في جولة في ربوع الهند أقام مركز ابن عبيد الله السقاف لخدمة التراث و المجتمع وضمن أنشطته الأسبوعية المنتظمة محاضرة قيمة بعنوان "الدور الفكري والسياسي للحضارمة في الهند" استعرض فيها العلامة و المؤرخ السيد / جعفر بن محمد السقاف تاريخ هجرة الحضارمة إلى الهند و البصمات التي حفروها في تاريخ هذه الحضارة القيمة ، و الإبداع المعرفي الذي نتج عن التلاقح الفكري بين هاتين الحضارتين الذي أفاد في كليهما و أسهم في إثراءهما الفكري و الحضاري و الأدبي .
و ابتدأ المحاضر محاضرته التي أدارها الأستاذ / حامد الجفري بنبذة موجزة عن الهند من الناحيتين الجغرافية و التاريخية ، ثم عرج بعد ذلك على موقع الحضارمة من هذا التاريخ و كذلك المواقع الجغرافية التي استوطنوها هناك ، حيث ذكر أن بدايات دخولهم تعود إلى القرن الخامس الهجري و كانت على غرار الهجرات الحضرمية التي تكون لغرض نشر الدعوة الإسلامية . ثم استعرض تركيبة السكان الحضارم في شبة القارة الهندية و أفاد بأنهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام القسم الأول هم من هاجروا إلى الهند و استقروا فيها استقرارا كاملا حتى توفوا هناك ، و القسم الثاني هم من هاجروا و لم يقطعوا علاقتهم بالبلاد و كانوا يترددون عليها لغرض الزيارة و التعليم أو لأغراض أخرى ، أما القسم الثالث فهم الذين ولدوا في الهند و استقروا هناك و لم يترددوا على موطنهم الأصلي حضرموت . من جهة أخرى أشار المحاضر إلى أن ملامح التأثير التي أثر بها الحضارمة في الهند هي ذاتها المنبثقة من طبيعة الحضارم التي تقوم على رفع راية العلم و التعليم و بناء المساجد و المدارس و المكتبات وخدمة المجتمعات التي كانت دائما وسيلة الحضارم في إبراز هويتهم بأي مجتمع جديد يهاجرون إليه و يتركون به بصمتهم الثقافية جزء من تاريخ ذلك المصر. وقد كان أحد روافد ذلك انتشار حركة طباعة الكتب الحضرمية ، ما تولد عنه فن آخر هو فن زخرفة الكتب و التغليف الفاخر المميز حيث احتوت نقوش نباتية و منمنات استعرض المحاضر نماذج منها عبر البروجيكتر ، و التي تعكس جانبا هاما من حضارة الهند و تأثر الحضارمة بالطابع الفني لهذه الحضارة . بالإضافة إلى ذلك انتشار الأدب الحضرمي هناك ، و أشار المحاضر إلى أحد هذه الآثار الأدبية الهامة و هو كتاب ( مقامات باعبود ) للسيد / أبو بكر بن حسين باعبود ، التي كتبها على غرار مقامات الحريري و تناول فيها عجائب و غرائب الهند، و تعتبر هذه المقامات الفريدة في الأدب الحضرمي بوجه عام و الأدب المهجري الحضرمي بوجه خاص ما دفع عددا من الباحثين للإشادة بها , وكذا مؤلفات ومناقب العلامة أبوبكر بن شهاب وآل العيدروس . من جهة أخرى أحالت هذه المحاضرة على عدد من التوصيات التي تدعو إلى إعادة توثيق الأواصر بين حضرموت و الحضارمة في الهند ، و تكوين لجنة لتقصي التراث الحضرمي هناك المتمثل في المخطوطات و الكتب التي تمت طباعتها ولم تصل إلى حضرموت و رفع هذه التوصيات إلى الجهات المعنية للقيام عليها .