الجنيد : المتطفلون والدخلاء على الإنشاد لا يملكون أي مقومات، و يوارون عيوب أصواتهم بالمؤثرات الصوتية
الجمعة 12/9/2008- سيئون/موقع محافظة حضرموت/خاص

ظلت حضرموت بعيدة و مجهولة إلى حد ما عن اهتمام العوام واقتصر الاهتمام بها من قبل خاصة الخواص من المسلمين والغربيين الذين  تتوق أنفسهم لمكنونها وإلى النهل من ثراء علوم أهلها النقية لأنهم يعلمون ويدركون إمكاناتها ومخزونها وأسرارها التي تتطلب فهما سليما للرقي إلى أدنى مستويات تلك الأبعاد , ليس سواء هذا سيخطر ببالك لو كنت ممن حضروا أمسية فريدة وغير مسبوقة أقامها مركز ابن عبيدالله السفاف لخدمة التراث والمجتمع بمدينة سيؤون بحضرموت بعنوان ( الأناشيد والموشحات الرمضانية روح ووجدانيات لكل العصور ) ألقاها الباحث الأستاذ / محمد بن عبدالله الجنيد - رئيس الجمعية اليمنية للتاريخ وحماية التراث بتريم .


حيث جمع و أوصل أطراف وأعماق فن الإنشاد والموشحات ( الوجدانيات ) تاريخا ونوعاً في مدينة تريم على وجه الخصوص. و مما ذكره المحاضر أن هناك أنماطا وطرقا عديدة يتفرع إليها هذا الفن العريق منها الوترية والفزازية والقوافي وغيرها , وتعود أصالة و مكامن قوة وثراء هذا الفن الذي يعود تاريخه في مدينة تريم تحديداً لأكثر من ثمانمائة مئة عام كونه يرتكز على أثافي رصين فكلمات الأناشيد في الغالب هي أنفاس شعراء بلغوا من العلم درجات تفوق الفتوى مع عفة وزهد صوفي نقي وإليهم تنتهي علوم اللغة والنحو و سمو الذوق وسلامة الحس الأدبي ورقة الروح والطبع , وقد كان لهذه العوامل و الأدوات مجتمعة حضورها ودورها الواضح في إبراز قوة وتأثير القصيدة بعينها وتداولها المتجدد الذي يمتد لمئات السنين , بطرق مختلفة و بأصوات قوية غاية في العذوبة والجمال، جلية البصمة والهواء يطأطئ لها طرباً و وقاراً كل سامع  فهي تنقله روحا ووجدانا إلى أروقة وزوايا ومحاريب العبادة و إلى سهول ووادي حضرموت وكأنك تطوف بفضائها .

وخلال ذلك تداول المنشدان حداد بن سميط ذي الصوت الشجي، وعلي باحرمي الذي ينتمي إلى إحدى الأسر العريقة في الإنشاد وحسن الصوت و الأداء منذ أن عرفت تريم هذا الفن ومثلهم آل باغريب، ومما أنشد

شهر الصيام لقد كرمت تنزيلا
ونويت من بعد المقام رحيلا
وأقمت فينا ناصحا ومؤدباً
وشفيت منا للفؤاد غليلا
نبكيك يا شهر الصيام بأدمع
تجري فتحكي في الخدود سيولا


وقد حذر المحاضر من تنامي ظاهرة المتطفلين والدخلاء على الإنشاد أو التأثر بهم فأكثرهم لا يملكون من مقومات هذا الفن شيئاً و يوارون عيوب أصواتهم في الغالب بالمعالجات والإيقاعات والمؤثرات الصوتية ، والضوئية و كبر حجم الفرقة والكورال فحضارتهم وفنهم لا تتجاوز هذا الإطار. كما ركز المحاضر على تأكيده بأن حضرموت تعد منجما بكرا معطاء في هذا الفن الإنساني الرفيع وهي مغنم و منجم لكل باحث جاد في فنون الإنشاد وإيقاعاته الفريدة التي لم يستكشف منها إلى حينه إلا بعضه , فلو تم بحثها من منظار علمي ومهني متخصص ربما قد تتغير الكثير من القواعد والنظريات المعروفة و الشائعة في فن الموسيقى عموماً والإنشاد خصوصاً فحضرموت منجم بكر لا ينضب في شتى العلوم .