الطب الشعبي
مما لا شك فيه أن التمتع بالصحة الجيدة من أهم عناصر الحياة الطيبة، ومفهوم الصحة الجيدة لا يعني فقط مجرد الخلو من الأمراض، وإنما يعني التمتع بحياة صحية أفضل جسمانيا، وعقليا، ونفسيا، وروحانيا ولا يستطيع أي إنسان منصف أن يتغافل عن أهمية الطب الحديث لحياتنا، ولا عن الإنجازات الكبيرة التي حققها للبشرية خلال القرن الماضي. إلا أن المأزق الحقيقي الذي لم يستطيع الطب الحديث الخروج منه هو أنه ينظر للإنسان المريض دائما نظرة محدودة تنحصر في أنه يراه مجرد مجموعة من الأعراض المرضية فحسب لا على أنه كيان متكامل من النواحي الجسمانية والعقلية والنفسية والروحانية
الطب الشعبي هو جزء من المعتقدات الشعبية وهو يتميز عن بقية المعتقدات بارتباطه بالصحة والمرض ويتعامل به الكثيرون حتى الآن لمواجهة مشكلاتهم الصحية في ضوء الخبرات والتجارب العديدة المستمدة من البيئة .إذا أن صلة الإنسان العريقة بالطبيعة هي علاقة خالدة . ففي غابر الأزمان استخدم الإنسان أوراق الشجر وجلود الحيوانات كـكساء يقيه من غوائل البرد .. وعاديات الحر . واتخذ من الفاكهة غذاء يقيه شر الجوع .. واستمد من الينابيع الماء ليطفئ نار الظمأ وآوى إلى أسقف من أغصان الشجر .. واستخدم ألواناً شتى من الأعشاب والنباتات للتداوي من الأمراض . وازدهر الطب العربي بعد مجيء الرسول عليه الصلاة والسلام الذي أمر بالتداوي وطلب العلاج بقوله" تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً غير داء واحد ، قالوا ما هو ؟ قال : الهرم " . وهناك تعاليم وآداب الطب النبوي الذي اعتمد عليه الأطباء الأوائل في تسميتهم للأمراض وأساليب معالجتهم لها .
واليوم بعد قرون من هذا كله رغم التحسن في الخدمات الصحية وبرغم توافر المراكز العلاجية يعود الناس إلى رحاب الطبيعة التي كانت ولا تزال الصيدلية الأولى للإنسان بحثاً عن صحة أفضل رغم ما وصل إليه الطب وتصنيع الدواء الحديث من تقدم .. حيث يشهد العالم في الوقت الحاضر دعوة إلى الاهتمام بالأعشاب والنباتات الطبيعية واستخدامها في صناعة الأدوية وبدأت بعض الجامعات الأوروبية والأمريكية في العودة لطب الأعشاب وإقامة محطات تنمو فيها الأعشاب الطبية في ظروف متحكم فيها . وباتت صيدليات بأكملها في أوروبا لا تبيع سوى الأعشاب والنباتات الطبية ، وخصوصاً للمرضى الذي أخفقت كل الوسائل الأخرى في علاجهم ،
و لا يخفى على أحد أهمية الأعشاب والنباتات الطبية التي عرفت فوائدها جلياً منذ القدم دون أن تترك آثاراً جانبية على جسم الإنسان كما تفعله الكثير من الأدوية الكيميائية في الوقت الحاضر، ويرجع ذلك إلى أن المادة الفعالة في الأعشاب والنباتات الطبية يحدث بها نوع من التوازن إن صح القول، حيث أن المواد الفعالة في النباتات لا تقوم بمفردها بالعلاج ولكن توجد مركبات أخرى معها تجتمع فتخفف إيجابية هذا في سلبية ذاك ، وقد توجد هذه الخاصية في نبات أو عشب بمفرده أو بتركيب من أكثر من نبات أو عشب طبي ، بحيث لا تظهر له أي آثار جانبية وهذه الخاصية لا توجد في الأدوية المصنعة من المواد الكيمائية، حيث أنها تعمل على علاج عضو معين في حين تكون لها آثار ضارة على عضو آخر في الجسم ، وكثيراً ما طالعتنا الصحف بسحب العديد من أنواع الأدوية من التداول نظراً لما أظهرته من آثار جانبية، وتشير الدراسات إلى أن البيئة تزخر بأصناف عديدة من الأعشاب والنباتات العلاجية ، وبعضها مستمد من أوراق الأعشاب وفروعها ، أو أوراق الشجر وفروعها ، وبعضها الآخر من البذور والثمار .
وبرغم تقدم الطب الحديث، ووجود المستشفيات الحكومية المجانية، وكذلك اعتماد الطب على العلم الحديث والتكنولوجيا أو الأجهزة الحديثة في كشف الأمراض، فإن بعض الناس لازال يعتمد على الطب الشعبي سواء أكان اعتماداً كلياً في كل الأمراض أم في بعضها . فمن السكان من يلجأ للمجبر لبراعته في تقويم العظام المكسورة، كذلك المصاب بالعين والمغص وأمراض الرأس كالصداع وآلام الظهر، وكذلك الأمراض النفسية وعرق النَّسَا و العقم والأرق والشلل والرقبة والروماتيزم ... الخ .
الأستاذ الباحث المؤرخ عبد القادر محمد الصبان يرحمه الله تعالى ذكر في كتابه العادات و التقاليد تحت عنوان الطب الشعبي عدد من الأعشاب و الأدوية الشعبية المتعارف عليها في حضرموت و بعض فوائدها نذكر منها ما يلي مع الاعتذار مسبقا إن هناك خطأ في نطق الاسم بالصورة الصحيحة :
و كما أن هناك تخصصات في الطب الحديث فالأمر كذلك أيضا في الطب الشعبي التقليدي ، فنجد الطبيب الشعبي المتخصص و الخبير في الأمراض الباطنية بينما نجد طبيبا آخر في تجبير الكسور و ثالث في الأعصاب و رابع في أمراض الأطفال و ربما يكون يكون هناك طبيبا شعبيا عاما .. هؤلاء الاطباء الشعبيون منتشرون في معظم البلاد العربية و لدينا الكثيرون منهم ممن تزخر بهم مناطق الوادي و هم يقدمون خدمة للمواطن يشكرون عليها .. الطبيب الشعبي المعروف بوحسن مارس هذه الحرفة منذ ما يزيد عن أربعين عاما و هو و لله الحمد يتمتع بصحة طيبة رغم تجاوزه الثمانين من العمر تجده جالسا كل عشية في مكانه المعروف بمدينة سيئون يأتيه القاصي و الداني من مختلف مناطق وادي حضرموت المترامية الأطراف يلتمسون العلاج الذي ربما كتب الله في الشفاء و غالبا ما تكون أمراض الأطفال هي المتكررة لديه فهو الذي اكتسب خبرة عميقة في هذا التخصص .. و يجد الطفل نفسه بين يدي الشيخ المسن مرتاحا راغبا في الجلوس دون حراك لأن العافية بدأت تسري في كيانه رغم أنه صغير لا يعرف المجاملة ، مما يدل على أن العلاج الطبيعي و الطب الشعبي لا يزال مرغوب و مطلوب من قبل الصغار قبل الكبار و هذا مايؤكده الكثيرون .
أيها الأعزاء : هناك أسباب مختلفة تجعل الناس يلجأون إلى الطب الشعبي منها : عدم جدوى الدواء المعطى من المستشفى من وجهات نظرهم . بالإضافة إلى الثقة منذ القدم في الطب الشعبي ويرى بعضهم أن الدافع إلى ذلك يعود إلى أسباب نفسية عند المريض، بينما يرى البعض الآخر أن السبب يكمن في قلة تكاليف الدواء الذي يصفه الطبيب الشعبي بمقارنته بأسعار الدواء الحديث كذلك يعود السبب إلى العادات الاجتماعية في المجتمع نفسه . ويرد بعضهم الأمر إلى قلة الوعي لدى الأفراد . وآخرون يردُّون ذلك إلى تأخر مواعيد المراجعات في المستشفى للأمراض التي تحتاج إلى وقت لعلاجها .. و كل له وجهة نظره الخاصة .. خلاصة الأمر أن الطب الشعبي كحرفة شعبية تقليدية لا يزال موجودا و الإقبال عليه متزايدا
وعلى أية حال ..فعلينا ان نحترم هذه الحرفة واهلها لانها اثبتت نفسها لقرون ولازالت تؤتي اكلها على حد قول الكثير ، والى اللقاء