الحياكة
في هذه الحلقة سنقف مع صناعة شعبية جديدة لنعرضها لكم وفقا و الفترة الزمنية المحددة لهذا البرنامج ، حرفة كانت منتشرة بشكل أكبر في وادي حضرموت و في كثير من المناطق اليمنية و لا تزال آثارها باقية إلى يومنا هذا إنها حرفة الحياكة .
الحياكة : صناعة شعبية قديمة تداولها الحضارم كغيرهم من أبناء اليمن و الجزيرة عموما منذ القدم و حققوا شهرة كبيرة ومتميزة من خلال أعمالهم المتقنة و حياكتهم الدقيقة ، فقد اشتهرت البرد اليمنية و خصوصا الحضرمية منها ، و ذكرت كتب السيرة الكثير عن ذلك , و لا تزال هذه الصناعة الشعبية موجودة حتى يومنا هذا إلا أن التطور و التقدم في مجال الصناعة جعلها تختفي عن الأنظار بالرغم من وجودها ، و لعل الكثير من أبناء اليمن و الحضارمة و خصوصا سكان المناطق البدوية لا يزالون يرتدون المنسوجات المحاكة محليا و يفضلونها على غيرها ، إذ أنها تتمتع بخصائص لا توجد في غيرها من المنسوجات الحديثة سواء كان في المادة المصنوعة منها كالقطن و الصوف البلدي أو الألوان الرائعة الجذابة و النقشات التي تعكس موروثا شعبيا يدل على العراقة و التميز و الابداع إضافة إلى المتانة و جودة الحياكة ، وفي وادي حضرموت لا يزال الكثير من الأهالي يحيكون الملابس و خصوصا الأزر ( المعاوز ) في معامل و مشاغل خاصة في بيوتهم و لعل مدينة شبام هي التي اشتهرت من بين مناطق الوادي إذ أن فيها ما يزيد عن 20 مشغلا للحياكة حاليا تأتي بعدها السويري وتريم ثم سيئون و القطن و غيرها مناطق وادي حضرموت ، و قديما كانت هناك الصباغة و هي حرفة أخرى مرتبطة بالحياكة حيث تصبغ المنسوجات المحاكة محليا بالنيلة و غالبا ما يكون اللون الأسود هو الأشهر . و تستخرج الأصباغ من نبات خاص يعرف بالحوير ، و يذكر المؤرخ عبد القادر محمد الصبان أن المنطقة الواقعة من شمال جذع بسيئون إلى مريمة ثم المسيال كانت تزرع بأشجار الحوير التي يكون منها النيلة للثياب المنسوجة ثم سميت المنطقة بالحوير إلى الآن ، الأستاذ جعفر محمد السقاف باحث و كاتب و له اهتمامات بموروثاتنا الشعبية له العديد من البحوث و الدراسات في هذا المجال تحدث عن بداية الحياكة في وطننا الحبيب و ظهورها و تعدد المناطق التي اشتهرت بالحياكة و مدى التبادل التجاري بين محافظات الوطن الواحد و تبادل المنتجات فكان أهل حضرموت يصدرون المنسوجات و من أزر و بسط و خيوط و يستوردون الزبيب و اللوز وغير ذلك من الحبوب ، و أشار الأستاذ جعفر محمد السقاف إلى أن الأجداد كانوا أيضا يحيكون الحبال من أشعار الحيوانات و أوبارها و كذا من شجرة القطن التي اشتهرت بها حضرموت و اليمن عموما و منها يحيكون المنسوجات الأخرى .
و آلة الحياكة آلة فريدة في عملها بسيطة في تركيبها و مكوناتها فهي تتكون من مجموعة من الأعواد ( القطع الخشبية ) تسمى بالقاعدة يوضع الغزل أو الخيوط الثابتة و التي تشكل الغزل الرئيس في المنسوج ( اللون الأساس ) في عمود خاص يسميه أهل هذه الحرفة بـ ( البيم ) من خلال طيها فيه بشكل دقيق تحمله هذه القاعدة يقع في الطرف البعيد من الحائك / و أعواد أخرى مرتبطة ببعضها البعض بطريقة هندسية معينة / و تعارف أهل هذه الصناعة على تسميات و مصطلحات لهذه القطع تمكنهم من التواصل و التفاهم و استبدال البعض منها إذا ما استهلكت أو بليت ، و من بين هذه القطع :
الموجح : و هي الأداة الرئيسة في آلة الحياكة تحتوي على مجموعة كبيرة من الأعمدة الدقيقة ( 500 ) عمود كانت تصنع من عيدان الأشجار و لكنها لا تعمر طويلا فاستبدلت حاليا بأعمدة من الألومنيوم ، و هو غالي الثمن ، يتم وضع الخيوط الثابتة بين الأعمدة الدقيقة / ووظيفة هذا الموجح هي رص الخيوط اثناء عملية الحياكة .
المدرج : ( أو كما يسمى أحيانا القير ) و هو محول من الخشب بمقاسات خاصة يتم فيه طي المشغولة أثناء العمل و يركب على حامل خشبي يسمى حامل المدرج و يقع إلى جهة الحائك .
الزمامير : ( و مفردها زٌمّار ) و هو عود مجوف يشبه في شكله مراكب الصيد الصغيرة ، ويوضع في كل زمار عجلة الغزل المتحركة و التي بواسطتها تتم عملية الحياكة .
الدعسات : ( الحذي ) و هي مداحق من الخشب يضع الحائك رجليه عليها أثناء عملية الحياكة و يكون عددها في الغالب 5 دعسات و تعمل على قسمة الغزل أو الخيوط الثابتة التي تتكون من ست طبقات أثناء عملية الحياكة .
الأنياص : و هي خيوط وترية عددها 500 نيصة تتركب على ستة أعواد مدوّرة الشكل و تربط بها الدعسات لتتكامل العمليّة .
إضافة : إلى بعض القطع الأخرى مثل الميازين ، و الركب ، و الديلات ، و البتار ، و الممرس و غير ذلك ، و يستخدم الحائكون عادة الخيوط بأنواعها سواء الصوفية أو الغزلية إضافة إلى الزقازيق التي تعطي الثوب رونقا و جمالا . و يستطيع الحائك أن يقوم بنفسه بتركيب قطع آلة الحياكة دون عناء أو مشقة ، الحائك حداد عوض عبود عبَد من مدينة شبام قام بعمل ذلك أكثر من مرة :
وبعد أن تكون الآلة جاهزة للعمل يبدأ الحائك بتركيب البيم الذي يحوي الغزل الرئيسي و الذي يعد اللون الأساسي للمنسوج و يعمل على تمرير خيوطه إلى الأنياص و بعد ذلك إلى الموجح و نترك الحائك محمد سالم صالح بايعشوت يكمل و هو جالسا يعمل على آلته :
: حرفة الحياكة ليست بالأمر اليسير فهي تتطلب مهارة خاصة و خفة في حركة اليدين و الرجلين و تركيز أثناء العمل حتى تحصل على نسيج جميل و جذاب و ذي حياكة متقنة ، و يستغرق الثوب الذي يبلغ طوله من 6 – 7 أذرع و عرضه ذراعين و نصف يوما واحدا أو يومين كحد أعلى و يعتمد ذلك على سرعة الحائك و النقشة التي يحيكها :
و المنسوجات المحلية و الصناعات الوطنية لاتزال رائجة في السوق المحلية و الإقبال عليها يتزايد مع اقتراب الأعياد و في مواسم الأعراس و الأفراح و أسواقنا تزخر بكثير من المنسوجات الوطنية سواء كانت من منتجات وادي حضرموت أو من المناطق اليمنية الأخرى مثل الشحر و شبوة و ذمار و غيرها . خرجنا إلى سوق سيئون نستطلع بعض الآراء فكانت السعادة تغمرنا حينما رأينا معظم المتاجر عارضة المنسوجات الوطنية بشكل يثير الدهشة و يبعث الأمل في أن الصناعة الوطنية لا زالت هي الأبقى ، أزر مزركشة و مزينة بأنواع من النقشات المعبرة فهذه عليها معلم سياحي و هذه بها صورة خنجر يمني و تلك عليها عبارة موحية ، و هذه حوت ألوانا متناسقة بديعة تنبئ من أنها صنعت في اليمن لو أنك رأيتها خارج أرض الوطن ، يا للروعة و يا للعراقة ، تراثنا ينطق و يتحدث و يقول أنا هنا فأين المهتمين .
ان تراثنا هو عنواننا ، و حفاظنا عليه حفاظ على هويتنا ، فيجب أن نشجع كل الحرفيين في بلادنا و أن ندعمهم فذلك يعني أننا نحافظ على تراثنا من الانقراض و على تاريخنا من التشويه و التحريف و على مكانتنا بين الشعوب .
إن انتشار الصناعت الحديثة و ضعف الاهتمام من قبل الجهات ذات العلاقة سبب رئيس في انقراض و اختفاء الكثير من صناعاتنا و موروثاتنا الشعبية بالرغم من ثبوت صلاحية هذه المصنوعات صحيا و اقتصاديا و حضاريا و يرجع البعض أن هناك عوامل أخرى ساعدت على ذلك أيضا منها :
* ضعف الاقبال على منتجات الحرف
* ضعف كفاءة بعض الحرفيين و عدم قدرتهم على التطور من خلال إدخال عنصر الإبداع على منتجاتهم و هذا يعني جودة الإنتاج
* ضعف الجانب الإعلامي لشرح أهمية استخدام منتجات الحرف التقليدية
* عدم القدرة على السياحة الداخلية لتسويق منتجات الحرف التقليدية .
و من أجل الحفاظ على ما تبقى من هذه الحرف و النهوض بها نرجو من الجهات المختصة في وزارة الثقافة و التربية و التعليم / و التعليم الفني و التدريب المهني و المجالس المحلية و أصحاب الحرف و كل المهتمين من أبناء الوطن أن يسعوا في هذا المسعى :
إن إقامة مهرجان التراث مساء الثلاثاء 18 مايو 2004 ماهو إلا انعكاس و ردة فعل عفوية لما يختزنه يمننا ووادينا من موروث شعبي عريق .
وختاما لانفول وداعا ولكن الى اللقاء مع حرفة جديدة انشالله تعالى .