي التي يقع فيها مطار المكلا حاليا أو هي المنطقة الواقعة بالقرب من منطقة بن عيفان بحضرموت وهي نقطة تقاطع الطرق المؤدية إلى وادي حضرموت وساحل حضرموت .
دور ومكانة اليمنيين في نصرة الإسلام ونشر تعاليمه :
أما في العصر الإسلامي فإننا نجد أن القرأن الكريم قد خص اليمن واليمنيين بالعديد من الآيات القرآنية الكريمة حتى أننا نجد أن هناك سورتين سميت باسم أهل اليمن الأولى سورة سبأ والثانية سورة الأحقاف والآيات القرآنية الكثيرة التي تحدثت عن أهل اليمن تحدثت عن أن اليمن أرض طيبة وتكلمت عن ملكة سبأ وعن عاد وثمود وتبع ، كذلك الكثير من الأحاديث النبوية الصحيحة أيضا تحدثت عن أهل اليمن ولعل أهمها حديث الإيمان يمان والحكمة يمانية ، وبشكل موجز، نسلط الضوء على بعض المعالم المضيئة لتلك الأدوار الكبيرة التي قام بها اليمنيون في العصر الإسلامي.
1- بعد عودة الرسول ( صلى الله عليه وأله وسلم ) من غزوة تبوك شهدت المدينة المنورة قدوم وفود ختلف القبائل العربية لتعلن إسلامها حتى أنه أطلق على هذا العام عام الوفود كانت الوفود اليمنية هي الأكثر والأبرز منها وفود همدان ، حمير، مذحج ، كندة ، حضرموت ، وكان على رأس هذه الوفود أبرز رجالات اليمن والذين ينحدرون من سلالات الملوك والأقيال والأذواء والتبابعة .
2- قسمت اليمن بعد أن انضوت تحت راية الإسلام إلى ثلاثة مخاليف هي مخلاف صنعاء ومخلاف الجند ومخلاف حضرموت وكان الداعي وراء هذه التقسيم التباعد الجغرافي ويحمل نفس التقسيم الإداري لأي دولة أو منطقة في العصر الحديث ، ومن الأشياء الثابتة آنذاك أن هذه المخاليف الثلاثة ترتبط بإدارة واحدة تكون المرجعية لها في كل ما يخص اليمن ، هذه الإدارة هي التي كانت موجودة في صنعاء.
3- لقد كان لليمنيين الدور الكبير في الدفاع عن الإسلام وانتشاره في مختلف بقاع العالم في خارج الجزيرة العربية ، وكانت جيوش الفتح الإسلامي التي توجهت نحو الشام أو افريقيا أو أسيا تتكون في غالبيتها من اليمنيين ، وشكلت القبائل اليمنية كتائب وكراديس وجيوشا خاصة بكل قبيلة يقف على رأس كل منها أحد قادة ورجالات اليمن حتى يتم التنافس الشريف في ما بينهم وهم يقاتلون الأعداء، وبعد الفتح الإسلامى استقر كثير من اليمنيين في هذه المناطق .
لقد أدى مشاركة الآلاف من اليمنيين في جيوش الفتح الإسلامي إلى نزوح القادة والزعماء والمشايخ والأعلام والعلماء خارج اليمن واستقرارهم في المناطق التي تم فتحها، هذا أدى إلى إفراغ اليمن من أهم رجالاتها مما كان له الأثر السيئ في الفترات التاريخية اللاحقة من العصر الإسلامي وتعرض اليمن للتعسف والقهر في عصور ما بعد الخلافة الراشدة .
مشاهد ومواقف من وحدة اليمنيين في مقاومة المحتلين ومجابهة الغزاة :
وفي القرن العاشر الميلادي تفككت دولة الخلافة الإسلامية وانعكست على اليمن بتفك وحدته ليفتح الباب لقيام إمارات صغيرة ظل أمراؤها في تطاحن ديني ومعارك اقتصادية تدور حول مراقبة ميناءي عدن والمخا .. ولم تتوقف المعارك إلا بدخول جيوش صلاح الدين عام 1173م ، لتعاد لليمن وحدته .
أما في العصر الوسيط فقد شهد اليمن قيام عدد من الدول اليمنية والتي سعت إلى بسط نفوذها على كامل التراب اليمني ولعل في مقدمة تلك الدول الإباضية التي أسسها عبدالله بن يحيى الكندي ( طالب الحق ) وكذلك الدولة الرسولية ، الصليحية ، والطاهرية .
وفي هذا العصربدأت الأطماع الاستعمارية تتجه نحو اليمن بغرض الاستيلاء عليه كون اليمن يتمتع بموقع جغرافي قلما يتوفر لغيره ولعل البدايات الأولى للاستعماركانت على يد البرتغاليين الذين حاولوا ولأكثر من مرة الاستيلاء على اليمن ، وشهدت المدن اليمنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي الكثير من الحملات الهجومية البرتغالية ولكن تمكن اليمنيون من صدها وكانت ملحمة أبناء الشعب اليمني في مدينة الشحر أبرز الملاحم التي سطر فيها اليمنيون أروع ملاحم النضال الوطني وذلك في منتصف القرن السادس عشر حيث دارت المعارك في شوارع الشحر وبالسلاح الأبيض وتمكن اليمنيون من طرد البرتغاليين ، وهناك ضريح لجثامين قادة المقاومة الشعبية في الشحرموجودة إلى اليوم .
وبنفس الموقف واجه الأتراك مقاومة شديدة من قبل الشعب اليمني رغم ادعاء الأتراك بأنهم يمثلون شكلا من أشكال الخلافة الإسلامية ولم يطب لهم المقام باليمن ، إذ كثيرا ما كانت تقوم ضدهم الثورات في الكثير من المناطق حتى تم إخراجهم النهائي من اليمن تزامنا مع نهاية الحرب العالمية الأولى.
وفي العصر الحديث ومن جديد أطل الاستعمار البريطاني مع بداية القرن التاسع عشر برأسه وهذه المرة تمكن البريطانيون من الاستيلاء على عدن في يناير 1839م بعد معركة دامية قدم فيها اليمنيون قوافل الشهداء وعبر سلسلة من المعاهدات والاتفاقيات التي وقعتها بريطانيا مع السلاطين استطاعت بريطانيا أن تخضع كامل أرض الجنوب لهيمنتها وجعلت عدن مستعمرة بريطانية كاملة وفرضت نظام الحماية والاستشارة على بقية السلطنات والمشيخات .
لقد بدأت مشكلة اليمن في العصر الحديث حيث ابتليت المنطقة بزيادة الأطماع الاستعمارية بهدف إخضاع المنطقة بكاملها لهيمنتها وهي بهذا أيضا تستهدف تقويض أي نفوذ للخلافة الإسلامية العثمانية والتي امتد نفوذها إلى منتصف أوروبا وكان الاستعمار الأوروبي البريطاني خير مثال وكانت بريطانيا حينها في أوج عنفوانها العسكري والحضاري، الذي حدث في اليمن نتيجة لذلك تقاسم سياسي للمنطقة وصناعة حدود وهمية خلقت تباينا غريبا وشاذا للشعب اليمني، ومما زاد الطين بلة هو إعلان الأئمة دولة مستقلة حملت رسميا اسم ( اليمن ) وتولد اعتقاد خاطئ بأن اليمن هي تلك المنطقة الخاضعة لسلطة الإمام فاستعملتها الأقلام وسار بها الإعلام حتى ترسخت في الكتاب محليا وعربيا وعالميا وهو ما أعطى للبريطانيين الفرصة لخلق هوية مغايرة في الأجزاء التي تحت قبضتهم ووجد هذا الوعي الزائف انعكاسا له حتى في الكتابات الصحفية والثقافية ، فنجد بعض الكتاب من كان يكتب عن صنعاء وأخر عن عدن وثمة عن حضرموت حتى أن بعض الأحزاب السياسية التي ظهرت أنذاك أخذت هذا المنحى.
إلا أن مثل هذه الأطروحات المحلية أو الاقليمية سرعان ما تراجعت ليتبلورذلك الشعور الوحدوي والذي قاد إلى فكر منظم وإلى مشروع وحدوي واع ، إلى التخلص من الاستبداد الإمامي والعمالة السلاطينية والاحتلال الأجنبى.
ملامح وأشكال وحدث النضال الوطني للثورة اليمنية :
إن أهم ما يميز هذه المرحلة أن الاستقطاب الدولي الذي كان سائدا آنذاك قد انعكس على الساحة اليمنية ونتيجة للصراع الدولي الذي كانت بريطانيا وتركيا أحد قطبيه المتناحرين آنذاك أنعكس على اليمن بحيث ظلت حالة التشطير قائمة ، بل عمل الأتراك والبريطانيون على تعميق الفجوة بين الشطرين وظل الحال عليه ما بعد الحرب العالمية الأولى وخروج الأتراك ، فالإمام كان يتعامل مع الأراضي اليمنية من منظار العائد المادي والفئوي فيتخلى وبسرعة عن أية أرض لا ترد عليا عائدا على شكل زكوات وضرائب .
لم يخضع اليمنيون لسياسة الأمر الواقع ، فالإمامة في الشمال تعرضت لهزات وخضات عنيفة كان أبرزها الثورة الدستورية عام 1948م وثورة الثلايا 1955م ، وغيرها من الانتفاضات الشعبية العنيفة هنا وهناك وشكلت في مجموعها إرهاصات ثورة 16 سبتمبر 1962م وتدافع اليمنيون صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر1962م من مختلف المناطق اليمنية دفاعا عن الثورة ، ولعل من المفيد أن نشير إلى أن أبناء الجنوب كانوا في الخطوط الأولى للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر، فأول شهيد ثورة 14 أكتوبر 1963م وهو راجح غالب لبوزة قبل أسبوع من استشهاده وانطلاق ثورة 14 أكتوبر 1963م كان في جبال المحابشة بمحافظة حجة يقاتل دفاعا عن الثورة .
وما ينطبق على ثورة 26 سبتمبر ينطبق على ثورة 14 أكتوبر، فقد شكلت ثورة 26 سبتمبر الداعم الأول والمعين الوطني لثورة 14 أكتوبر وتلقى المناضلون والفدائيون كل أشكال الدعم المادي والمعنوي والسياسي والعسكري من أبناء شعبهم في الشمال وكانت تعز حاضنة لأولئك المناضلين الذين كانوا يتلقون فيها مختلف أشكال التدريب العسكري ونقطة انطلاق لهم مثلما كانت عدن حاضنة لكل المناضلين من مختلف مناطق اليمن ، ويأتي في مقدمة أولئك رواد حركة التنوير والإصلاح الوطني الذين ناصبوا الإمامة العداء كالزبيري والنعمان والحكيمي وغيرهم .



من أوراق عمل قدمت إلى مركز ( منارات ) خلال موسمه الثقافي 2007م .


    Bookmark and Share

هل تؤيد فكرة انشاء الأقاليم كأحد مخرجات الحوار الوطني ؟


النتيجة