الحدادة
-

الحدادة

أيها الأعزاء سنتناول في هذا الموضوع حرفة قديمة أيضا .. و تعد من الحرف و الصناعات الشعبية الشاقة ، و التعامل معها و ممارستها تقتصر على الرجال فقط لأنها تحتاج إلى صبر و جلادة و نشاط ، علاوة على أنها تحتاج أيضا إلى ذكاء و خيال واسع يساعد في تنميتها و تطويرها ، صناعة ارتبطت بالمطرقة و السندان و السحب و الطرق ، و من أهم المواد التي تستخدم فيها .. الحديد .. نعم ، إنها الصناعات الحديدية أو ما يعرف بالحدادة ، و الحدادة أيها الأعزاء هي إحدى الحرف الشعبية القديمة التي مارسها الإنسان الحضرمي و لا يزال ، و هناك أسر معروفة اشتهرت بهذه الحرفة ، و للحدادين سوق خاص يمارسون فيه مهنتهم يعرف بسوق الحدادين ذلك لأن مهنتهم تتميز بالأصوات المرتفعة الناتجة عن عمليات الطرق و التعامل مع الحديد حتى قيل في المثل ( حداد ما يسمع حداد ) ، و لا يمكن للحداد أيضا أن يستغني عن النار التي تساعده في تطويع الحديد و سهولة تشكيله فمن الحديد يصنع أدوات الزراعة مثل القدم و الفؤوس و أدوات البناء و غيرها من الأدوات الحديدية الأخرى . في سوق الحرفيين تسمع  أصوات طرق وترى  بعض الحدادين الذين يتميزون في لبسهم الذي امتزج لونه بلون الفحم المستخدم في العملية تدخل  المكان فتجد  شابا او شيخا  جالسا جلسة خاصة تحيط به المصنوعات الحديدية مرتبة على الجدران فهنا الفؤوس و القدم و المسامير بمختلف أشكالها و مسمياتها و أشياء كثيرة صنعها هو و أمامه السندان و المطرقة و قد أخذ قطعة حديد من الكير الذي بجواره و هاهي محمرة اللون من شدة حرارتها يطرقها طرقا شديدا كي يصنع منها فأسا ، و كلما بدأت النار في الخمود حرك المروحة التي تنفخ الكير حتى تبقى النار مشتعلة و يزودها بالفحم الذي يجلبه من أماكن خاصة لهذا الغرض ، فتشعر وكأنك  في مكان آخر ، وستشعر أن العمل حقا عبادة ، و ما أكل أحد أطيب مما كسبت يداه و تصبب فيه عرق الجبين .

و من بين المصنوعات الحديدية الأخرى البوابير و مفردها بابور و هو الكانون و جرار الفول الكبيرة و القدور و الطاوات بمختلف أنواعها و أدوات الطباخة الأخرى إضافة إلى الأداة  المشهورة و المعروفة ألا وهي ( البخاري ) الذي يستخدم لإعداد الشاي بالطريقة الحضرمية ، و تعد صناعة البخاريات من الصناعات الشعبية المتميزة في وادي حضرموت إلا أنها تعاني اليوم من المنافسة الغربية التي جعلتها حبيسة المعامل رغم جودتها التي تفوق الصناعات المستوردة وقد تفنن الصناع في صناعة البخاريات و جعلوها تعمل بثلاث طرق أولها الطريقة التقليدية و هي بالفحم ، و الثانية و هي دخيلة بالكهرباء ، و الثالثة و هي غريبة بالقاز !! و يصنع البخاري من مادة النيكل و النحاس و الرصاص .

ان نقل الهموم والمشاكل هو اقل ما يمكن أن نقدمه لمثل هؤلاء الرجال الذين أسهموا إسهاما لا يخفى على أحد و لا أقصد هنا أهل هذه الحرفة فحسب و لكن كل الحرفيين في مختلف المجالات الذين يستحقون الكثير من الاهتمام و الرعاية من قبل الدولة و الجهات المعنية ، و كم تألمت حينما عرفت ما عرفت و تذكرت المثل القائل ( حداد ما يسمع حداد )

أيها الأعزاء ، و تعد الصناعات الحديدية من أكثر الصناعات انتشارا اليوم فـورش الحديد قد انتشرت انتشار النار في الهشيم حتى أنها دخلت بين بيوتنا فكثيرا ما ينام البعض منا على أنغام المطارق و المناقب و المناشير التي تشجينا كثيرا . و ما أجمل أن نتحلى بالصبر فهو مفتاح الفرج . و بحق أقول أن الصناعات الحديدية نافست غيرها من الصناعات المماثلة ، و قد أذهلني أحد الصناع حينما أوقفني أمام نافذة لا أشك أنها مصنوعة من الخشب و قال لي : مثل هذه ؟ فقلت : نعم ، و كم كانت دهشتي عندما قرعتها لأرى مدى جودتها فإذا بها مصنوعة من الحديد ! مهارة  و إبداع تفنن فيهما الصانع اليمني متواكبا مع الحدث و محافظا على الهوية و الطابع الجميل ، ألوان خشبية متألقة ، و متانة و جودة تخجلك كثيرا .

أيها الأعزاء إن التعامل هو أساس الحياة و الصدق و الأمانة أساس التعامل ، لذا يتوجب علينا جميعا أن نتحرى الصدق في كل معاملاتنا ، فالصدق سبيلنا إلى النجاة .

سنلتقي  مرة اخرى مع حرفة  جديدة ، من قلبي أشكركم أيها الأحبة و أسعد كثيرا حينما ألقاكم و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.