ابن المشقاص .. والإعلان بواسطة إطلاق النار
   
موقع محافظة حضرموت/سالم كرامة الجريري - الثلاثاء 19/2/2008
rshash-aly.jpg
يستخدم السلاح الناري في مناطق المشقاص كوسيلة للدفاع عن النفس عند الهجوم وشن الغارات القبلية التي تحصل هنا وهناك وكذلك يستخدم في الصيد البري ويسمى ذلك بالقناصة ( قناصة الوعال والظباء وغيرها ) .
كما أن للسلاح مهام أخرى في قرى وأرياف ببلاد المشقاص، حيث يستخدم كوسيلة إعلامية صوتية لعدم وجود وسائل الإعلام سابقاً ، إذ الوسائل الإعلامية الحديثة اليوم تنبئ وتحذر من المخاطر والعواصف البحرية والبرية والأمطار لكي يتجنب المواطنون المخاطر ويلزمون الحذر . وفي حالات معينة ومعتادة ومتعارف عليها أبناء مناطق المشقاص يتم إطلاق الأعيرة النارية كخبر ونبأ وعلم بشيء حدث .
ومن خلال هذه الطلقات وأصواتها يعرف أهالي المنطقة بما تهدف إليه بلغة أصوات السلاح المشفرة بما اعتيد عليه في مثل هذه الحالة ، إذا كان الموضوع يهدف إلى الإعلام بخبر، فإنه ينتشر كانتشار النار في الهشيم ، وإذا كان إطلاق النار يهدف ويشفر انه لغرض الحيطة والحذر فإنهم يحذرون ويحتاطون منه ، ومن أهم الأشياء التي يعلن عنها بواسطة إطلاق النار في مناطق المشقاص ما يلي :
1-    عند وصول المغتربين من المهجر يقوم الأهالي بإطلاق النار ترحيباً بهم وإعلاناً بأن آل فلان من الناس وصل إليهم مسافر .
2-    عند مغادرة المسافر من قريته إلى بلاد المهجر يقوم الأهالي بإطلاق النار توديعاً له .
3-    عندما يلدغ ثعبان أي شخص يتم إطلاق النار إعلاناً للناس أولاً لإنقاذه ثم لكي يحضروا ويعروا على الملدوغ .
4-    عندما يولد في القرية مولود ذكر يطلق النار ، كما يتم إطلاق النار في هذه الحالة عندما تولد المرأة البكر سواء ولدت ولد أو بنت .
5-    ويستعمل إطلاق النار في بوادي المشقاص عند إعلان نبأ قدوم السيل عندما يكون السيل قادما من أعلى الوادي فيقوم البدو الساكنون في أعلاه بإطلاق النار كتنبيه للذين يسكنون في أسفل الوادي لغرض الترفع من مجرى السيل وحماية أنفسهم وأمتعتهم ومواشيهم من مخاطره ، وهذا النبأ والإعلان يكون مفيداً جداً ورفيع الجدوى بالنسبة للبدو وخاصة عندما يكون قدوم السيل في وقت الليل .
6-    يستعمل إطلاق النار في مناطق المشقاص كإعلان بقدوم الأعياد الدينية ( عيدي الفطر والأضحى ). ويتم قديماً نقل خبر العيد والصيام بواسطة المطايا أو المراسل الذي يسمى أيام زمان في مناطق المشقاص ( المكتب ) الذي يحمل هذه الأخبار بواسطة الرسائل المكتوبة أو الشفهية وطبعاً ينقل هذا الخبر من المكلا والشحر ثم إلى مناطق المشقاص وعن طريق مسئولي ذلك الزمان ومراكزهم السياسية ، ومثل هذه الأخبار غالباً ما تجيء متأخرة وخاصة في قرى وبوادي المشقاص.
7-    يستعمل إطلاق النار في البوادي في أوقات الليل عندما يهاجم الذئب أغنام القوم يتم إطلاق النار لكي يقتل الذئب أو يخاف ويهرب ، وكنبأ وخبر وإعلان لبقية الرعاة المجاورين كي يعرف أن ذئبا موجود بالقرب منهم .
8-    كما يستعمل إطلاق النار في مناسبات الزواج كمشاركة في تلك الأفراح وكذا نبأ وخبر وخاصة في ليلة (الربوط) ، عندما يبدأ هذا الربوط يتم إطلاق النار إعلان للناس بأن العرس قد بدأ ، لأنه في مثل ليلة الربوط لا يسمح بإطلاق النار إلا بعد الربوط .
في مثل هذه الحالات التي أشرنا إليها وخاصة الهادفة منها التحذير وفي الحالات التي تتطلب النجدة والمساعدة ، فإن لمثل هذه الحالات شفرات خاصة عند أهالي المشقاص من خلال عاداتهم وتقاليدهم ، مثال الإعلان بقدوم السيل له طلقات معلومة وكذلك الملدوغ من الثعبان له طلقات محددة وكذلك النبأ بوجود الذئب . وغيرها من الأمور التي تعامل بها أبناء المشقاص في مثل هذه الحالات وترسخت في الأفعال والأذهان وتعارفوا عليها وتسمى تلك الطلقات ( التعاشير ) ومن خلال الحذق والممارسة يكون ابن المشقاص فطن وعندما يستمع لتلك التعاشير يتحدث الكل ويقولوا هذه التعشيرة حق سيل أو بأن إنسان لدغ أو بنبأ وجود ذئب أو يعرف التعشيرة أنها حق رماية هدف أو غيرها .
ولكن في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي كثر الناس وانتشر حمل السلاح بين الأجيال الجديدة والتي أصبحت غير مبالية بتلك الأعراف لعدم شعورهم بالحاجة لها بعكس من كان قبلهم من الآباء والأجداد لأنه في بداية الستينات تطورت وسائل الاتصالات وكثير ممن يسكنون الجبال والبوادي حولوا سكنهم إلى القرى والمدن ولا يشعرون بمخاطر السيول وهجمات الذئاب على الأغنام التي تخلو عنها .
ولهذا حصلت العشوائية في طريقة استخدام السلاح ، إطلاق النار يكون في أي وقت وبمناسبة ودون مناسبة وبهدف وبدون هدف ، وبالرغم من كل هذا فإن إطلاق النار في المكان والزمان الغير مناسبين يلفت انتباه ابن المشقاص ويجعله يسأل ويتسائل عن السبب والهدف والخبر من وراء إطلاق النار حتى يتوصل إلى حقيقة الخبر ، وعندما يعلم بالخبر يتصرف بموجبه حيث أنه إذا كان هناك واجب عليه القيام به فإنه لا يتوانى عن تلبية الواجب بما يقتضيه الخبر والهدف الذي تم إطلاق النار من أجله .


    Bookmark and Share

هل تؤيد فكرة انشاء الأقاليم كأحد مخرجات الحوار الوطني ؟


النتيجة