حوار أجراه/ عمر بن محمد بن شهاب الدين
( إني لأجد ريح نفس الرحمن من قبل اليمن ).. هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن اليمن وأكده بقوله: (اليمن
حوار أجراه/ عمر بن محمد بن شهاب الدين
( إني لأجد ريح نفس الرحمن من قبل اليمن ).. هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن اليمن وأكده بقوله: (اليمن يمان والحكمة يمانية ).. وما قاله إلا وهو يعلم بما سيحل بهذه الأمة في آخر الزمان.. وانطلاقا من هذا الأساس أقيمت ندوة عن أحد الائمة الأعلام الذين سجلوا تاريخهم وآثارهم.. ذلك هو الإمام/ عبدالله بن علوي الحداد – مجدد القرن الثاني عشر الهجري.
وبهذه المناسبة التقى موقع محافظة حضرموت بالمفكر والداعية الإسلامي الحبيب/ أبوبكر المشهور العدني – حفظه الله.. وهذا نص الحوار:

•
من خلال قرأتنا ومتابعتنا للأبحاث التي طرحت في حلقة الإمام الحداد نجد أن الإمام عبد الله بن علوي الحداد هو مدرسةٌٌ للأخلاق نابعة من تربية متصلة بالنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وهذه الأخلاق موجودة في معظم أهل زمانه، لكن نجد في هذا الزمان أن هذه الأخلاق بدأت تطمس فما هو السبب في رأيكم؟ وما الفائدة من إقامة مثل هذه الحلقات؟
عند تتبعنا لأخلاقيات الإمام الحداد والجيل الذي يعيش في زمانه من الأخيار نجد أنها مستمدة من مدرسة المصطفى صلى الله عليه وسلم وذلك بسب وجود العلماء الذين يشرفون مباشرة على تربية الأسر والأطفال وعلى منهجية البلد بعمومها هذا الأصل هو الذي جعل الإمام الحداد ومن في عصره أن يكونوا على مستوى عالي من الأخلاق، لأن هذه الأخلاق كانت قريبة من الإسلام ومن مبادئه فلهذا تبرز أمثال الإمام الحداد وغيره من الأئمة الصالحين والعلماء، عندما ننتقل من ذلك العصر إلى عصرنا هذا يجب أن ننظر إلى الأسباب والعوامل والمتغيرات والتحولات والظروف التي مرت بالبلد والعالم بعمومه والتأثيرات التي وصلت إلى الثقافة وإلى التربية والتعليم وحياة الأسرة ومن ثم حياة المجتمع، وإذا نظرنا إلى هذه المسائل نجد أن هناك تناقضات طرأت بحكم التحولات والتغيرات، وإن هناك جيلا منا يشكل هجمة على نفس المنهجية التي تكلمنا عنها في حلقة الإمام الحداد، فهذه الحلقة التي نقيمها نريدها إن شاء الله إعادة لقيم الرجال وحسن الاتصال كما كانوا عليه من المنهج الرباني السماوي الذي أراد الله به إصلاح البشرية.
فنحن لا نقيم هذه الحلقة للإمام الحداد لأنه من حضرموت، نحن اليوم نعيش عصرا ارتبط العالم بعضه ببعض ونعيش زمنا تعاد فيه أخبار وآثار الأموات الذين ذهبوا – ولا يعني البحث عن مجد الأفراد وحدهم - ولكن نعايش ونرى حيرة وإحباطا في كثير من مواقع الحياة وقد قلت إن الإحباط الذي رأيناه حتى في حياة الرجال الذين عليهم شأن في تفعيل واقع الأمة، في هذه المرحلة المعاصرة نعتقد أن الإشكال الذي تعيشه الأمة بعمومها واليمن بخصوصها هو تخليها منذ زمن بعيد عن بناء الرجولة في الأجيال وقد فتحت أبوابا من نماذج المعرفة الواردة من حيث ما كانت لينشىء عليها جيل كلما كبر كبرت معه نفسه وكبرت معه نفسيته الذاتية ليكبر معه شره وبلاه.
إن في إحياء الحلقات العلمية وإعادة شرح أحوال أولئك الصلحاء والعلماء ورجال الإبداع ورجال العلم الذين كان همهم إرضاء الله وإصلاح أنفسهم وأولادهم وأسرهم وبلادهم وشعوبهم، فكان لازما أن نعيد هذا الكلام ليسمعه الأجيال الذين لم يعودوا ليسمعوا, فقد مرت علينا سنوات طويلة في حضرموت وغير حضرموت ما نسمع عن أمثال الإمام الحداد أنه من رجال الفكر أومن رجال الدعوة أومن رجال العلم أومن رجال البناء,إنما نسمع أقوالا غريبة تتهم أمثال ذلك الرجل وغيره بتهم تهز الكيان والمشاعر، فقامت الحلقات لكي نبين لمن يرغب في إيجاد البناء الصحيح للشعوب سواء كان ذلك في مواقع التربية والتعليم أو نماذج المعاهد ومدارس تحفيظ القران والحلقات في المساجد أو من حيث ما أراد الإنسان أن يبني الرجولة في الرجال والأنوثة الشرعية في النساء.
ومشاركتنا ليس الغرض منها الظهور من أجل الناس ولا الرغبة فيها, ولكن المسؤولية المشتركة في مرحلة صعبة جداً يعاني فيها الناس ما يعانون ونرى الواقع كيف يتفلت في حياة الرجال والنساء ونرى الضغط الإعلامي الخارجي والدمار النفسي والأخلاقي الذي تعاني منه جملة من الشعوب ونحن جزء من شعوب العالم ومن شعوب المرحلة فهل هناك حل في هذه الديانة أم نرضى بالعولمة على غير ضوابط؟ وهل نرضخ للإعلامية فنصبح جزءا منها؟ وهل يليق بنا أن نقف أمام العولمة ونحارب دولا كبيرة ونصارعها بأن نقول لا، و لا يهمنا ما تفعله الدول وإنما يهمنا مانفعله؟
فهذه الحلقات أهميتها التثقيف والتعريف برجولة أولئك الأئمة وتعريف الشباب بمن ينتمي إلى اليمن عموما وحضرموت خصوصا، إن الحلقات العلمية تنوير علمي لكل الناس الذين يرغبون أن يسمعوا تاريخهم المجيد ومعالجات الصالحين للشعوب في بناء العالم والعمل وبناء الأخلاق وبناء الآداب.
•
كيف نربي شبابنا على عدم التطرف وأسلوب التخاطب مع الآخرين من الوجهة الشرعية؟
عندما نلاحظ العالم وتطوراته وخاصة في الجانب المادي سواء أكانت الحركة المادية كعلم مادي أو تطبيقات نظرية ( وهي مسائل مسلم بها ) وهذا التطور العلمي النظري الذي يعود عائده على الإنسان بفوائد جمة عندما نراه ونشهده في التحولات والتغييرات والتطورات في العالم فإن ذلك يقتضي أن يكون لنا أيضا نحن كأمة مسلمة نعايش هذا التطور في الحياة ونعايش ما نشهده في العالم أن يكون لنا أيضا توافق وترابط وتزامن نرفع به أنفسنا من مستوى الاستتباع للآخرين ومستوى الالتزام المجرد بما لا يجب الالتزام به من نظريات ربما قد تؤثر على الخلق أو تؤثر على السلوك أو قد تؤثر على المبادئ وكيف نستطيع أن نوجد من الإسلام ومن هذا الدين الحنيف جيلا يحمل صفة العالمية مما يمكنه التعايش مع كل حضارة وان يستوعب كل مرحلة وان يستفيد من كل تطور دون أن يتخلى عن ثوابته وعن دينه الذي هو في ذاته وفي أصله يحمل مفهوم التطور ويحمل مفهوم التجديد ويحمل مفهوم صنع الحياة وليس ملاحقتها لأنه بالإمكان أن أجاري الحياة و اللحاق بها, لكن الإسلام ليس كذلك لان الإسلام يصنع الحياة، وهو الذي يطور مفهومنا للحياة وهذا ما نجده في المرحلة التي ندخل إليها فهي نفضت الغبار عن أذهاننا وعن العقول وعن المفاهيم وتدعونا جميعا أن نتأمل في جذورنا الأصلية الشرعية حتى يمكن من خلال هذا الفهم أن نعيد مفهومنا لتربية الشباب ونفهم ما المفهوم من الوجهة الشرعية إذن نحن أمام عدة قضايا يجب أن يستوعبها الذهن المعاصر وخاصة الشباب المثقف المحتك بالحياة من عدة صور ومعاني ونماذج، وأن نفهم الإسلام أولا على حقيقته وان الإسلام ليس مجرد تراث أو كتب أو بمعنى أدق أن الإسلام كان موجودا في عصر معين وانتهى دوره, إلا أن علينا الآن أن نأخذ الفكر والحياة والثقافة والمعارف وحتى ربما المبادئ والوجهات والقيم وهي ليس كما نعيشه ونراه ونسمعه, فهذا القول إذا صح أو تبناه احد فهو بالنسبة للإسلام يمثل وجهة نظر انهزامية وليست وجهة نظر إسلامية، الإسلام ما جاء أصلا إلا ليطبق المنهجية الشرعية غير المنهجية الوضعية، ليطبق المنهج الشرعي من ساعة نزول آية (اقرأ باسم ربك الذي خلق).. إلى آخر آية نزلت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم و ما بينهما من الفهم والوعي والمعالجة والغزوات و التأسيسات والثوابت التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يرسمها في المجتمع الأول فنحن عندما نريد أن ننظر للواقع كواقع ونرى جمهور الشباب سواء كان من جنس الرجال أو من جنس الإناث على نفس النمط الذي نراه في ساحتنا المعاصرة يجب أولا أن نعلم يقينا أن هذا الذي نراه هو ركام مرحلي عبارة عن تراكم لمراحل متعددة الفكر متعددة الرؤى متعددة الوجهات فهذه نتيجة المراحل أما حقيقة الإسلام فغير ذلك.
وكما رأينا في هذا العصر إن الذي يملك قرار التأثير هو الذي يملك قرار وضع التعريف للمرحلة فلآن مثلا نسمع عن التطرف وقبل حوالي خمسين سنة كنا لا نعرف شيئا عن التطرف, ولم نسمع كلمة إرهاب إلى ما قبل الثلاثين سنة وما نعرف شيئا عن الإرهاب وما نعرف شيئا عن هذا التعريف, نعم يمكن أن نعرفه في اللغة يمكن نقرأه في الكتب, لكن يصبح تحديد مرحلة ومجموعة بحيث يثير القلق والتساؤل، هذا يدل على أن هناك جهات ذات وعي معين تضع التعريف وتضع التسمية كالمولود عندما يولد يسمى وبعد ذلك تعمل على إيجاد المحيط المناسب له حتى يصبح له مساحة من الواقع ومساحة من التأثير ومساحة من التفاعل مع الحياة بعمومها فالذي يضع التعريف لابد من التعرف عليه حتى نحمي أنفسنا من أي مفهوم يشير إلى هذا التعريف الجديد الذي هو التطرف أو الإرهاب لكي نُبعد عنّا هذه التهمة يجب أن نعرف من واضع التعريف من الجهة التي تتبناها لأجل أن نعرف هل هذه التهمة عندما أريد أن انفيها عني أو أريد أن أوافق الجيل على معالجة قضيتها من أين ستنبع، على سبيل المثال: دائما الذي يحمل قرار الحركة في العالم هو الذي يضع التعريفات فعندما كان الإسلام واضع قرار العالم جاءت تعريفات غريبة لا يعرفها القاموس العربي, فكان العرب لا يعرفون كلمة منافق أو مجتمع النفاق أو المنافقين, فلما جاء القرآن وجاءت الرسالة وحملت مفهوم القرار في العالم صار النبي صلى الله عليه وسلم بما يوحى إليه يطلق على مجموعة في الواقع مجموعة تسمى المنافقين وصارت هذه اللفظة تشير إلى تعريف معين والى مجموعة معينة ونجد القرآن يخصص مساحة معينة لمعالجة هذه القضية التي لم يعرفها الإنسان العربي في قاموسه التاريخي ولكن برزت مع القران أو بمعنى أدق ظهرت مع مرحلة القرار الإسلامي العالمي, إن معنى ذلك أن التعاريف تأتي عن طريق حاكم القرار أو مالك القرار فعندما نريد أن نربي هذا الشباب الذي هو في الأصل ينتمي إلى عالمية الإسلام ونحن في مرحلة قد انتزع القرار منا كمسلمين وصرنا شعوب تابعة لا متبوعة شعوب متأثرة لا مؤثرة هنا ينبغي أولاً أن نعرف حجمنا في المرحلة ولا بد أن نرجع إلى الدين نفسه وإلى الإسلام و أصوله وجذوره حين يساعدنا على أن نحسن التعامل مع أي تغيير مع أي تحول و إحباط وعجز وتأخر هذا الذي نعتقد أننا عندما نبدأ بفهمه ونبدأ بدراسته ونهيئ عقولنا وقلوبنا وافهمانا لإدراكه نحمي به أنفسنا.
و في العالم وجهتان، وجهة شرعية ووضعية، فالشرعية هي التي جاءت بمشروعيتها من عند الخالق الذي أذن بإرسال الرسل وإنزال الكتب لتنظيم الحياة الإنسانية في العالم وهذا كله يتعلق بالمنهج النبوي الأبوي سواء كان لمنهج الرسالة المحمدية باعتبارها الرسالة الخاتمة,أو ما سبقها من الرسالات السماوية لكنها تختلف في الأساليب والوسائل والمعالجات.
وعندما نعود إلى الديانة الإسلامية فهي مفهوم علاقتنا بالمفهوم الشرعي أي أن الدين الإسلامي هو الدين الأخير والخاتم وأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم يمثل الشاهد علينا أي قدوتنا وأسوتنا ومنظم علاقتنا بالمنهج الشرعي وهو المنفذ الأخير لتقييم الأساليب الوضعية وبالطبع الأساليب الوضعية ليست كلها مذمومة, الأسلوب النظري العقلاني محمود في الاختراع والاكتشاف في تفعيل طاقات الحياة من أجل أن نتمتع بهذه المظاهر العلمية فهذه جزء من الشريعة الإسلامية وكافة الشرائع السماوية.
لكن الجانب الوضعي المذموم عندما يتدخل العقلاء في الفكر أو النظريات فيما ليس من شأنهم وهو ما يتعلق بالإلاهيات أو الأخلاق أو ما يتعلق بمصير الأمم أو بما وراء الطبيعة،فهذا جانب وضعي مذموم عندما يتدخل فيه الإنسان.
والوضع المذموم هو ما خرج عن حد التوافق مع ما دعت إليه الشرائع، أما الجانب الوضعي بعمومه الذي يستخدمه مجرد العقل دون العودة إلى الثوابت هو الذي نحن بصدده لإعادة ترتيب فهم الجيل والشباب معاً مما يمكن أن نفهمه عن مفاهيم التطرف والإرهاب، وكيف تأتي هذه التعاريف؟ ومن يصنعها؟ وكيف تكون محمودة أو مذمومة؟ فنعتقد عندما نراجع هذا المفهوم نجد أن المفهوم الوضعي بدأ من عصر الإنسان الأول عندما جمع الله تعالى بين آدم ممثل البشر وبين إبليس مع الملائكة ممثل الجانب الآخر،فعندما أسجد الله ملائكته وأمر إبليس الذي يمثل رؤيا وفكرا ومنهجا أمره أن يسجد لآدم وهذا يعني أن يلتزم لكنه أبى, فهنا بدأت قضية الوضعية عندما رفض وبعد ما رفض كموقف كان هذا الموقف هو بداية للمشروع الوضعي فالشيطان كان أول كافر في هذا العالم,فبدأت حياة البشرية وبدأت التربية على نمطين تربية أبوية نبوية التي تتلقى الأوامر وتلتزم مثل تربية العلماء والصالحين،أما التربية الثانية هي التربية المادية البحتة هي تربية أنا خير منه وهي كلمة أنا أي الأنوية فهي وضعها الشيطان ومن ثم نقلها إلى الإنسان.
فنحن في أمس الحاجة للجانب الشرعي وهو الذي لابد أن يفعّل في العالم وأن يخدم في جامعاتنا و منتدياتنا و إعلامنا و حياتنا لكي نكون في ضمان صحيح.
إذن عندما نعيد تربية الجيل أو تربية الشباب في هذه المرحلة على أساس شرعي فيما يتعلق بشان مفهوم التطرف أو بناء جيل ليس بمتطرف. فالإسلام والأديان وبناء الإنسانية جاء على حد الاستقامة أو مفهوم التوسط قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) فنحن أمام الأمم لدينا وظيفة وبالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم معنا فله وظيفة وهو الشاهد علينا إذن هذه الأمة وضعت في العالم لتكون مرآة تعكس صحة ما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتعكس شهاداتها على فساد الأمم السابقة التي فشلت ولهذا فنحن كأمة نبيها شاهد علينا لا بد أن تتحول قضية تربيتنا وسلوكنا وتنشئتنا في حياتنا وغاياتنا وأهدافنا التي هي آمال الشعوب وآمال الأجيال إلى الإقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم لأنه لا توجد معالجه الآن لا للتطرف ولا للإرهاب و لا للصراعات بين الفرق إلا بإتباعه في مواقفه لان كل هذه التعاريف الوضعية إنما وضعها الشيطان لأجل افتعال الصراع بين البشرية ولهذا لا يوجد مخرج منها إلا أن نعترف بأننا حُدنا عن طريق الإتباع الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا اعترفت الشعوب واعترف المثقفون ورجال القرار في الانحراف عن مفهوم الاستتباع للشهيد الأول وهو رسول الله, فلابد ان نعيد ترتيبنا مع هذا الإنسان الذي هيئ تهيئة ربانية ليكون أمام العالم شهيدا علينا كأمة تحمل منهجا جديدا وشهداء على الأمم الأخرى فيما فشلت فيه من الغيبيات والرسالات وما وصلت إليه من الجنوح من التحطم والفشل والفساد.
فالذي أودى بالمسلمين إلى الضعف وأودى الكفر إلى التسييس في البشرية هو قضية القرار وامتلاك التأثير في حياة الإنسانية,فعلى سبيل المثال التطور والتقدم علم منحه الله للإنسان، و النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لنا صلوا وصوموا ودعوا غيركم يحكمكم، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعّل الطاقات الإنسانية بعمومها ولهذا فلابد من إعادة النظر إلى التربية والتعليم لان الجيل العربي والإسلامي الآن يتعلم ولكن لا يتربى أو لا يتعلم مفهوم الدعوة ولا نتعامل مع الكتاب والسنة على أنهما وثيقة لكن نتعامل معهما على اعتبارات أخرى ولهذا نشأ الجيل المضطرب ونشأ جيل الإعراض أو الإحباط أو الاندفاع ومن هنا جاء التطرف ومن هنا جاء الإرهاب وجاءت الأمراض النفسية التي أصابت المسلمين وهبط بهم إلى هذه الحالة فلا بد أن نعود الأصلين وهما الكتاب والسنة لكي نخاطب الآخر.. قد يقول البعض إن هذا مستحيل! ولكن نقول كل فكر في العالم كان غير موجود وإذا كانت بلدنا عرفت الفكر الشيوعي وهو كان غير موجود لم تمر عشر سنين حتى أصبح جزء من سلوكنا ويعني ذلك لابد أن لا نحبط أنفسنا فإذا كان أي فكر شاذ استطاع أن يكون له موقع في حياة البشرية ويصبح جزء من سلوكهم وتفكيرهم فان الإسلام ليس بشاذ وإنما هو الأصل وعندما تريد أن ترمم الأصل يسهل عليك أن تعيد ترتيبه,لكن الشيطان له دور في إبعاد الناس عن ترتيب أنفسهم في كل شيء حتى في تعاملك مع صديقك وتعاملك في عبادتك ومع قومك وزوجتك فلابد أن تقبل الآخر حتى لو كان يختلف عنك فكرا وشكلا لان الحياة ليست لك وحدك، إقبل الآخر على ما فيه واسمع منه وخذ منه والذي يملك عنصر الحقيقة هو الذي يؤثر على الآخر فالعيش مع الآخر مشروع لكن لابد من التسلح بالأصل في وضع الرؤية والفكرة.
• هل هناك مؤامرة على الأمة؟
نعم، هناك مؤامرة وهي مؤامرة الشيطان منذ خلق الله آدم ومن ثم تفرعت المؤامرة إلى مؤسسات وصارت منظمة ومن ثم تفرعت أكثر ونحن صرنا هدف فيها، فليس كل شي نرميه على المؤامرة وإنما ننظر إلى أنفسنا لكن لابد أن نؤمن بالمؤامرة وما خرجنا من الجنة إلا بمؤامرة، صحيح أن القضاء والقدر له حكم فيها ولكن نسبة الاختيار الذي كان عندنا له دور في هذا الجانب ولذلك لابد من دراسة الواقع العالمي بعمومه لنعرف أن هدف المؤامرة وما نراه الآن مما نعيش فيه جزء من هذه المؤامرة كما قال الله: (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ, إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) وفي الآية الأخرى يقول: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ) ليس من الجن وإنما منّا (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) إذا هناك معركة فاصلة تاريخية بيننا وبين الشيطان تقتضي أن تكون جزء من ثقافة الإنسان المسلم كيف يتعامل مع أمور داخلة في سمات النفس والهوى والدنيا هذه كلها عبارة عن موجودات تؤثر على سلامة هذا الإنسان الذي خُلق لهدف وخلق لوظيفة في هذا العالم.
فغياب الفقه الفكري هو جزء من المؤامرة على أنفسنا،فنحن ساعدنا الشيطان على أنفسنا وهذا الشيطان نفسه يقول يوم يجمع الله الخلائق يقول الله له تكلم فيكلم الناس الذين تبعوه بقوله: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ) أي أتيتكم بوسائل..( فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم) عندما يسبق القران بهذا الكلام فمن يدرسه، عندما تكلم النبي وأوضح خطة زمنية سوف تحصل وقال انتبهوا لها.. ثم لا أحد يقرأها ولا يدرسها لا في الجامعات ولا في غيرها يعني هذا إنها ستوجد خطة عكسية أخرى هي التي ستعمل دورها في المسلمين غير الخطة المحمدية.
إذن هناك خطة إيمانية وأخرى شيطانية, فالخطة الإيمانية مغيبة والخطة الشيطانية تشتغل وتنفذ، وتبقى مشكلة في الواقع،فنحن أقل شي نعمل للخطتين، ولن نقول إبليس انتهى فهو أكيد لن ينتهي فمع وجود الشيطان وخططه لابد من وجود خطط الإيمان وأن يكون لها رجال من الدعاة والعلماء الشعوب والعقلاء ومن الأمهات والآباء ومن الأسر, وكل منهم يبين, ثم نقول " من يريد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ".
• هل هناك مخرج وحلول للأزمات الحاصلة للأمة؟
أولاً: الحل ينقسم إلى قسمين:حل ذاتي لأنه لا يمكن أن ننتظر أن يأتي الحل من جهة خارجية، فكل من دخل إلى هذا الدين واستغرق فيه وتعرف عليه يجد الحل الذاتي موجودا بحيث يكفيك كيف تعرف تتعامل مع كل ظرف وكيف تتعامل مع كل مرحلة، وكيف تتعامل عند الأزمات هذا موجود له حلول معينة موجودة في داخل الإسلام.
الأمر الثاني: في مواعيد أخيرة التي يبرز فيها الصراع بين قوتين بين الحق وبين أعدائه لأن الذي يدور في العالم هو صراع الكفر مع الإسلام.
فالإسلام أتى به المولى بواسطة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأما الكفر فقد أتى به الشيطان بواسطة الدجاجلة, إذن فنحن في صراع عالمي نحن لا نعرفه، وإنما نحن عبارة عن أفراد نعيش في هذا العالم وِفق ظروفنا ومعرفتنا، فهذا الصراع يسير في خطوط محدودة يعلمها الخالق، وسوف يأتي يوم يبرز فيه المولى سبحانه الحقيقة بطريقة أو أخرى مثل ما رأينا في تسونامي ومثل ما رأينا إعصارات أمريكا يبرز لهم حقيقة وجوده وأنه هو الموجود وأنه هو الحاكم وأنه هو الفاعل وهو الذي يقول عن نفسه: (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ).
يعني هذا تدخل إلهي لابد أن يحصل، فالتدخلات متعددة وسريعة مثل ما يأتي من تنفسات الإمام المنتظر ومثل ما يأتي من تنفسات بعض بلدان أهل الخير كاليمن التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إني لأجد ريح نفس الرحمن من قبل اليمن ).. وإنها أرض الحكمة أرض الموعظة الحسنة، تنفسات تكلم عنها النبي تبرز في بلدان وكذلك في شدة ستحصل في تاريخ الأمم كما تكلم عنها النبي في علامات الساعة، فالإنسان عند في فعل هذا لا ينتظر هذه أو تلك لأنه قد يموت قبل هذه لكن المهم يقول ما ذا أفعل قبل أن أموت كيف أقدم قدراتي في تعليم أولادي في انتباه لنفسي وفي توبتي في خدمة مجتمعي في خدمة أمتي بقدر ما أستطيع، بالطبع عندما يأخذها الإنسان عن طريق الوعي والعلم والعلماء تكون أقرب للحقيقة أما إذا تركها على هذه الفوضى الذي يسمعها كما نرى ونعيش فلا حصيلة.. لكن أقرا القران ذاته الذي يخاطب الشعوب ولا يتغير لا يأتيه الباطل، ليس فيه مزاجية فلابد من إعادة قراءة للقران لنعالج أنفسنا وأعيدوا قراءة القران تعالجوا الشعوب وأعيدوا قراءة السنة لأنه أصول لبناء المراحل كلها قديمها وحديثها حاضرها ومستقبلها.