تزهو مدن
حضرموت ومدينة المكلا على وجه الخصوص هذه الأيام بمباهج فرائحية بهية ترسمها عادة
الختاميات الرمضانية أو بما يسمى الختامي أو الختايم كما يسميه العوام. وهو احتفال
بختم القرآن، وجرت العادات في حضرموت عموماً بأن تحتفل المساجد بختم القرآن في
رمضان ورتب منذ زمن بعيد لكل مسجد يوم معين بحيث يبدأ موسم الختاميات من الأسبوع
الثاني لرمضان وتتابع المساجد إقامة هذه الاحتفائيات في أيام معلومة ومحددة وأضفت
عليها تظاهرات اجتماعية ملحوظة من تزاور وتقارب وصلة رحم وتواصل بين الناس.
وفي
السنوات الأخيرة أصبحت عادة (الختايم) في مساجد مدن حضرموت تكتسي بطابع ولون آخر
متميز ويتفنن شباب الحارات في طرائق الاحتفاء بها جعلتها تكون محط متابعة واهتمام
وترقب شعبي لافت، كما أنها أيضاً تحت مجهر جدل بين مؤيدين ومعارضين لها ..وللحديث
عن عادة الختاميات الرمضانية تناول الدكتور فؤاد عمر بن الشيخ أبوبكر في محاضرة
ضافية بمقر فرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بالمكلا حضرموت، هذه العادة وتبيان
الآراء المؤيدة والمعارضة لها و يعد هذا الموضوع جزء من بحثه المطول لنيل رسالة
الدكتوراة المعنون بـ(الأحكام الشرعية لبعض العادات الحضرمية) والذي تحصل به على
درجة الامتياز من جامعة أم درمان الإسلامية بجمهورية السودان ورد فيه على الكثير
من التساؤلات عن أحكام العادات في حضرموت والتي وجهت لها سهام النقد بل وصل إلى حد
تجريح المجتمع وتسفيه ما عليه من عادات وتقاليد.. ويشير الدكتور بن الشيخ أبوبكر
إلى أنه "أستطاع في بحثه هذا التمييز بين العادات وتوضيح ما له أصل في
التشريع مما ليس له أصل و أما المسائل المختلف فيها بين العلماء فبين آراء المعارض
والموافق وما استدل به مع الترجيح بالمرجحات الشرعية والعقلية وبين أن مسائل لا
يجوز الإنكار فيها ما دام وجهة النظر الأخرى منطلقة من أدلة وأقوال العلماء
".
وحول توصيف (عادة الختاميات في رمضان ) يقول : الختامي أو الختايم كما يسميه
العوام هو احتفال بختم القرآن يكون في شهر رمضان , فقد جرت العادات في حضرموت
عموماً أن تحتفل المساجد بختم القرآن في رمضان وقد رتب العلماء لكل مسجد يوما
معينا حيث يبدأ موسم الختاميات من الأسبوع الثاني لرمضان ويكون هذا الختم نتيجة
لختم القرآن في المسجد أما في صلاة التراويح جماعة أو بقراءة الإمامة منفرداً قبل
أن يحين موعد الختم المحدد للمسجد حيث يكون الختم في صلاة التراويح التي تصلى
عشرون ركعة يقرأ الإمام من سورة الضحى إلى الناس وفي نهاية كل سورة يجهر الجميع
بالتكبير ثم يركع، وبعد صلاة التراويح تقرأ فصول من الواعظ والحث على استغلال
أوقات العمر وموعظة في بر الوالدين وتقرأ مواخذ من الشعر .. وبعد إنتهاء الختم في
رمضان في بعض المساجد يخرج الناس متوجهين إلى اقرب مقبرة وهم يرددون بعض الأناشيد
والتضرعات ويضربون بالطيران ويسمى (الزف) وفي مدينة الشحر يتقدم هذا الزف من
الرجال يحملون السرج أو الأتاريك حيث يقومون بألعاب شعبية على إيقاع الطِيران حتى
يصلوا إلى المقبرة حيث يتوجهون إلى الله بالدعاء والفاتحة , ويوم الختم يعتبر
مناسبة عظيمة للتقارب بين الناس والتراحم ومبادلة الأطعمة حيث يستغلها جيران
المسجد لدعوة أهاليهم وأصدقائهم للتفطير والمشاهرة برمضان وجرت العادة أن يتوافد
على الحي الذي يقام فيه الختم الكثير من الناس فتتحول الساحات المجاورة للمسجد إلى
أسواق تجارية كبيرة لعرض الحلويات ولعب الأطفال ويعلوا الفرح والابتهاج وجوه
الأطفال والكبار ويردد الجميع عبارة ( يا عواد... يا عواد).. وتختتم هذه الختاميات
في يوم التاسع والعشرين من رمضان في أشهر المساجد وأضرحة الأولياء .ونوه د. بن
الشيخ أبوبكر بأن بعض الشباب (من سماهم بالمتأثرين بالفكر الدخيل على المجتمع) قد
حاولوا التشكيك في شرعية هذا الاجتماع وما يحصل فيه واعتبروها من العادات السيئة
ومن الزيادات في الدين وأنها من الاجتماعات التي يحصل فيها الفساد والمنكرات بحسب
زعمهم و قد قاموا بإلغاء هذه العادة من المساجد الجديدة التي يقومون ببنائها وبعض
المساجد القديمة.. وأشار المحاضر بأنه لبيان حكم هذه العادة ينبغي ان نفرق بين
أمرين: الأول : ما يحصل في المسجد : وهو مجلس الختم الذي يبدأ من صلاة التراويح حيث
يقرأ فيها الإمام من سورة والضحى إلى نهاية المصحف ويكبر الإمام في نهاية كل سورة
ويكبر بعده المصلون حتى تمام الصلاة و ثم بعد القضاء للصلاة يتم قراءة بعض الفصول
معدة لهذه المناسبة , في الوعظ والحث على فعل الخير وبر الوالدين. الثاني : ما
يحصل خارج المسجد من انتشار الأطفال وفتح أسواق مؤقتة للحلوى ولعب الأطفال و ما
يحصل بهذه المناسبة من التواصل بين الناس وصلة الأرحام ولا خلاف بين علماء حضرموت
حول مشروعية هذه العادة وأنها من العادات الحسنة من الخير الذي يجب المحافظة عليه
. سواء كان ما يحصل في المسجد وفي صلاة التراويح أو ما يحصل خارجه .. بيد أنه
أعتبر هذه المسألة خلافية كالمسائل المتقدمة مستعرضاً ما تمسك به المعارض وبما
استدل به المؤيد لمشروعية هذه العادة. وبيّن الدكتور بن الشيخ أبوبكر آراء
وأدلة المعارضين والمؤيدين لهذه العادة مستعرضاً ما احتج به المعارض في إنكاره على
هذه العادة وما استدل به الموافق في فضل هذه المجالس والذي تبين أن كل ما يحصل في
يوم الختم من التكبير والدعاء في الصلاة التراويح له أصل من فعل السلف إذ لم يبق
مع المعارض إلا الاحتجاج بما يحصل خارج المسجد من منكرات بحسب زعمه , وهي مسألة
ليس لها تعلق بمجلس الختم مؤكداً بأن علماء حضرموت قاطبة ذهبوا إلى " جواز
حضور مجالس الختم وأن مظاهر الابتهاج التي تترافق مع الختم في رمضان ليس فيه ما
يتعارض مع الشرع " وأن المعارض لم يأت بأي دليل للكراهة ناهيك عن التحريم
وركز في إنكاره على (التروك) الذي عده احتجاجا باطلا.
وأختتم د. بن الشيخ ابوبكر محاضرته بذكر محاسن الختاميات حيث قال: وإذا كان
المعترض قد ذكر أن هناك مساوئ تحصل من وراء الاجتماع للختم تدعو لتحريمه وإنكاره
بحسب زعمه , فإننا نذكر شيئا من المحاسن والفوائد العظيمة التي تنتج عن الختاميات
الرمضانية والتي يستفيد منها المجتمع بشكل عام كما إنها تعتبر أعظم وسيلة للتواصل
بين الناس وصلة الأرحام .. ففي يوم الختم يتبادل الجيران الهدايا والأطعمة لتزداد
المحبة بين الجيران تطبيقاً لقول النبي (ص) (تهادوا تحابوا) كما إنها تحث الناس
على المسابقة لختم القرآن وترسم الفرح على شفاه الأطفال وتوفر لهم فرصة اللعب
والابتهاج بما يعطي لهم من مال لشراء الألعاب .. وأخيراً فإن الختاميات الرمضانية
تتضمن أيضاً على إقامة سوق تجارية كبيرة تتيح جلب الرزق الحلال وهو موسم للباعة
لعرض الحلويات ولعب الأطفال .. وإذا قورنت تلك الأشياء بما يدعيه المعارض من مساوئ
فإن المحاسن أكثر , والمنكر إذا وجد في مثل هذه الاجتماعات يمكن تغييره وهو واجب
الدولة باليد والدعاة بالحكمة والموعظة الحسنة.