بترومسيلة.. نظرة تفاؤلية
السبت 24 ديسمبر 2011- موقع محافظة حضرموت/الجمهورية نت
بقلم/صلاح مبارك

ربما أن حدث الإشهار الذي جرى مطلع هذا الأسبوع لشركة المسيلة لاستكشاف وإنتاج النفط (بترومسيلة) قد أثار حفيظة الرأي العام المحلي في حضرموت ـ مثقفين ودعاة وساسة وفعاليات مجتمع ـ على نحو يلفت الانتباه.. لدواعٍ عدة أهمها بطبيعة الحال الاحتفاء المتواضع والخجول الذي اتسم به هذا الإشهار واقتصر مراسيمه على حفل لم يدم أكثر من نحو نصف ساعة ألقيت فيه كلمات مرتجلة (عجولة) غير مرتبة، فقد كان الاحتفاء لم يتوازى مع أهمية الحدث ولم يلِق بمقام الإعلان عن تأسيس شركة وطنية مملوكة 100 % للدولة ـ كما يقال ـ تدير وتشغل واحداً من أهم القطاعات والمنشآت النفطية في البلاد.

ورغم هذا تراءى لي أن المجتمع المحلي في حضرموت تنفس الصعداء ـ وخصوصاً المناطق الواقعة في خط التماس امتياز الشركة ـ بعد أن أسدل الستار على اتفاقية المشاركة في الإنتاج مع كنيديان نكسن بتروليم التي دامت أكثر من عشرين عاماً بالكمال والتمام, وكأنهم كانوا في انتظار موعد ومناسبة سعيدة.. وقد جاءت بالفعل في هذا العهد الجديد الذي يتوجب أن تعزز فيه وترسخ قيم ثابتة من التعاون وتبادل المصالح والاستفادة المثلى من المزايا والفرص الخدمية والتنموية التي تقدمها ـ عادة ـ الشركات النفطية في مناطق امتيازها والتي «غابت» وللأسف خلال مشاركة كنيديان نكسن في الإنتاج النفطي عدا إسهامات قد لا تذكر ولا هي «محسوسة» أو «ملموسة» على صعيد التنمية الاجتماعية بدليل أننا لو ألقينا نظرة على أحوال عامة الناس وأوضاع المناطق التي هي في حافة مواقع امتياز الشركة لوجدناها من المناطق الأكثر شقاء وتعاسة وإهمالاً ولم تحدث فيها أية نقلة أو تحسن في أبسط مقومات الخدمات الضرورية «المياه, الكهرباء, الاتصالات», ليس هذا فحسب بل إن هذه المجتمعات المحلية تشكو من سوء علاقتها مع هذه الشركة وربيباتها من الشركات البديلة التي كانت تعمل «تحت المعطف» أو كما يُقال بالباطن إذ لم تعِر أو تعطي أي انتباه للأنظمة واللوائح ولا لحق الشراكة ولا حتى للجانب الإنساني والبيئي فأفسدت علاقة الود ومزقت أوصال التقارب.. وعلى أكوام هذا التناقض والمفارقة العجيبة بين شركة مربحة تدر عوائد ومدخرات يصعب حصر أرقامها في رقعة جغرافية تحيط بها قفار وضنك معيشة وفقر وبؤس مرت سنوات المشاركة في الإنتاج بشكل آمن خالٍ من التوتر والتقطع والمضايقات وفي مجتمع متعاون ومتجاوب، وهذه بشهادة قيادة الشركة نفسها التي كان الجميع يتأمل أن يسود ذلك العهد مناخات وواقعاً آخر من الانسجام والتعاون، ولكن هذا لم يحدث ولم يحترم حتى قرار مجلس الوزراء الخاص بتنظيم آليات تشغيل العمالة المحلية وأجهضت كل محاولات السلطة المحلية بلفت أنظار الشركة للواقع المحلي وإفساح المجال للعمالة حتى في المهن البسيطة والأبسط وكذا إشراك المقاولين والمستثمرين المحليين في الانخراط في أعمال المقاولات في الأنشطة النفطية.
كل هذا حدث ويعد الآن من الماضي، لكن أمامنا في هذه الأثناء حدث اقتصادي كبير يتمثل في تأسيس الشركة الوطنية الجديدة «بترومسيلة» التي بعثت الفخر والاعتزاز في نفوس الجميع ويجب أن تكون كذلك وتُعمد بدايتها وانطلاقتها بأجواء من التفاؤل وتسد فجوات النفور والتضجر من خلال وضع أسس راسخة ومتينة تضمن نجاحها والتعاون مع محيطها بما يضم لها توفير أجواء إيجابية آمنة ومستقرة يساعدها على أداء مهامها وتطوير أعمالها وتحقيق المزيد من النجاحات لها.
وهناك عوامل إيجابية تبشر بأن النجاح سوف يكون حليفاً لهذه الشركة الوطنية الوليدة وهي تلك السواعد الفتية من الكوادر الوطنية المدربة والمؤهلة التي أصبحت اليوم قادرة على إدارة وتشغيل هذه المنشأة النفطية الضخمة والتي اكتسبت خبرات علمية وعملية وكفاءات عالية أثناء ارتباطها وأنصارها بالعمل في إدارة هذا الحقل ومكونات القطاع النفطي.
إننا نحب أن نذكر بأن المجتمعات المحلية هي مرتكز أساسي لأي عمل ناجح ولا يتوجب إغفالها، بل يجب إشراكها بصورة جادة وحقيقية.. وعلى وزارة النفط والمعادن والشركة الوطنية الجديدة «بترومسيلة» أن تصغي جيداً لنداءات هذه المجتمعات وتحسن علاقتها معها سواء في جوانب العمالة أو على صعيد الاهتمام بالحفاظ على البيئة وإعادة النظر وتقييم تجربة الشركة السابقة في تعاطيها وتعاملها مع إسهامات التنمية المحلية ومقارنة ذلك بما هو سارٍ في المناطق المماثلة في محيطنا.
فالمصلحة والفائدة في الأخير واحدة وللجميع ولا نريدها أن تكون كما يقول المثل: »القبقبة للولي والفائدة للقيم»!!