وانته إذا طبـعك تبـدل ×× ونفسك بلا
مقياس تقبل
ويدّك بدت عالناس تطول ×× وولّـفتـها عالهـوش
نا عـاد نفسـي عفيـفة ×× ولا تقبـل
المغشـوش
وقد جاء في
المنجد : هاش القوم هوشاً بمعنى اختلطوا واضطربوا ووقعت بينهم الفتنة ، وهاش فلان
المال بمعنى جمّعه حراماً .
لقد سخر
الشاعر العكر من خصمه ضعيف النفس فأسبل عليه وابلاً من الصفات غير المستحبة
"طبعك تبدل" "نفسك بلا مقياس تقبل" "يدّك بدت عالناس
تطول.. " بينما انحاز العكر لنفسه كثيراً بتصوير أخلاقه البدوية الأصيلة خير
تصوير فأسدل عليها صفات العفة وعدم الرضا بالغش والمغشوش وهي بالفعل الصفات التي
عهدناها في البدوي الشهم العفوي الذي عاش في قطعان متناثرة في سفوح الجبال باحثاً
عن الماء والكلا وما زال يفعل هذه حتى اليوم .
وبالرغم كل ما
قيل عن غارة البدو من قبائل الحموم على المدن الرئيسية في شرق حضرموت سنة الدخلة
في عهد السلطنة القعيطية لتأميم ما يسد الرمق أيام المجاعة العالمية ظلت شخصية
البدوي ومضارب البداوة أحضاناً جزيلة التدفق بالمروءات وسجايا الفطنة والكرم
والعفوية أو بمثل ما امتدحهم الشاعر المحضار : ( بداوة عاسجيتكم عرب ما تعرفوا
الموضة ) فعشق الناس الأرياف البدوية لتلك الصفات بل تعاطوا معها على أنها مصدر
للنقاء والانطلاق ومصدر لهواء العليل .
وتذكر لنا
أخبار الشعراء الشعبيين بعضاً من حوادث النهب عند البدو ، منها ما حدث للشاعر
الشحري سالم سعيد قرشين باسباع الذي نهب الحموم من بيت علي بئره الزراعية في منطقة
الديس الشرقية فقال :
مذهوب عقلي مضيَّع والكبد
لاهبة ×× حرمتنا يا وريقة والقواصم والصراب
كله السبب من بني قحطان
والعاربة ×× ولعاد واحد صنا خلفَه وعكرة وباب
لقد أبدع
الشاعر سالم قرشين في تلخيص حالة عربية معتادة هي أشبه إلى حد بعيد بما يحدث اليوم
في بلاد العرب من تفرج على القضية العربية في فلسطين والعراق حيث استخدم تعبير
" ولعاد واحد صنا خلفَه وعكرة وباب " فمثل هذا القول أشبه ما يكون بنداء امرأة واحدة للمعتصم
بالله العباسي بقولها : وامعتصماه ، فأرسل المعتصم بالله جيشه العرمرم الذي أتى
على أخضر المشركين ويابسهم .. ولكن في حادثة إغارة الحموم على بئر الشاعر قرشين
الزراعية التي كان ماؤها يعينه على الظفر بوريقة والقواشم والصراب . وقد اهتز
وجدان الشاعر المرحوم محفوظ بن عبد الرحمن العطيشي لهذه الحادثة التي حدثت لزميله
الشاعر قرشين فجاء رد التعاطف من العطيشي بما يلي :
البير صبحت عطيلة والعرش خاربه ترضون
يا علي عا سالم قرشين بالخراب
إن كانها إلا كذا أحسن نحلّ تاربه لم يقع خير وتزين
المراعي والشعاب
وهو الرأي
السديد الذي يقضي بالابتعاد اختيارياً عن الشر ما دامها إلا كذا ، وقد اختار
العطيشي للتعبير عن البقعة الهادئة الآمنة الذي يقضي بالابتعاد اختيارياً عن الشر
ما دامها إلا كذا ، وقد اختار العطيشي للتعبير عن البقعة الهادئة الآمنة منطقة
تاربة دون سواها ولا يقصدها لذاتها وإنما لضرورة القافية ولبعدها عن غارات البدو
في ساحل حضرموت . ولسنا ندري لماذا كل هذا التحامل على إخواننا البدوان أصل
الرجولة والعروبة وأهل الفصاحة . فهذا مثلاً الشاعر الشهير الراحل خميس كندي في
مساجلته مع رائد الدان مستور حمادي يقول :
بدوي من الريدة دحس لي ما ينذكر خس الطبايق
بدوي
من الريدة ولابس خاتم السادات
اتناقدوا يا أهل الجهة
عطوه حلقة وانزعوا لحمر من يداه
وهي القصيدة
التي رد فيها مستور حمادي في فترة الصراع بين بن عبدات والسلطان الكثيري مؤكداً
على وحدة حضرموت ولحمتها السياسية :
قل للصوغ كل مشخص أصلي لا تجعثوه
بالمطارق
خلّوه
شهرة لي عليه القهر والحنات
ما يستحق حرف الذهب حسّان يمحي من
جنوبه رسم ولاه
فهل صحيح أن
الشاعر خميس كندي يقصد بدوي ريدة عبد الودود ؟! أم يقصد بدوي آخر ، أم أنه لا يقصد
هذا ولا ذاك وكل ما في الأمر الاستقرار على رمز معين لإيصال الغرض من المساجلة .
ولربما توافق
الرمز مع المرموز خصوصاً إذا علمنا أن مهنة الدحس على المشخص الذهب مهنة لا يجيدها
البدوي إطلاقاً وإنما يجيدها الصائغون من أبناء الحضر ولهذا فلقد سارع الشاعر إلى
الاستخلاص بأهل الجهة أو ذولا الدول لانتزاع المشخص ذي الفص الأحمر من يدي البدوي
وإعطائه أي حلقة فضية أو حتى ذهبية ليتعلم الدحس عليها .
وقد سار
الشاعر المحضار على درب هذه الرمزية الظالمة للبدوي حين قال في أغنية من أغانيه
المتأخرة :
لا شفت بدوي من الريدة يمشي وخاتمه في إيده
لا
تحسد إخوانك البدوان
فهل صار
البدوي محسوداً حتى لمجرد لبسه لخاتم في يده ؟! أم أن الشعراء ينجذبون إلى محاكاة
بعضهم بعضاً حتى وإن أدى ذلك إلى تثبيت النظرة الظالمة للبدوي الذي يتمتع بكل
الصفات العربية الأصيلة ؟