العالم مسؤول عن حماية التراث في اليمن وأنا بصدد عمل فني كبي
العالم مسؤول عن حماية التراث في اليمن وأنا بصدد عمل فني كبير
الفنان الأصيل مارسيل خليفة باعث الأصالة في الموسيقي العربية ومجدد روحها وجماليتها يحمل أينما حل وارتحل رسالته الفنان الثائر الملتصق بهوية أمته الحالم بالنقاء والعدل يظلل الإنسان في كل مكان في العالم .
متأبطا عوده وأحلامه ورؤاه وصل اليمن هذا الأسبوع فأحتفى به اليمنيون بكل الحب الذي اعتاده منهم في زياراته السابقة00 الناس العاديون والبسطاء غمروه قبل الرسميين والنخب المثقفة بالقبل والورود والتذكارات في الشوارع والأسواق والفنادق داخل المدن الكبيرة بل وحتى في الأرياف والمناطق البعيدة عن العاصمة التي وطأتها أقدامه في هذه الزيارة لأول مرة ( سيئون وشبام وتريم ووادي دوعن في محافظة حضرموت كمثال) .
***
في حديقة فندق (قصر الحوطة) بسيئون اختطفنا من فناننا الجميل مارسيل خليفة بضعة دقائق مساء الإثنين 10 أبريل نيسان الجاري لنجري معه هذا اللقاء

الخاص بموقع حضرموت وإذاعة سيئون فأطاع إلحاحنا رغم إرهاقه من جولات ميدانية استغرقت منه طيلة النهار في رحلته من صنعاء إلى وادي حضرموت وفي الوادي ما بين مدن سيئون وتريم وشبام وبرفقته المخرج الفرنسي الشهير بيير ماريا دوبرييه .
وقبل أن يتجه نحو ركن آخر من الحديقة حيث أقيمت على طلبه " جلسة " طرب للدان الحضرمي و " حلقة " رقص شعبي تقليدي أجرى معه الزميل هشام علي السقاف هذا الحوار :
* هذه زيارتك الثالثة لليمن ؟
- طبعا زرت اليمن في السابق واليوم هي تكملة أنا زرت المكلا ولكني لم أزر الوادي من قبل .
* نعم كان ذلك عام 1982م كما اعتقد .
- الحقيقة هذا المكان إنساني حسّيته يخص الإنسانية جمعاء .. علينا ان نبحث جميعا جاهدين كي نحافظ على هذا المكان .. وليس فقط فيما رأيناه من بناء وهندسة رائعة ، وأيضا على الإنسان الجميل .. الإنسان اليمني الذي عنده كل النبل .. في تقديري أن ما رأيناه اليوم هو دعوة للإنسانية جمعاء أن تهتم بهذا التراث وأن تقدم له الدعم الكافي كي تصونه وتحميه لأنه استمر كل هذه الأعوام .. علينا ومن جانبنا أن نعمل لحمايته أيضا .. وهذا من هدفنا نحن اليوم في هذا المشروع أن أقدم شيئا لليمن من خلال عمل موسيقي مرئي ، يعني فيلم تسجيلي ، ليس فيلم سياحي وإنما فيلم ثقافي يبحث عن خصوصية هذا المكان وعن الإنسان اليمني .. عن الذاكرة .. عن هذا التاريخ .
* زرتَ صنعاء وعدن كما زرت المكلا واليوم هنا في وادي حضرموت ماذا تعني لك اليمن ؟
- الفكرة هي البحث عن الجذور .. أي عربي إذا أراد ان يبحث عن جذوره عليه أن يأتي إلى اليمن .. لأن العرب راحوا من اليمن وتشتتوا في الأصقاع .. إذا أنا اعمل رحلة عكسية ، العودة إلى الجذور .. الجذور بالمعنى العام وليس بالمعنى الخاص.. الجذور الثقافية ، الجذور الإنسانية ، الجذور الفكرية .. اليمن شكل منطلقا كبيرا لكل ما سمعناه ورأيناه من شعر وأدب وموسيقي .
* أبرز شيء لفت انتباهك فيما شاهدته اليوم هنا في مدينة سيئون وتريم وشبام في وادي حضرموت لأول مرة بعيون موسيقي ؟
- أنا بيهمني الناس.. الناس في أي مكان ذهبت إليه في اليمن يسحرونني بطيبتهم.. في دفء لقاءاتهم ، في استقبالهم الحميم ..وهذا فقدناه حقيقة منذ سنوات .. ما زال الإنسان يحمل الكثير من النقاء في هذا المكان .. عدا الألوان والإيقاعات الجميلة .. أنا أتكلم كموسيقي .. أن ترى هذا الديكور الطبيعي ، بين الجبل الشامخ كسور وبين ما نشاهده من صنع يدي الإنسان .
* العام الماضي 2005م توّجتْك منظمة (اليونسكو) التابعة للأمم المتحدة سفيرا وفنانا للسلام ..
- هو في الحقيقة فنان اليونسكو للسلام ، وليس سفيرا .. لا أحب أن آخذ أي صفة دبلوماسية .. أنا مواطن عادي وسأبقى مواطنا عاديا من خلال عملي وموسيقاي .. أقدم شيئا مفيدا.
* ماذا عني لك هذا التكريم شخصيا ؟
- الكثير .. لأنه عندما تختارك منظمة إنسانية للثقافة والعلوم تتحمل مسئولية أكبر .. وهذه المرة الأولى التي يعطونها لفنان عربي .. تعطيني مسئولية أكبر كي أبحث .. ربما تكون زيارتي اليوم هي جزء من هذه المهمة ، كي نقول للعالم ونسلط الأضواء على هذا التراث الغني في اليمن لأنه على العالم أن يتحمل مسئوليته في الحفاظ على هذا التراث وليس اليمنيين فقط لأنه بحاجة لكثير من الدعم والكثير من الإمكانيات كي تبقى هذه الآثار وهذه المكونات الجميلة .
* تحدثت عن التراث المادي ، فماذا عن التراث الشفهي ؟
- غني جدا ، عندما نقول التراث الشعري والفني والغنائي فنعني التراث اليمني .. على الأقل عندما نذكر أوائل الشعراء نذكر امرؤ القيس ، وهو يمني ، وهو أبو الشعر العربي الذي احتفى بالكلمة العربية .. عدا تلك الألوان والنغمات والإيقاعات اليمنية المتنوعة بين منطقة أخرى .
* الموسيقي العربية التي نجحت نجاحا باهرا في إحداث ثورة بداخلها من خلال آلة العود قلت إنها تخاطب القلوب وأنك تحاول أن تجعلها تخاطب القلوب والعقول .. كيف ؟
- نحن بحاجة إلى الاثنين .. عندما نقول الروح فإننا لا

نستطيع فصلها عن الجسد .. وكذلك الامر عندما نقول القلب فهو غير مفصول عن العقل .. يتشابكون مع بعضهم البعض .. يعني الوعي ضروري في الفن أيضا إذا كان هناك إلتزام إنساني .. فما هناك فن ولا فنان إلا ويخاطب الروح الإنسانية وفي مخاطبته هذه يستخدم عقله وهكذا يستطيع الدخول إلى نفوس وعقول الآخرين .. على الفنان دورٌ .. ربما يرى شيئا ما في الأفق ، يرى نورا بعيدا ،
فإذا استطاع أن يحمل الآخرين على أن يروا ذلك النور يكون قد حقق الهدف .
* اتجهت في الأعوام الأخيرة إلى التأليف الموسيقي وقلّلت في الغناء وهذا يثير احتجاجات معظم عشاق صوتك الذي يفوق في روعته الآلات .. ما تعليقك ؟
- الحقيقة أنا لا أفصل بين الأغنية الشعر وبين الموسيقي .. وعندما أحتفي بالموسيقي أحتفي بالشعر وعندما أحتفي بالشعر فأنا أحتفي بالموسيقي .. عندما أقول للشعر أن يتركني أحيانا أكون أقدم للشعر جماليات جديدة ، فكل ما أقدمه هو من وحي الشعر .
دخلت في مشروع الشعر منذ زمن بعيد واليوم أبحث أيضا حتى عن الشعر القديم .. درست المعلقات في المدرسة واليوم اكتشفت جمالية شعر المعلقات وخاصة إمرؤ القيس على سبيل المثال .. حبّيت أن أكتب موسيقي لهذا الشعر .. بهذا المعنى فالأمور متشابكة وليست منفصلة .. الشعر يعطيني الإيحاء ، وآخذ الشعر إلى الجمهور بواسطة الموسيقى .. الهدف واحد وهو أن نصل إلى وعي فني موسيقي حضاري .. لأننا نملك الكثير من الحضارة ، وواضعيننا على المحك ... فالنظام العالمي الجديد الذي هو في الحقيقية نظام يغور في القدم حوّلنا إلى جموع خائرة وذليلة وتنتهي بمشاهدة التلفزيونات الملونة .. علينا أن نبحث بأعماقنا عن لغة جديدة سواء في الشعر أو الموسيقي أو الحياة أو في النضال أو في الفلسفة والفكر .. علينا خلق تلك الحوافز كي نقول للعالم إن عندنا حضارة وعندنا موسيقي .. مش بس نحن إرهابيين .. لأنهم يصفوننا بالإرهابيين .. نحن أيضا عندنا شعر وعندنا موسيقي .. وعندنا حياة وأماكن جميلة مثل اليمن .
* سؤال نبيل مطبق : أين هو اليوم عودك الذي اشتراه لك والدك بخمسة وعشرين ليرة ؟
- تلك ذكريات حميمة بالنسبة لي ، لأنه عندما حصلت على ذلك العود الأول تخليت عن كل آلاتي المنزلية من طاولات وطناجر وصحون كنت أدربك عليها كل الوقت .. وعندما دخل هذا العود وكنت لا أعرف كيف أتحكم في دوزانه كان عيدا حقيقيا عندما دخل إلى منزلنا .. وبدأت أتعلم هذه الآلة .. أنا لم أختر هذه الآلة .. اختاروها أهلي لأنها كانت من أرخص الآلات .. ولكن أحببت بعدين هذه الآلة .. وأعطيت لها حبا ، وحاولت أن أفتح آفاقا وخاصا في التأليف بهذه الآلة مثل أعمال (جدل) للعودين .. مثل (مداعبة) لأربعة أعواد .. مثل كنشيرتو (الأندلس) .. مثل العمل الذي سأقدمه لليمن الذي يعتمد على العود والأوركسترا أيضا ..
* سؤال نبيل مطبق : هذه الأحلام تأتي في إطار حلمك لتطوير الألحان والتراث الشعبي ؟
- لن استعمل الألحان الشعبية كما هي وإنما تدخل ضمن إطار إحساسي وأكوّن منها مكونات أخرى تدخل في المطبخ وتعمل منها حاجات أخرى .
* رحلتك من عام 1972 م في عمشيت بجبل لبنان إلى سيئون اليوم في اليمن .. كيف نلخص أبرز محطاتها ؟
بين عمشيت وسيئون وحضرموت .. عندما وطأت قدماي أرض بلادكم حسّيت أنني موجود في مكان أعرفه .. لو كنت أتقمص لقلت إنني ولدت هنا من زمان ورجعت .. لم أحس بغرابة ، بالعكس أحسست أنني أعود إلى مكاني الأول بين عمشيت وبين اليمن مسافة قصيرة جدا , قطعتها ربما في الذاكرة وفي وعيي ، ولكنني اليوم موجود معكم وفرحان .
محطات كثيرة امتدت من تلك القرية الأولى إلى مدارات العالم .. حاولت أن أقول فيها شيئا وصل إلى الناس .. ونتابع ما بدأنا به من أعمال موسيقية وفنية .
* أبكيتَ وأفرحتَ .. أيهما أكثر ؟
- الإنسان بحاجة لكل شيء .. البكاء أو الحزن هو حالة إنسانية لا نستطيع أن نتخلى عنها .. ولكني لا أستعمل البكاء كحالة مرضية بل بالعكس .. الإنسان يعبر عن مشاعره في مواقف معينة مؤلم ، ولكنه يستطيع أن ينتصب ويمشي بقوة نحو هدف ويعاود الكرّة رغم الانكسارات التي نتعرض لها .
* سؤال نبيل مطبق : " سأستأنف مع الناس إيقاع الحياة .. وسأواصل العمل الشاق نحو البحث عن نقطة ضوء .. بداية تجدد لارتماء طفولي في أحضان الذاكرة .. لاحتجاج على فساد أشياء العالم " ..
ألا تر ى بصيص أمل ونور ؟ أم ما زلت ترى الصورة قاتمة ؟
- عندما نرى الصورة قاتمة يعني أن علينا أن نعمل أكثر .. وهذا ما أفعله .. يعني لا أستسلم لهذا اليأس الذي تكلمت عنه ، بالعكس فعلينا أن نعمل بجدية وبحب وبفعالية كي نحقق ذلك الحلم .. هناك نور في الأفق البعيد علينا أن نراه .. وأن نمشي باتجاهه .. وأن نقنع بواسطة عمله .. أنت كصحفي وأنا كموسيقي وهو كشاعر وذلك الأديب .. كل واحد في مكانه .. علينا أن نقدم كي نصل إلى الغاية المنشودة .. يعز علي ما يحدث في فلسطين اليوم وما يحدث في العراق وما يحدث في لبنان .. يعز كثيرا علي ما يحدث في كل الأمة العربية .. علينا أن نحاول أن نجد لذلك الألم الكبير منفسا .. كي نستطيع أن نقول : لا .. ضد هذا المد الطافح بالقذارة والبؤس الذي نعيش فيه .
* هل زمن الثوّار انتهى ؟
- أبدا .. لأن الحياة دائما تصنعها لحظة تمرد .. الثائر هو متمرد .. فعندما نصل إلى غاية ما علينا أن نبحث عن غاية أخرى كي لا نستسلم للراحة والاسترخاء .. على الإنسان أن يكون دائما عنده غاية وهدف في عمله , أستطيع أن أقول إن هناك كثيرا من الأمور التي تتطلب منا جميعا العمل ..
* سؤال نبيل مطبق : أنا آتي من تلك السهول الواسعة القريبة من الشاطئ الصخري .. من تلك السهول البحرية الجميلة التي لم يكن بني فيها بعد لا معمل جديد ولا معمل البيرة ولا محطة الإرسال الإذاعية ولا الشاليهات ولا المشروعات السياحية الخاصة ..
ماذا تعني بذلك ؟
- أحيانا تتغير الأمكنة .. ولهذا أطلب منكم أن تحافظوا على مكانكم .. وأن تتركوا يد التحديث بالمعنى الفوضوي .. الأسمنت يدخل إلى هذا الجمال الذي نراه .. علينا أن نكون واعيين لجمال ما صنعناه وأن نزيد عليه جمالا وأن لا نشوهه وأن لا نهدمه .. هذا الذي كنت أعنيه .
* معذرة على إزعاجنا لك .. وقبل أن نغلق هذا الحوار الشيق هل ننتظر منكم أغنية أخرى لليمن على غرار ( جينا للدار جيناك .. يمن الأحرار جيناك ) ؟
- أنا بصدد عمل فني كبير لليمن .. عمل مش بس موسيقي ، بل عملا موسيقيا ومصورا .. نستطيع أن نخرج به إلى العالم .. أحببت أن آتي إلى اليمن وأن أرى اليمن في عيني السينمائية وفي أذني الموسيقية .
انتهى