الوحدة اليمنية في الصحافة العربية والدولية
5/28/2005 12:00:00 AM- بتصرف / صحيفة الثورة
بما أن الحلم أصبح حقيقة .. ، إلا أن إعادة قراءة التحليلات أظهرت أن الوحدة كانت مفأجاة للعرب والأجانب .. إلى حد أن صحيفة باريسية خرجت في صيف 1990م ، و...

بما أن الحلم أصبح حقيقة .. ، إلا أن إعادة قراءة التحليلات أظهرت أن الوحدة كانت مفأجاة للعرب والأجانب .. إلى حد أن صحيفة باريسية خرجت في صيف 1990م ، وعلى غلافها العنوان التالي : " لقد فعلها اليمنيون هذه المرة ..." . ويعلق الأستاذ فيصل جلول " يبدو أنه لكثرة ما تحدثوا عن الوحدة ولكثرة ما احتربوا حولها ، ولكثرة ما حددوا مواعيد لتحقيقها ظن اليمنيون أنهم غير جادين في استئناف وحدة بلادهم .. لكن هذه المرة " فعلوها .." حقيقة وسط مفأجاة ودهشة الجميع داخل وخارج العالم العربي" وما ذهبت إليه الصحيفة الفرنسية ، التي لم يشر الأستاذ جلول إلى أسمها في كتابه ( اليمن ، الثورتان ، الجمهوريتان ، الوحدة 1962 - 1994م ، ص207 ، الطبعة الثانية 2000) ، كرره النائب الفرنسي ميشيل كونتا رئيس جمعية الصداقة اليمنية الفرنسية في حفل أقيم في باريس في مناسبة العيد الأول للجمهورية اليمنية حين قال : لقد فاجأنا اليمنيون ؛ يعملون أكثر مما يقولون .. ولذلك أعلنوا وحدتهم قبل وحدة المانيا وفي وقت لم يكن أحد يصدق أن هذا الإنجاز العظيم سيرى النور" «انظر : الثورة ، 5/6/1991م» تحيا الوحدة ورأت مجلة " مرآة الأمة" الكويتية العدد [945] يوم 23/5/1990م ، أن الوحدة اليمنية فعلاً أصيلة ولها كل المقومات ومرتكزات الشكل والمضمون الوحدوي بمايكفل لها النجاح والديمومة. ثم تضيف : " أن مايميز تجربة الوحدة اليمنية أنها عبرت نفق الرؤية "القبلية" في الشمال و"الحزبية والأيدلوجية في الجنوب ، وهي مسلحة بــ " قوة" و " أصالة " و " عمق " جذور المشروع القومي مما فوت الفرصة على كل المتشنجين" وتستدرك " مرآة الأمة" : لعل المتغيرات العالمية وحركتها الصاروخية تكون هي الأخرى حافزاً للعرب لكي يفيقوا من " سبات " التشطير وغيوبة المتلظي بالإنقسام والتشتت". وختمت المجلة تعلقيها هكذا : "وبعد .. فما أجمل ان يهتف العرب الشرفاء من المحيط إلى الخليج كما هتف شعب اليمن الشقيق ابتهاجاً .. تحيا اليمن تحيا الوحدة" وفي موسكو حيَّت صحيفة " الأزفستيا" الصادرة يوم 23/5/1990م قيام الجمهورية اليمنية فكتبت تقول : أن هذا الحدث ذو أهمية كبيرة ليس بسبب أنه عبارة عن تحقيق لسعي الشعب اليمني إلى الوحدة وخطوة هامة في نضال العرب من أجل التمسك بالوحدة .. وإنما كذلك لأنه عبارة عن أول تجربة في التاريخ الحديث لإعادة وحدة بين شطرين بطريقة سلمية وديمقراطية. إلى القادة العرب وأكدت صحيفة " الجمهورية" القاهرية إعلان قيام الجمهورية اليمنية بأنها خطوة هامه وجادة على طريق تعزيز التضامن العربي .. ودعت الصحيفة في عددها الصادر في نفس اليوم ، الأمة العربية إلى استثمار هذا الحدث التاريخي ودعمه بوصفه نموذجاً خلاقاً للحالة التي يجب أن يكون عليها العرب في ظل التحديات والمخاطر التي يواجهونها. وفي نفس العدد طالب الأستاذ سمير رجب في عموده " فاصلة" القادة العرب الذين كانوا يستعدون لعقد قمة في بغداد يوم 28/5/1990م ، إلى استلهام الدروس اليمنية .. ، مشيراً إلى أن اليمنيين نسوا خلافاتهم القديمة التي أدت إلى الحرب : " فالتقى الجمعان .. ورفع العلم الجديد وتم انتخاب مجلس رئاسة ورئيس الجمهورية أيضاً .. دون أن تتلبد سماء اليمن بالغيوم كما كان يتوقع الكثيرون .. والدليل أن الوحدة أعلنت قبل موعدها الذي سبق تحديده من قبل بأكثر من ستة أشهر". وفي لندن قالت صحيفة " ديلي تلجراف" الصادره في نفس اليوم أن إعلان " الوحدة اليمنية قد جاء لينهي من المواجهة بين أبناء الشعب اليمني". ووصفت صحيفة " القدس العربي" فرحة أبناء اليمن بأنها فرحة كل عربي من المحيط إلى الخليج ، كان ومازال يتطلع إلى أمة واحدة وجيش واحد وحدود واحدة. وحيت "القدس" في عددها الصادر في لندن يوم 23/5/1990م ، أبناء الشعب اليمني بهذا المنجز. وقالت : "لقد أثبت اليمنيون أنهم فعلاً طلائع متقدمة واعية تدرك خطورة الانقسام والتشرذم وأهمية التكاتف والاندماج في زمن لا مكان فيه للضعيف .. كما أثبتت القيادة اليمنية التي حققت حلماً عربياً أصيلا أنها فعلاً على مستوى المسؤولية الوطنية والقومية وأنها قادرة على القفز فوق الصغائر والمصالح الفردية والذاتية وتقديم المصلحة العامة". وبدوره يكتب الأستاذ عبدالوهاب بدرخان في "الحياة"الصادر في لندن بتاريخ 24/5/1990م ، عن اللحظة التاريخية ، التي قُدر فيها للجيل العربي ان يشهد ميلاد وحدة اليمن الطبيعية .. وأن يرى الشعب اليمني يبرهن على أن ما خطته يد المستعمر الأجنبي ليس مُنَزلاً وليس مُقدساً فيضيف : " في زمن الانقسام والتقسيم يتوحد اليمن .. في زمن التراجع العربي يتمكن اليمنيون من التغلب على التاريخ الذي فُرض عليهم أن يعيشوا شعبين ودولتين كما فرض عليهم أن يقبلوا طوعاً وعلى مضض في إستنزاف طاقات بلدهم .. وفي زمن العداء الدولي الصارم ضد العرب لمنعهم من وقف عجلة التخلف التي طحنتهم وبثت فيهم خلافات لها أول وليس لها اخر يتمكن اليمنيون من أن ثمة مالم يقل بعد ومالم يعمل عربياً". ويصل خان إلى القول : "من شأن ديمقراطية اليمن التي ستنجح وتترسخ بروح السلم الاجتماعي الذي يتميز بها اليمنيون ان يثلج صدور كل الشعوب الطامحة بصمت وصبر وصمود إلى الديمقراطية في ربوعها". وبهذا المعنى تكمل صحيفة " الأيام" في البحرينية يوم 24/5/1990م ، بقولها :" إعلان قيام الوحدة اليمنية أشاع في النفوس العربية روحاً جديدة من الأمل والتفاؤل بإمكان تجاوز سلبيات الواقع العربي إلى آفاق ارحب من التضامن ". وتنظر صحيفة " العرب " القطرية الصادرة في نفس اليوم في الدوحة إلى ان الترحيب الواسع بالوحدة اليمنية من الأسرة العربية قد عكس تعطش الأمة العربية للاحداث والإنجازات الكبيرة والحقيقية .. وتشير إلى أنه "اذا كانت المشكلات بين بعض الدول العربية تبدو صعبة الحل فإن نجاح اليمنين وحدوياً سيطيح بمعادلات كثيرة وسيفتح دروب الأمل العربي". قوة عربية جديدة وبهذا المعنى عبرت مجلة " الفرسان" في عددها رقم 643 ، وتاريخه 26/مايو ، الذي تزامن صدورها مع الإعلان الوحدوي تحت عنوان " الجمهورية اليمنية تعود بعد 32 عاماً " فقالت : الجمهورية اليمنية هي قوة عربية جديدة تضاف إلى الإمكانات العربية في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم .. وبكلام أوضح أن الجهد اليمني الذي وظف بعضه مع الأسف في الماضي ضد البعض الآخر أصبح الآن في خدمة اليمن والعرب جميعاً. وأنتقد المحرر السياسي في مجلة الفرسان" بعض الآراء القائلة بأن الوحدة هي قرار فوقي وإنها تمت في ظل غياب المشاركة الشعبية ، فقال : ان معارضي الوحدة هم قلة ، وسبب موقفهم هذا أن الوحدة ستنهي دورهم السياسي زمن الانتقال مشيرة إلى ان معارضي الوحدة الذين اكتشفوا فضائل الديمقراطية قالوا ان هذه الوحدة قرار فوقي" وأن جماهير الشعب لم تشارك في صناعتها" والمؤكد - تضيف الفرسان- أن من يقول ذلك فهو يجهل حقائق تاريخية وجوهرية لان قرار الوحدة جاء استجابة لرغبة عميقة في صميم حياة الإنسان اليمني .. وأن الوحدة ليست سجناً للأفكار والآراء ، ومشاركة الجماهير لأنها إطار طبيعي تلتقي ضمنه الجماهير .. بل أن الحرية قادرة على أن تغني الوحدة إذا اغتنت أصلا بها .. والحرية أًصلاً لحياة يمنية وعربية وإنسانية فضلى وليست مجانية مستقلة عن المكان والزمن والبشر. واختتمت المجلة بقولها : ان الذين كانوا يريدون الديمقراطية قبل الوحدة سيكتشفون خلال عامين من الوحدة أن سقوط جدار برلين " السياسي والأيدلوجي بين اليمنين لايخدم الوحدة وحسب بل الحريات والتقدم أيضاً إذا كانت الحرية والحياة. عصر الوحدة وحول أنعكاس الوحدة على اليمنين والعرب معاً قال " الأهرام" يوم 26/5/1990م ، ان إنجاز وحدة اليمن يعد أهم حدث عربي لمؤتمر القمة الطارئ في بغداد المنعقد يوم 28/5/1990م ، لانه تَمثَّلَ في يمن موحدة بعد قيام الجمهورية اليمنية برئاسة علي عبدالله صالح. وقال " الأهرام" في معرض تعليقه على قيام الجمهورية اليمنية "أن ذلك لم يحدث من فراغ فقد سارت أمور الوحدة بين " الشطرين" قبل مايو 90 سيراً هيناً كريماً عبر مباحثات استغرقت فترة طويلة حتى في احلك فترات الخصام والقطيعة حيث كان المشروع قائماً والحلم يراود الجميع بحيث كان هناك شعور عام بأنه سيتحقق متى اكتملت له الظروف". وأعاد " الأهرام" إلى الأذهان الظروف الصعبة التي مرت بها اليمن " خاصة في الجنوب حيث ساد في فترة مايشبه الحرب الأهلية - يقصد 13 يناير 86 - ولكن التقلبات ذاتها هي التي أججت في النفوس طلب الحلم الذي كان يراود العقول دائماً على أنه حقيقة انقسمت نصفين ولابد أن يعود الالتئام في كل واحد عاجلاً أو أجلاً ". ويَخْتتم تعليق " الأهرام" بالتأكيد على أهمية الوحدة للشعب اليمني حيث ستوفر دولة الوحدة مقومات الحياة في عصر الوحدة والاندماج .. وعربياً تؤكد الوحدة اليمنية إنها الطريق الطبيعي لمسيرة هذه الأمة. ونشرت مجلة "الحرية" الفلسطينية في عددها الصادر يوم 27/5/1990م ، تحقيقاً مطولاً من صنعاء وعدن ، ذكر فيه أن الاحتفال بالوحدة اليمنية بدأت في الشارع قبل أن تعلن رسمياً ؛ وأن الأطفال نزلوا إلى شوارع صنعاء وعدن مع الكبار .. وراحوا يهتفون : "وحدة وحدة" .. وكانت تظاهرات الصغار أبعد ماتكون عن نوع من التظاهرات التي تنظمها الأنظمة.. نعم كان هناك فرح وصدق حقيقيان يشعر بهما الزائر لليمن .. ودائماً يرد عليك خلال الأحاديث : " لاتقل شطر جنوبي أو شمالي لقد أصبح اليمن واحداً" وفي نفس العدد يستعرض الأستاذ توفيق بلال الجهود الوحدوية التي بدأت عام 1972م واستمرت طوال الثمانينيات حتى أثمرت يوم 22 مايو بإعلان الجمهورية اليمنية ، " أنه إنجاز جاء بعد صراع وحروب ومحاولات إسقاط كل من النظامين في الشمال والجنوب للنظام الآخر .. لكن ذلك لم يؤد إلى انتصار أحدهما على الأخر .. ، ولم يعد خياراً من النظامين الاَّ الاستجابة لإرادة الجماهير اليمنية في الوحدة والحرية والديمقراطية.." ثم يتوقف الكاتب أمام المستقبل ويشير إلى بعض التحديات الاقتصادية ومع ذلك يعود ليؤكد قدرة اليمنيين على تجاوز العراقيل للحفاظ على الوحدة وحمايتها ، خاصة و أن المدخل لصون الوحدة هو ذاك الربط بين الديمقراطية والوحدة .. مما يعطي سياجاً منيعاً لايمكن اختراقه. لامجال للمقارنة وتنشر صحيفة " الوفد" الصادرة في القاهرة يوم 27/5/1990م مقالة مطولة للأستاذة منى مكرم عبيد .. قارنت بدورها الوحدة اليمنية مع التجارب الوحدوية الفاشلة ومما قالته: " .. لو أمعن المراقب النظر في قضية الوحدة اليمنية مقارنة مع الوحدات الأخرى سيكتشف على الفور شروطها المختلفة وأبرزها ان الشعب اليمني وحركته السياسية والوطنية بقيا موحدين ولم ينقسم إلى شمال وجنوب الاَّ على مستوى السلطة السياسية". وتضيف في مكان آخر : " ومثل معظم الخلافات التي كانت تسود أقطارنا العربية ، لقد أثبتت سنوات القطيعة والتجزئة ان هذه في المقام الأول هي خلافات أشخاص في قمة السلطة حتى لو تدثرت هذه الخلافات في أثواب أيدلوجية مبهرة للنظر ومفسدة للوجدان القومي" وبعد أن تشير الكاتبة إلى أن أسوأ الخلافات على الإطلاق هي تلك التي نشبت بين أقطار عربية متجاورة جغرافياً ومتداخلة بشرياً ونفسياً واقتصادياً تؤكد : وجاءت وحدة اليمن لتثبت ان الجغرافيا أكثر رسوخاً من تحديد علاقات الشعوب والدول من الأيدلوجية .. وبدأ أن الخلاف الأيدلوجي بين النظامين (في عدن وصنعاء قبل التشطير) رغم حداثة الظاهرة على مدى عشرين عاماً لم يصمد أمام المشاعر الوحدوية والقومية المتأججة لأبناء اليمن. وعندما تنتقل الأستاذة منى عبيد بالحديث عن ثمار الوحدة نجدها تقول : " أن قيام دولة الوحدة سوف يشكل نقلة سياسية واقتصادية في المجتمع اليمني وستوفر الإمكانيات الاقتصادية التي كانت تهدر في سباق التسلح بين الشطرين وبما يمكن الدولة الموحدة من توجيهها لصالح التنمية والتطور وفتح المجال أمام استغلال الثروات الباطنية والحيوانية والزراعية والسمكية في ظل الاستفادة من الخبرة الفنية والإدارية وهو الاطمئنان الذي تخلقه الوحدة". وتخلص الكاتبة إلى : أن دستور دولة الوحدة ، يؤكد على الديمقراطية والتعددية الحزبية وحرية الصحافة كخيار جوهري أساسي للدولة اليمنية ، وهذا يعد أحد ابرز الضمانات لنجاح الوحدة وإستمرارها. بعيداً عن البروستريكا ويرى الأستاذ احمد حمروش : ان الجهود لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية قديمة وتعود إلى قيام ثورتي 26 سبتمبر 62 و 14 أكتوبر 63 ، فقد حسم الشعب اليمني أمره على الوحدة لينهي أثار الإستعمار البريطاني التي فصلت بين شماله وجنوبه عندما دخلت قوات الاحتلال عدن عام 1829م. ويقول الأستاذ حمروش في" روز اليوسف" في العدد الصادر يوم 28/5/1990م وهو يشير مرة أخرى إلى اتفاق عدن : الخطوات الأخيرة في عام 1989م اتسمت بالواقعية والشجاعة والتطلع إلى المستقبل .. وأن إنجاز الوحدة اليمنية كان سابقاً للبروستريكا ، ونابعاً من الإرادة الشعبية التي عبرت عنها الزعامة اليمنية نضجاً ، وليس كما اعتقد البعض إنها من آثار البروستريكا التي جاء بها جورباتشوف إلى الاتحاد السوفيتي عام 1985م. وبهذا المعنى - يضيف الأستاذ حمروش - ان الوحدة اليمنية " لم تعلن بإرادة فوقية ، ولكنها تجسدت بروح وعزيمة شعبية وهذا ماكان يلمسها الزائر إلى اليمن بشطريه قبل مايو 1990م ، ويسمعها في أي حوار يتم مع المسؤولين أو بسطاء الناس وهذا ماعجل بإعلان الوحدة" ولكن ماهي دروس الوحدة اليمنية عربياً يجيب الأستاذ حمروش: " ان النظرة إلى المستقبل تظهر ان اليمن الموحد يزيد من قدرات العرب .. ونجاحها يعطي علامة ونموذجاً هاماً لمزايا الوحدة من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مواجهة عالم ينبذ اليوم نموذج الدول الفردية المنعزلة ويتجه إلى تعزيز التكتلات الإقليمية". الدرس اليمني أما مجلة " الطليعة الكويتية" ، فقد أشادت بالأسلوب الذي أُعلن فيه إعادة الوحدة اليمنية ، حيث أمتاز بالربط في التطبيق بين شعار الوحدة الحلم العظيم للعرب والديمقراطية أملهم وطريقهم بالنهوض. وأعادت " الطليعة" في عددها الصادر بتاريخ 29/5/1990م التأكيد على ان الوحدة اليمنية كإنجاز عظيم تحقق بطرق سلمية .. ولم تكن معزولة عن الجماهير التي شاركت في اتخاذ القرار عبر الاستفاء كما شاركت قواها السياسية في إغناء التجربة .. وأعربت المجلة عن أملها الكبير بأن تكون الوحدة اليمنية تجربة يحتذ بها على امتداد الوطن العربي من أجل وحدة شاملة ديمقراطية .. ودعت أيضاً القمة العربية المنعقدة يومها في بغداد إلى ضرورة قراءة الدرس اليمني بتركيز أكبر ، لان فيه المخرج لمحنة العرب .. ، ولأن القمة نقص منها واحد ولكن لصالح الأمة لاغيرها. نجم القمة وما ذهبت إليه " الطليعة" في نهاية تعليقها ، يجعلنا التذكير بالمشهد التالي : لم يكن قد مضى أسبوع على ميلاد الجمهورية اليمنية ، وتتوجه الأنظار إلى بغداد لمتابعة مؤتمر القمة العربي الاستثنائي المنعقد بين 28 - 29 مايو .. كان هناك من يعتقد ان عدد الأعضاء ناقصاً .. لكن لم يكن ناقصاً لأن سوريا قاطعت ولبنان "غابت" فحسب ، بل أن "شطري اليمن " حضروا في وفد واحد برئاسة الأخ علي عبدالله صالح ليكرس في القمة نشوء " الجمهورية اليمنية" ، وليطالبا جامعة الدول العربية رسمياً بإنقاص عدد الدول المنظمة إليها من 22 دولة لتصبح 21 دولة ، ثم تعود إلى 22 دولة بإنضمام جزر القمر. كان اليمن الوحدوي هو نجم القمة .. يومذاك .. ، فقد جدد القادة العرب في كلماتهم الترحيب الحار بها كما أشاد بيانهم الختامي بهذا الإنجاز الوحدوي التاريخي غير المسبوق ، على الساحة العربية. وفي هذا السياق واصلت الصحافة العربية تناولها لهذا الحدث وأبرزت كلمة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح أمام القمة وتأكيده مجدداً على أن الوحدة اليمنية تعد مكسباً كبيراً للأمة العربية وستبقى سنداً قوياً وعاملاً للإستقرار في المنطقة .. وستقف في إمكانياتها إلى جانب الأشقاء سواء في الخليج أو في المشرق أو في المغرب [ راجع " الحياة" وغيرها من الصحف العربية الصادرة يوم 30/5 ؛ واليوم السابع ، 4 يونيو 1990م]. وجاء مقال مطول لمجلة الشاهد [العدد 57] مايو 1990م ، يعبر عن نفس الموقف القومي : يطل اليمن من أبواب نهاية القرن على حقيقته الحضارية التي تحفز عميقاً في التاريخ العربي الذي لايعود القهقرى رغم التواءات ليست من نسيجه .. والوحدة اليمنية هي صلب هذا النسيج وفي قدرة اليوم في ظل متغيرات تعصف بمناخ العالم تنطلق أشرعة من عدن لتلتقي مثيلاتها في صنعاء نحو وحدة الوطن العربي. وجدت لتبقى وبدورها استعرضت مجلة "الحوادث" المهام الرئيسية أمام أول حكومة لدولة الوحدة اليمنية خلال المرحلة الانتقالية التي استمرت 36 شهراً وليس 30 شهراً كما تم الاتفاق عليها ، ومن أهمها : استكمال الدمج الكامل للمؤسسات وإنجاز القوانين والتشريعات الجديدة وإلغاء القوانين الشطرية والارتقاء تدريجياً نحو بناء الدولة العصرية تظللها سيادة القانون والعلنية ، والعمل على خلق أجواء جديدة للممارسات الديمقراطية ومعالجة المشكلات الاقتصادية والإعداد والتحضير لإجراء أول انتخابات برلمانية بمشاركة جميع الأحزاب. وأعربت الحوادث في عددها الصادر يوم 15/6/1990م عن ثقتها بنجاح حكومة دولة الوحدة في تنفيذ مهامها ؛ ثم عادت لتؤكد بان الوحدة اليمنية وجدت لتبقى .. وأن ضمانات الوحدة تكمن في الشعب اليمني الذي عاش الوحدة كحلم وأمل. الواقعية .. والإرادة السياسية ولكن .., بالنظر إلى ان الخوف قد أصبح عقدة مزمنة لدى الشعوب العربية ، بسبب الوحدة الفاشلة بين مصر وسوريا نهاية الخمسينات ، والجهود الوحدوية بين سوريا والعراق ومصر وليبيا في السبعينات .. فلم تخلو تناولات الصحافيين من إثارة مثل هذه الخوف عند الحديث عن مستقبل الوحدة اليمنية ؛ بيد أن كتابات أخرى غزيرة ؛ كانت أكثر وضوحاً عندما تعيد التأكيد في غير مقالة وتحليل عن الفروق بين الوحدة اليمنية والتجارب الفاشلة .. وتضع اليمن حالة استثنائية وهذا ما أكدته تجربة السنوات الماضية. وفي هذا الصدد يكتب الأستاذ ضياء رشوان في مجلة " الفرسان" ، [ العدد 645] وتاريخه 9/6/1990م بعنوان " وحدة اليمن بين الواقعية الاقتصادية والإرادة السياسية .." كانت المقدمة كمايلي : " بعد نحو ثلاثين عاماً من إنهيار أول تجارب الوحدة العربية .. بزغ في الأفق العربي آمل وحدوي جديد .. ومن أقصى جنوب الوطن .. من اليمن السعيد بتوحيده تأتي البشارة هذه المرة .. " ثم يستدرك بقوله : "إذا كانت التجزئة هي الحالة العامة التي سادت الوطن العربي مع بداية ضعف وانهيار الإمبراطورية العثمانية وإبرام الاتفاقيات ما بين المستعمرين الأوروبيين الجدد ، فإن بعض التقسيم كانت تعكس تعسفاً أكثر من غيرها .. فالتاريخ الطويل المشترك والبنية الاجتماعية الواحدة والنمط البيئي والجغرافي المتجانس وأنماط القيم والسلوك والعادات السائدة جعلت كلها من تجزئة اليمن إحدى أكثر الحالات العربية تعبيراً عن قسوة هذا التقسيم وعبثيته.. ومع أن الاشتراك في كل مكونات الحياة ذاتها من بشر وطبيعة وتاريخ وتناقضه مع الواقع التقسيمي بين النظامين السابقين والتباين في التوجهات السياسية والاقتصادية ، الاَّ أن قضية إعادة الوحدة اليمنية لم تغب يوماً عن وجدان وعقول اليمنين ، وشكلت الاتفاقات أرضية مشتركة لقيام نظام موحد. بعد ذلك يخلص الأستاذ ضياء رشوان إلى القول : " على غير التجارب الوحدوية في الستينيات والسبعينيات فقد اتسمت الوحدة اليمنية بالواقعية وارتبطت بتوافر الإرادة السياسية بالإضافة إلى الأسباب التاريخية والمصيرية المشتركة .. فضلاً عن الدوافع الاقتصادية والوظيفية التي كانت قائمة طيلة سنوات التشطير .. زد على ذلك أن تطلعات الجماهير اليمنية لإعادة وحدة الوطن لم تغب يوماً .. كانت حاضرة وحيَّه باستمرار ماجعل مسألة التعجيل بإعلان الجمهورية اليمنية أمراً حاسماً قبل موعدها المحدد .." وترجع مجلة " الميدل ايست" [يوليو 1990م] الإسراع بإعلان إعادة الوحدة اليمنية قبل موعدها المقرر بستة أشهر إلى : " أن المفاوضات قد تقدمت بصورة غير متوقعة وسارت بشكل طبيعي .. وتم في خمسة أشهر ( ديسمبر 89 أبريل 90) إنجازما لم يتم في عشرين سنة .. كذلك الرغبة في تفويت الفرصة على أعداء الوحدة .." الرد على الانفصال وتحت عنوان " شمس الوحدة تشرق من اليمن" تنشر مجلة " الجيل" في عددها لشهر يوليو 90 ، مقالة مطولة سلطت فيها المزيد من الحقائق والأضواء على المحطات الوحدوية .. ، ولكن سنشير إلى بعض المقتطفات .. تقول المجلة : ان اليمن كان هو بوصلة الأحداث العربية في تاريخ الحركة العربية .. فعندما فشلت الوحدة بين مصر وسوريا عام 61 ، جاء الرد على الانفصال من اليمن تمثل بانطلاق ثورة 26 سبتمبر 62 ، .. وعندما حلت الهزيمة بالعرب في نكسة حزيران 1967م ، جاء الرد - أيضا من اليمن ففي 30 نوفمبر من نفس العام ارتفعت أعلام الاستقلال فوق عدن ، فاضطرت بريطانيا أن تحمل حقيبتها وترحل ، وكان ذلك الخروج إيذانا برحيل المستعمر من الخليج العربي. وتعيد المجلة - في سياق مقالها- التذكير بحقائق أخرى تاريخية وهي تشير إلى : " دور اليمن في القضية الفلسطينية والدفاع عن القدس قديماً وحديثاً ، ففي عام 1147 ، وصف صلاح الدين اليمن في إحدى رسائله إلى عامله في اليمن ، بأنها خزنة عامرة .. وهو يطلب منه المدد بالمال والرجال عندما كان يستعد لخوض معاركه، ووصله منها ماطلب" . وبعد أن تستعرض المجلة دور اليمن في الدفاع عن القضية الفلسطينية تتوقف وسط المقالة لتوضح الإنجاز الوحدوي كمؤشر للمستقبل العربي فتقول : أنها مثال جديد على طريق الوحدة لحمته وأساسه الديمقراطية بمعناها الواسع والحيوي والفعال الذي يعنى مشاركة المواطن العادي في صياغة مستقبله وصنع مصيره بالإرادة الحرة والواعية والشجاعة. وتعيد المجلة إلى الأذهان التجارب المريرة والدامية التي مر بها اليمن أبان التشطير ، انتهت باليمن كله إلى محصلة نهائية وهي ان الديمقراطية تطلق الحرية وتحرر الإرادة وتصون الكرامة وهي التي تتيح فرصة الفعل في سبيل الأهداف التي تسعى الأمة في سبيلها. وتستطرد مجلة "الجيل" في حديثها عن أجواء الديمقراطية في يمن الوحدة وتستشهد بقول الرئيس علي عبدالله صالح في الأيام الأولى لإعلان الوحدة : " أن اليمن الموحد سوف يكون ساحة الديمقراطية وعرينها بكل مايعنيه ذلك من تعددية سياسية وضمانات للمواطن في حقه بالتعبير عن آرائه والعمل لها .. " وقوله رداً على أحد الأسئلة :" ان الشعب اليمني هو حارس الوحدة وهو الذي يحميها". ثمار الوحدة وبعد .. من الطبيعي أن مساحة التناول في هذا الحيز تضيق لتقديم كل التفاصيل والشهادات والتوقعات التي تضمنتها كتابات المحللين والباحثين في الصحافة العربية والدولية - رغم أهميتها - حول الوحدة اليمنية.. , على أن ذلك بحاجة إلى وقفة اخرى ومناسبة أخرى. ولكن .. , وفي ضوء ماسبق ، يمكن الخروج بالعديد من الحقائق أوردها بدون ترتيب فيمايلي: أولها : أن وحدة التراب اليمني تحمل دلالات وأبعاد وطنية وقومية , ارتبطت بنضال الشعب اليمني وتطلعاته منذ ثورتي 26 سبتمبر و14أكتوبر المجيدتين .., وأن إعادة توحيد الوطن كان أمراً طبيعياً ، لأن اليمن كان أصلاً منذ القدم يشكل وحدة جغرافية وسياسية وبشرية. وثانيها : أن إعادة توحيد الوطن جاءت استجابة لإرادة شعبية ارتكزت على قاعدة وضمانة استندت عليها .. أهمها تمسك الشعب اليمني بوحدة انتمائه الوطني حتى في عهود التشطير .. بمعنى ان الوحدة دمجت " نظامين شطريين" وليس مواطنين موحدين أصلاً. وثالثها : أكد الإيقاع المتسارع لإعلان قيام الجمهورية اليمنية ،" أنه ليس تكتيكاً ، لمعالجة أوضاع اقتصادية أو سياسية داخلية بل هو استراتيجية وطنية. ورابعها : أن الوحدة اليمنية لم تكن عشوائية ، وإنما تمت بخطط مدروسة واتفاقيات متعددة وحملت داخلها سمات التدرج من جانب وتجميع الخبرات من جانب اخر .. وهي كما يؤكد الدكتور حسن ابوطالب انطوت على أمرين جوهريين أولهما البعد التنظيمي الإجرائي والثاني ربط إعادة التوحيد بالديمقراطية وفي كلا الأمرين يمثلان في واقع الأمر الخبرة الفريدة لتجربة الوحدة اليمنية والتي تميزها عن كافة التجارب الوحدوية السابقة [راجع مقالة ابوطالب ، المنشورة في العالم اليوم ، مايو/1992م] وخامسها : استطاعت الوحدة ان تعزز الديمقراطية .. وقد أضحت واقعاً معاشاً وليست شعاراً .. ديمقراطية نيابية قائمة على التعدد الحزبي - يوجد 22 حزباً وتنظيماً سياسياً - .. , وأكدت صدق النهج الوحدوي في أول انتخابات برلمانية تمت في 27 أبريل 1993م ، وتكررت في نفس التاريخ والموعد في عامي 1997م و 2003م ، بالإضافة إلى الانتخابات الرئاسية في 23 ديسمبر 1999م وأول انتخابات للمجالس المحلية في 20 فبراير 2001م ، ومرت كلها بنزاهة عن نظيرها باعتراف المراقبين الدوليين الذين أطلعوا عن كثب على مراحل العملية الانتخابية بدءاً من الإجراءات الفنية والقيد والتسجيل مروراً بالاقتراع .. وصولاً إلى فرز الأصوات وإعلان النتائج. وسادسها : ازدهار حرية الصحافة خلال العهد الوحدوي ، وابرز مظاهره فيما نشهد في العام الخامس عشر للوحدة ، من تنوع الإصدارات الصحافية بشكل لافت ، وبلغة الأرقام المنشورة التي لاتكذب ولاتتجمل ، فقد قفز الرقم من 93 صحيفة ومجلة عام 91م إلى نحو 270 مطبوعة تتنوع بين صحيفة يومية وأسبوعية ونصف شهرية ومجلة شهرية وفصلية بالإضافة إلى تزايد انتشار الصحافة الإليكترونية الحكومية منها والحزبية والخاصة ، وهناك أكثر من 65 نشرة دورية تمثل مؤسسات المجتمع المدني والهيئات الأهلية والاتحادات النقابية والأندية الشبابية والرياضية والجمعيات الخيرية ، التي تجاوز عددها الــ 4000. وسابعها : أن التجربة الوحدوية منذ عامها الأول وماتلاها ، وضعت حداً لمخاوف راجت قبل مايو 1990م ، فأثبتت التجربة أن الوحدة ولدت لتبقى كما أن الشعب هو صمام الأمان .. والديمقراطية جهاز المناعة الحصين. وثامنها : وحدت الجهود والمال لتوظيفها من أجل بناء الدولة الحديثة .. وتحقيق التنمية وتعزيز الأمن والاستقرار. وتاسعها : أصبح لليمن دوراً قيادياً بارزاً في محيطه الإقليمي والقومي .. والتفاعل الصادق والمسؤول مع مختلف القضايا العربية والإسلامية والإنسانية. ضف إلى ذلك أثارها الإيجابية في المحيط الإقليمي والعربي , حيث أكدت تجربة السنوات الماضية ان اليمن الموحد والقوي والمزدهر كان ولم يزل عاملاً مهماً للسلام والاستقرار في المنطقة .. ويتجلى ذلك بوضوح في حكمة القيادة السياسية لحل الخلافات الحدودية مع دول الجوار بطرق سلمية وبروح حضارية .. كما حدث مع سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية وارتيريا .. وحولت نقاط التوتر الحدودية إلى مناطق سلام ووئام وتعاون مشترك. زد على ذلك مالعبته اليمن ممثلة بالرئيس علي عبدالله صالح في المساعي الصادقة لجهة إحلال السلام والمصالحة في الصومال والحرص الدائم على جعل القرن الأفريقي بعيداً عن أي صراع.