وبتدشين عملية الإنتاج في المشروع التابع للشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال مطلع العام المقبل 2009م، وتصدير أول شحنة إلى السوق الكورية تنتهي بذلك سنوات العزلة التي عانى منها الغاز اليمني عن الأسواق الدولية.
إلّا أن هذا النجاح لم يكن ليتأتى بسهولة كما يتخيل البعض، فسنوات من المساعي والتحركات التي بذلتها وزارة النفط لإيجاد أسواق كانت الفاصلة في إنهاء أزمة تعثر بيع الغاز المسال.
ولولا تلك الجهود كما يقول مسئولو وزارة النفط المعادن لبقى الغاز اليمني ثروة معطلة في باطن الأرض لسنوات أخرى ، فقد مثل توقيع الاتفاق المبدئي لتصدير الغاز المسال مع شركة كوجاز الكورية أولى ثمرات تلك الجهود.
ورغم الإخفاقات التي واجهت اليمن بشأن إيجاد أسواق لبيع الغاز منذ 96م، غير أن العمل كان جاريا على قدم وساق خلال السنوات الماضية بدءً من إيجاد أسواق وتجهيز الدراسات الهندسية لتصاميم مشروع البنية التحتية لتصدير الغاز، التي أنجزت في الوقت المحدد، بينما كانت المشكلة في إيجاد الأسواق.
تطور المحادثات مع مشتريي الغاز بحد ذاتها ـ حسب مسؤولي وزارة النفط آنذاك ـ قد عززت التفاؤل باعتبار أن نجاح اليمن في تصدير الغاز سيفتح فرصة واسعة لترويج الغاز المسال للأسواق المختلفة.
وفيما يرجع وزير النفط السابق رشيد صالح بارباع نجاح المفاوضات بدرجة أساسية إلى دعم فخامة رئيس الجمهورية الذي أعطت قيادته صورة ايجابية عن اليمن دوليا جعلتها تحظى بالثقة العالمية؛ فقد تمثلت العراقيل التي واجهت ترويج الغاز اليمني إلى صعوبة إيجاد أسواق لبيع الغاز على خلاف النفط بسبب ضعف الطلب على الغاز، وقلة موانئ استيراد الغاز، وقلة عدد البواخر التي تنقله كونه يتطلب تأجير البواخر الحجز قبل أكثر من عام.
وفي إطار الجهود الحكومية فقد سعت اليمن في السنوات الأخيرة لإيجاد أسواق، وقامت بإجراء مفاوضات مع عدة دول آسيوية الصين الهند كوريا حتى نجحت لجنة تسويق الغاز في الشركة اليمنية للغاز في اختراق الصعوبات في السوق الكورية.
ورغم الكثير من صعوبات استقطاب الاستثمارات الخارجية في قطاع الغاز المسال ومعوقات إيجاد الأسواق لتصديره وغيرها، إلّا أن تلك الجهود قد أثمرت في تحقيق نتائج كبيرة حتى جاء اليوم الذي تم التوقيع على أكبر مشروع استثماري في اليمن يتمثل في إطلاق مشروع الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال في أغسطس 2005م، بتكلفة استثمارية تقارب الـ 4 مليارات دولار.
ويضم المشروع الذي ينضوي تحت الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال حلفاً تكاملياً بين مجموعة من الشركاء المساهمين، والذي جاء بعد سنوات من الدراسة والتخطيط والتفاوض مع العديد من الجهات المهتمة بالمشروع حتى تم تدشينه في أغسطس 2005م، حيث جمع المشروع بين خبرات خمسة شركاء دوليين ذوي خبرة واسعة في الاستثمار في مجال الغاز الطبيعي المسال إضافة إلى هيئتين حكوميتين يمنيتين.
ويتكون مجموعة ملاك الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال من شركة توتال بحصة 39.62 %، وشركة هنت للنفط بـ17.22 %، والشركة اليمنية للغاز بـ 16.73 %، والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية والمعاشات بـ 5 %، ومؤسسة إس كي الكورية الجنوبية بـ 9.55 %، والمؤسسة الكورية للغاز ( كوغاز) بـ 6%، وشركة هيونداي الكورية بـ 5.88 %.
ويعول على هذا المشروع على الصعيد الاقتصادي، والذي جاء نتاج برنامج طموح لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية ـ بحسب الخبراء ـ أن يلعب دوراً رئيساً في نجاح وتنمية الاستثمار في مجالي النفط والغاز وتوفير العملة الصعبة لليمن وتوفير فرص عمل فضلاً عن أحداث المشروع لحركة دوران اقتصادي على صعيد الخدمات مثل حركة السفن والنقل البحري ووجود شركات خدمية في مجال الإنشاء والخدمات الأخرى.
كما تعول الحكومة على هذا المشروع الذي بلغت نسبة الإنجاز في أعماله الإنشائية أكثر من 84 %، أن يعوض حالة الانخفاض الذي تعاني منه اليمن في إنتاج النفط الآخذ في التراجع بمتوسط 4 % سنوياً، في الوقت الذي يرجح الكثير من الاقتصاديين استمرار اليمن في الاعتماد على مواردها الطبيعية لتوفير احتياجات ومتطلبات شعب يزيد تعداده السكاني عن 21 مليون نسمة.
وحتى استكمال المرحلة الإنشائية للمشروع مع بداية عام 2009م، من المتوقع أن يصبح المشروع من بين أهم مصادر الدخل بالنسبة لليمن خلال فترة الـ 20-25 سنة القادمة.
واعتماداً على مؤشرات الأسواق العالمية خلال فترة المشروع، يمكن القول تحرياً للدقة أن إيرادات الحكومة اليمنية ستصل إلى أرقام تقديرية تصل من 30-50 مليار دولار خلال فترة المشروع مما يمنح اليمن حافزاً اقتصادياً هاماً يسهم في تعجيل وتيرة النمو والتقدم الاقتصادي.
وعوضاً عن ذلك، فسيمثل فرصة للمستثمرين المحليين للخوض في منافسة تجارية على المستوى الدولي ومنح القوى البشرية في اليمن فرصة تطوير مهاراتها التجارية والفنية من خلال فرص التوظيف والتدريب التي توفّرها الشركة.
ويستوعب المشروع خلال المرحلة الإنشائية الجارية قرابة 11 ألف عامل، فيما سيبلغ عدد الوظائف التي يوفرها نحو 600 فرصة عمل لليمنيين بصورة دائمة أثناء فترة التشغيل، ناهيك عن المئات من الوظائف الأخرى التي ستوفرها الشركات الخدمية للشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال.
وبحسب الخبراء فقد سجّل تدشين الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال في أغسطس 2005م، دخول الحكومة اليمنية والشركاء المساهمين فيها مرحلةً
جديدةً وهامةً من التعاون.
وكانت الحكومة اليمنية منحت الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال حقوق الامتياز الاستثمارية المطلقة لاحتياطي الغاز الطبيعي المتواجد في حقول القطاع 18 بحافظة مأرب.
ووفقاً للدراسات العلمية المؤكدة، فتبلغ كمية احتياطي الغاز الطبيعي المؤكدة والمخصصة حالياً للمشروع نحو 9.15 تريليون قدم مكعب، يضاف عليها احتياطي محتمل آخر يقدّر بنحو 0.7 تريليون قدم مكعب. كما تم تخصيص حوالي تريليون قدم مكعب من تلك الكمية المكتشفة لتلبية احتياجات السوق المحلية.
وقد تم تأكيد الكميات المكتشفة من الغاز في العام 2005م، من قبل شركة استشارية عالمية مستقلّة ومتخصصة في هذا المجال تدعى (دي قولير وماك نوتن).
وتؤكد دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع أن كمية احتياطي الغاز الطبيعي المؤكدة كافية لإنتاج وتصدير نحو 6.7 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً، ولمدة عشرين سنة على الأقل لعملاء الشركة المشترين للغاز على المدى البعيد في كلٍ من الأسواق الرئيسة في أمريكا الشمالية وكوريا الجنوبية وأسواق مستقبلية أخرى.
ويتكون المشروع من محطة لتسييل الغاز في منطقة بلحاف الواقعة على الشريط الساحلي لمحافظة شبوة، والتي تبعد حوالي 200 كم جنوب غرب المكلا، و 400 كم شرق محافظة عدن، وتشييد ثلاثة خطوط أنابيب يربط الأول بين وحدتي إنتاج ومعالجة الغاز في مأرب، والأنبوب الثاني الرئيسي بطول 320 كم وبقطر 38 هنش من محطات إنتاج الغاز في مأرب لتغذية محطة التسييل في بلحاف وآخر فرعي لإيصال إمدادات الغاز إلى مدينة معبر لتلبية احتياجات السوق المحلِّي.
كما يتكون من خزانين سعة كلٍ منهما 140.000 متر و3 منشآت إضافية أخرى، منها: محطة لتوليد الكهرباء، وأخرى لتحلية المياه، ووحدات معالجة المياه ومحطة توليد البخار، وهو ما يحقق للمشروع اعتماداً واستقلالاً ذاتياً، ومحققاً أيضاً المعايير الدولية المتعلقة بحماية البيئة والفاعلية في الأداء..
يذكر أن الإنتاج المتواصل للغاز غير المتقطع بدأ من حقول القطاع 18 بمحافظة مأرب لسنوات طويلة منذ عام 1986م، وتوفر تلك الحقول مصدراً حيوياً لاحتياطيٍ معتمد يؤمّن إنتاج وتصدير ما مقدراه 6.7 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً ولمدة تزيد عن (20) عاماً.
ويتم حالياً إنتاج الغاز الطبيعي المصاحب للنفط الخام من حوالي (450) بئراً نشطاً داخل الجمهورية اليمنية وسيتم إنتاج معدلات مرتفعة من احتياطي الغاز من الحقول النفطية المنتجة حالياً كما توجد حالياً وحدتان لمعالجة الغاز هما وحدة المعالجة المركزية ووحدة أسعد الكامل. وتقدَّر الطاقة الإجمالية لهاتين الوحدتين بنحو 1.8 مليار قدم مكعب في اليوم الواحد.