تقاليد وعادات رمضانية صامدة في ساه وأخرى قُبرت مع جثامين أصحابه
- ساه/موقع محافظة حضرموت/قيس الدوعني

تتجلى روحانية شهر رمضان المبارك في مديرية ساه قبل حلول الشهر بعدة أيام وذلك من خلال جملة طقوس احتفاليه دأب سكان المنطقة على ممارستها منذ عقود بعيدة ، فقبل ثلاثة أيام من دخول شهر رمضان أو آخر جمعة تسبق الشهر هناك عادة لا زالت صامدة في رياح وزوابع محاربة الماضي الجميل وهي الترحيب برمضان والتي تؤدى بعد صلاة المغرب حيث يقوم إمام المسجد الجامع بالترحيب من خلال عدد من الأبيات ( رحبوا يا صائمينا رحبوا بشهر رب العالمينا أعاده الله علينا وعليكم اجمعينا , وهذا هو المطلع وتليها أبيات أخرى)) .


وعندما يصدح صوت الإمام بهذه الأبيات في هذه اللحظات يهرول الأطفال من كل أرجاء المدينة تاركين أي شيء في أيديهم  طعاماً كان أو ألعاباً ويهرولون للمشاركة في هذه الطقوس ولعل كاتب السطور قد خاض هذه التجربة في سن أولائك الأطفال كم كانت تلك اللحظات سعيدة ولا يمكن أن توصف لما لها أهمية خاصة في نفوس الأطفال حيث يصطف الأطفال في حلقات تحيط بالإمام يشكلون كورالاً يرددون خلف الإمام (رحبوا يا صائمين شهر رب العالمين) والسعادة تغمر محيا الجميع  وعلى الرغم من ما تبعثه هذه العادة من إدخال السرور في نفوس الأطفال والكبار على حد سواء  وتبعث في النفوس روح الاستعداد لصوم نهار أيام رمضان وقيام لياليه  إلا أن هناك من يحاول  طمس هذه العادة مدعين  أن لا صلة بسنة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم  وقد انقرضت هذه العادة في مناطق عديدة من مديرية ساه بينما احتفظ حي الصيقة (المركز الإداري للمديرية ) بإحياء شعائر هذه العادة سنوياً .
وهناك عادة أخرى تمارس بعد صلاة التراويح  غيبت في الآونة الأخيرة   وهي خروج الإمام مع من حضر صلاة التراويح إلى خارج المسجد مرددين أبيات وموشحات دينية ((ألا يا الله بتوبة والقبول وإحسان  , ألا يا الله بتوبة قبل ذري الأكفان )) وتستمر فترة وجيزة ثم ينصرف الجميع إلى منازلهم .
الزيارات الرمضانية للأهل والأقارب لتقديم التهاني بحلول الشهر الفضيل فقدت طابعها القديم والتي كانت تأخذ زخماً خاصاً في الماضي فكل من له مثقال ذرة من صلة تشمله الزيارات الرمضانية مصطحبين معهم الهدايا للأطفال والقهوة للأسرة المراد زيارتها والقهوة عبارة عن كمية من السكر والبُن تقدم في وعاء أعد خصيصاً وهو مصنوع من الخوص أو من الجلد المدبوغ  أما اليوم لم تعد كما كانت فقد اقتصرت على أقرب الأقربين فقط  والخوف يساور الجميع في أن يتخلى الجيل القادم عن هذه العادة التي تزيد من ترابط المجتمع وذلك أن مؤشرات بدأت تلوح في الأفق بأن جيلاً قادماً سيكون أكثر انطوائية وعزلة في ظل ما يعرف بالقرية الكونية .
أما تبادل الأطعمة عادة تكاد اندثرت ففي الماضي تبادل الوجبات سمة سائدة بين جميع الأسر سواء كانوا أقارب أو جيران وتخصص بعض الأطعمة للذهاب بها إلى المسجد أما الوقت الحالي أصبحت هذه العادة أثراً بعد عين .
وتشهد الليالي الأخيرة من شهر رمضان المبارك الختايم في عدد من المناطق فهناك ختم آل الشعب والذي يقام ليلة التاسع عشر وفيه تكون الدعوة مفتوحة للجميع للمشاركة وتحتضن فعاليات هذه التظاهرة الدينية منطقة الشعب بحي البلاد وتحديداً مقبرة الشعب التي يوجد بها عدد من الأضرحة لأولياء يقول سكان المنطقة أنهم من أولياء الله الصالحين  (رغم ما يقال أن أموراً شركية تحدث فيها على جهل حسب إفادات بعض من شاركوا فيها ) حيث تذبح الذبائح ويطعم الفقراء والمساكين من لحومها ويقرأ القرآن على أرواح الأموات .
وكذلك الموشحات الدينية حاضرة في هذه الفعالية  تردد على دقات الطيران والدفوف ولعل من الجدير ذكره أن أسرة آل باغوزة بساه  هي الأسرة التي تقوم بهذه المهمة ومن أشهر الأبيات التي يرددونها قصيدة عبد الرحمن البرعي :- يا سيد الكونين يا خير الورى يا هاشمي يا خير من وطئ الثرى , يا من له وسط القلوب منازل , وعلى لساني غير مدحك ما يرى , الحق أرسلني إليك وقال لي , في قبض روحك يا محمد ما ترى ؟؟؟؟))وختم منطقة عنقوره ليلة الخامس والعشرين وآخرها ختم الجوامع ليلة السابع والعشرين يقام في المسجد الجامع تقدم فيه الأطعمة  وبعد الانتهاء يقوم إمام المسجد بجولة في منازل المواطنين في الحي وذلك حسب طلبات يوجهونها  للإمام ويصطحب الإمام معه الفتيان والفتيات في هذه الجولة فيقرءون القرآن وتوزع عليهم الحلويات والهدايا ثم بعد ذلك توهب هذه الآيات التي قرئت لأرواح الميتين من أهل المنزل وكل تلك  العادات دفنت مع جاثمين أصحابها.
الختماة وهي عادة  تخص الأطفال تنفذ في صبيحة السادس والعشرين من رمضان ولازالت هذه العادة غير أن دورة  الأيام غيرت الكثير من ملامحها ففي الماضي كان للختامة رونقاً خاصاً فيلبس الأطفال الثياب الجديدة أما الآن ومع الغلاء المتصاعد لا تلبس الأثواب الجديدة  وإنما بما حضر  من الثياب و يردد الأطفال الأناشيد الخاصة بهم ويذهبون لبيوت من تزوجوا حديثاً أي خلال العام حيث تقدم لهم الهدايا وهكذا يطوفون من بيت إلى آخر في نطاق الحي التابع لهـــم  من الساعة الثامنة صباحاً وحتى منتصف النهار ثم يعودون بما تحصلوا عليه من هدايا وتتم عملية توزيعها بينهم بالتساوي من قبل لجنة من كبار السن .
وكما استقبل رمضان بدموع الفرح يودع أيضا بدموع الحزن على الفراق وبالطريقة نفسها حيث يحتشد الأطفال خلف إمام المسجد مرددين (( ودعوا ا يا صائمينا رحبوا شهر رب العالمينا أعاده الله علينا وعليكم اجمعينا  )).