العصر الأموى
لا تسعفنا مصادر التاريخ الإسلامي العامة في رسم صورة واضحة لأوضاع اليمن في
الزمن الأموي، إذ يبدوا إن انتقال مركز الثقل السياسي إلى الشام وما رافق ذلك من
أحداث عامة متنوعة هناك بالإضافة إلى الفتوحات في المغرب والأندلس قد غطى على
الأحداث المحتملة التي جرت في اليمن خلال ما يقارب القرن من الزمان، وربما تعلق
الأمر ـ بعد خروج معظم أهل اليمن للجهاد ـ بفترة هدوء تنفس فيها أهل اليمن الصعداء
، حتى إذا انصرم قرن من الزمان ، تبدأ الأحداث ثانية بالظهور، ولذلك فإن المصادر
التاريخية لهذه الفترة لا تجود إلا بذكر أسماء الولاة ومددهم في اليمن في الفترة من
41 ـ 132 هـ وهو زمن خلافة بني أمية في اليمن والتي قطعتها خلافة ابن الزبير في
الأعوام 64 ـ73 هـ ، فقد ولي اليمن أكثر من خمسة وعشرين واليا وبمدد مختلفة لعل
أطولها ولاية يوسف بن عمر الثقفي الذي ولي اليمن ثلاث عشرة سنة ابتداء من خلافة
هشام بن عبد الملك 105هـ وقد أستأثر الثقفيون عامة بثقة بني أمية فأكثروا من
توليتهم ولايات مختلفة من بينها اليمن، وأحدهم محمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج وهو
الذي استنابه عنه في اليمن وأبرز ما تذكره المصادر في زمن محمد بن يوسف هذا هو أنه
هم بحرق المجذومين بصنعاء ، إذ جمع حطبا عظيما لأجل ذلك ، بيد أن منيته عاجلته قبل
تنفيذ الحرق، ولا تعطي المصادر أسبابا لكثرة العزل والتولية خاصة وقد طرأ على إدارة
الولايات نمط جديد من التولية يجوز بمقتضاه للوالي أن يرسل من ينيب عنه إلى ولايته
فيما يستقر هو بجانب الخليفة أو حيث شاء وهو ما يفيد التكريم بالمناصب والموافقة
على جناية منافعها دون تجشم عناء المسؤلية، ولنا ان تصور ان مهمة هؤلاء الولاة كانت
الحفاظ على مخاليفهم من جهة الأمن والاستقرار وفض الخصومات والولاء للخلافة وتقديم
الزكاة والأعشار وسائر المدفوعات الأخرى، لترسل إلى عاصمة الخلافة بعد الصرف منها
على شؤون الولايات، وبهذا الصدد تذكر المصادر أن بحيرا بن ريشان الحميري وهو من
القلائل من أهل اليمن الذين تولوها من قبل يزيد بن معاوية قد قبل ولاية اليمن على
مال يؤديه للخلافة كل عام ولعله أساء السيرة في أهل اليمن لجمع الأموال لنفسه
والخلافة حتى يستحق وصف المصادر له بأنه كان عاتيا متجبرا.
ثم إن اليمن في خلافة ابن الزبير 64ـ73 هـ خرجت من حظيرة الدولة الأموية
واستطاع ابن الزبير ان يرسل إليها الولاة من قبله، وهم الذين سرعان ما كان يتم
استبدالهم أيضا حتى أن فترة بعضهم لم تتجاوز الشهور، ولذلك تميزت اليمن بالاضطراب
زمن خلافة ابن الزبير ، وربما كانت ابرز الأحداث في فترة الخلافة الأموية وتداخلها
مع خلافة ابن الزبير المغمورة الذكر في المصادر والأبحاث الحديثة هي خروج عباد
الرعيني ضد الوالي يوسف بن عمر الثقفي ولكن الأخير قتله هو وأعوانه في عام 107 هـ ،
أما في أواخر الدولة الأموية فقد غلب الخوارج على اليمن وهم الذين كانوا في حرب
متواصلة ضد الدولة الأموية، وكان زعيمهم عبد الله بن يحيى الحضرمي الملقب بطالب
الحق والذي ثار بحضرموت وتمكن بمن معه من رجال من دخول صنعاء وإلقاء الخطب الدينية
المؤثرة فيها واستمر زحف الخوارج شمالا باتجاه مكة فسقطت بأيديهم ووليها أبو حمزة
الخارجي نائب عبد الله بن يحيى الحضرمي ثم استولى بعد ذلك على المدينة وبعدها شخصت
أبصار خوارج اليمن نحو الشام فساروا باتجاهها إلا ان مروان بن محمد آخر خلفاء بني
أمية أعد لهم جيشا خاصا قابلهم بوادي القرى وأخذ يلحق بهم الهزائم ويطاردهم حتى وصل
إلى حضرموت منطلقهم الأول وحيث كان آخر نفس لهم، إلا أن عبد الملك السعدي قائد قوات
مروان بن محمد قتل في الجوف في طريقه إلى مكة لرئاسة موسم الحج، ثم عين مروان بن
محمد واليا جديدا على اليمن هو الوليد بن عروة ، وكان هذا آخر ولاة بني أمية فقد
تسارعت الأحداث على الخلافة الأموية وآخر خلفائها، وبدأت الجيوش العباسية زحفها من
خراسان في العام 129هـ لتصل إلى الكوفة في العراق عام 132هـ حيث أعلنت خلافة بني
العباس وهزم مروان بن محمد في موقعة الزاب الشهيرة وطورد هو بعدئذ ليلقى مصرعه في
بوصير بصعيد مصر قرب إحدى الكنائس، ثم يبدأ عهد الخلافة العباسية.