الجوع العاطفي وغياب الهوية والغيبوبة الفكرية هما جزء من مكامن الضعف المتعددة و الثغرات الواسعة التي تغلغل من خلالها الإعلام الفضائي المنحط إلى الكثير من المجتمعات وبخاصة مجتمعنا العربي الذي وصل به الحال إلى حندس مراحل الانحطاط و ليس في هذا مبالغة أو تهويل أو حدة في الطرح لقد أصبح مجتمعنا مكشوفا و متعري تماما أمام المتربصين به الذين نظموا لهذه الغاية الهيئات والمنظمات والعصابات الإجرامية وجندوا الطابور الخامس لهم في كل بقعة و رصدوا لذلك الثروات التي قد تحيي الأرض بعد موتها ولكنهم أصروا وفق مصالحهم على فنائها ومن عليها وأنفقوا بسخاء من أجل إفناء وتدمير الإنسان و أمتنا على وجه الخصوص .
نذير خطير يمكن إعتباره معيار دقيق برز فجأة في حياتنا وبكل أسف وخجل فرض نفسه على الرغم من أنه مجرد مسلسل تلفزيوني لا بداية له ولا نهاية ولا يحمل موضوعا أو رسالة ولا يرتبط بالواقع ولا المحيط كل شي فيه مزيف حتى ملامح ووجوه أبطاله كل ما فيه لا يمت إلى مجتمعنا بأي صلة , هذا جزء من الحقيقة التي وصلت إليها بعد أن اجتهدت في تفريغ نفسي لبعض الوقت حرصا على أن لا أكتب عن هذه الكارثة و الاستخفاف والانحطاط دون أن أعرف الحقيقة بنفسي من قاعدة ليس من راء كمن سمع , فكم تندمت على ما ضاع من وقتي لمشاهدة هذه السخف والانحطاط الذي أقام الدنيا ولم يقعدها وفرق بين الرجل و إمرأته وبنيه وشغل المحاكم وتسبب في رفع معدل الطلاق بين العوام خاصة وزاد من البطالة وهدر ساعات عمل نفيسة تقدر في مجملها بملايين الساعات وأضعافها من الدولارات وتقليص مساحة كبيرة من العقل ووضعها في دائرة سوداء لا مخرج منها ولا جدوى .
تعجبت وذهلت إلى درجة الصدمة أن تصل خير أمة أخرجت للناس أو سوادها الأعظم إلى هذا الدرك الدوني المنحط الذي تأبى أن تعيشه أي أمة كتابية أو غير كتابية لديها ذرة من عقل أو بقايا من هوية , مضت أيام وأنا غارق في هذه الصدمة مابين مبرر ومعلل ومشخص وباحث عن مخرج أو دواء لما أصيبت به الأمة ولما آل إليه حالي .
ولكني أيقنت مؤخراً بأن أهم أسباب تلك الفاجعة هو غياب الهوية الوطنية و الفكرية والدينية كما أن الجوع العاطفي والخلل التربوي الملازم للبعض منذ الصغر وضعف الانتماء هما أهم أسباب ذلك ومما لا شك فيه أن لكل سبب من تلك الأسباب خلفيات مختلفة كرستها الأنظمة الحاكمة أو على الأقل أسهمت في توسعها وغضت النظر عن تناميها وما ترتب عليها وهذا أضعف الذنوب .
لا شك أن هكذا أمور يعول عليها العقلاء كمقياس لا يبعد كثيراً عن الدقة في رصد شيئ من الواقع أو كله على الرغم من أن الكثير من وسائل الإعلام تتعمد المبالغة و الإثارة والتسابق في أن تزف البشائر للمستفيدين من هذه الظواهر الغريبة لتزيد من أعداد الجزارين والضحايا .
أحسب أننا بهذا قد نقف على حقائق مرة ومؤلمة ومخجلة نظرا لدورنا ومسئولياتنا وواجبنا الحقيقي بين الماضي والمأمول ولا ننسى أن الأجيال والتاريخ لن يغفران لنا ولا أدري بماذا سنبرر لهم انحطاطنا وانكسارنا وذلنا المهين وإرثنا الثقيل لهم .