انطباعات عن بعض لقاءاتي بالأستاذ محمد عبد القادر بامطرف
السبت 12/7/2008- موقع محافظة حضرموت/صالح باعامر

كثيرون من الناس الذين يؤثرون ثقافياً وابداعياً في حياة مجتمعاتهم الا اننا قد لانجد الا القليل منهم الذين يبرزون ويعدون استثناء بموهبتهم وقدراتهم العقلية وثقافتهم الواسعة وتفردهم الابداعي.


محمد عبد القادر بامطرف أحد هؤلاء المتفردين الذين يمتلكون ثراءً ثقافياً منقطع النظير في التاريخ والأدب والفكر والفن والسياسة.. فهو ذلك الموسوعي الذي حرك الحياة الثقافية في وقت اخذت فيه الشخصيات الموسوعية تتراجع بتوسع التعليم إلى أعلى مراحله وانتشاره بين المجتمع الذي كان يقتصر على فئة قليلة دون غيرها من سائر فئات الشعب لأسباب وراثية وتراتبية أحياناً .
وهو لا يعرف عنه إلا الشيء القليل من بعض الناس من المقربين اليه ..أما الأغلبية لايعرفونه سوى كاتباً ينشر ماتيسر له من المقالات السياسية والأدبية وبعض القصص التي نشرت باسمه أو تحت اسم ((أبوحضرم)) الى جانب كونه رجل دولة من الطراز الأول .
ونفر قليل من الذين جايلوه يعرفون كل مايدور في ذهنه من خبايا ثقافية ومن أنه يدون مااستطاب له من التاريخ والأدب ومن المخطوطات الى جانب قراءاته في المسرح والشعر والرواية والقصة.
الى ان ظهرت كتبه مطبوعة في سبعينات القرن الماضي ومن أبرزها ( المعلم عبدالحق ,في سبيل الحكم , الشهداء السبعة , وكتيب منظومة الملاح باطابع .هذه الكتب التي احدثت زلزالاً في الوسط الثقافي آنذاك في كل من حضرموت وعدن إذ أن القارئ كان يفتقر إلى طباعة الكتاب المحلي.
أنا أحد الذين اطلع على بعض من هذه الكتب التي شدتني وغيرت بعض من مساري الثقافي ونظرتي الى ماضينا الذي لا اعرف عنه الكثير .
أول لقاء لي به في عام 1970م عندما جاء الى الدائرة الفكرية والاعلامية التابعة لمنظمة التنظيم السياسي الجبهة القومية التي كنت أديرها يطلب تزويده بخطاب الى وزارة الثقافة والسياحة بعدن تساعده على تسهيل أموره في الخارج ليطلع على المراجع الخاصة بالاعلام اليمنيين في بعض البلدان العربية والأجنبية ..ليؤلف كتابه (الجامع ) . منذ ذلك اليوم اكتشفت فيه الرجل العالم والمتواضع الذي يأسرك بحديثه.
اللقاء الثاني كان في احدى صباحات ذات يوم صيفي عندما زرته في منزله بحي السلام في عام 1972م حاملاً له قصتي الموسومة ب(اليتيمة) التي سبق أن نشرتها (الشرارة) في اكتوبر 1969م ليبدي رأيه فيها بعد أن قرأت بعض من قصصه المنشورة في نفس الصحيفة وبعد عرض عدد من مسرحياته على مسارح المكلا وعدن منها (الشيخ الكبير و سور الشحر والميكروفون ) ونشره عدد من المقالات النقدية .
قطعت درجات السلم الكثيرة الى أن ذلفت غرفة فسيحة ذات ست نوافذ خشبية تسترها قطع قماش أبيض توزعت فوقها بعض التشكيلات الفنية .
ثلاث نوافذ بحرية تطل على زقاق متفرع عن شارع حي السلام وهو مايعرف بشارع المكلا الثاني بينما الثلاث النوافذ الأخرى تشرف على منزل مجاورمن جهة الجبل لايبعد عن منزله سوى مسافة متر  أو مترين على حد أقصى.
حييته فأشار لي بالجلوس ..كان يقتعد سجادة مستطيلة الصقت بالجدار الشرقي من الغرفة بينما سجادة أخرى متساوية الطول والعرض توسطت الغرفة . اتكأت مثله على مخدة بيضاء من بين المخدات الكثر المرصوصة بعناية بجانبي الجدار الشرقي والجدار الشمالي للغرفة.
كان يضع فوق راسه طاقية بيضاء أي (كوفية) من تلك الكوافي التي اشتهرت بحياكتها المرأة المكلاوية والشحرية ، مرتدياً قميصاً أبيض وصاروم (سمرندة) مشجر يميل إلى البياض .
صب لي فنجان شاي أحمر من (ترمس ) كان ينتظر بجانبه عندما تعاطيت معه أطراف الحديث كان باستحياء ,كيف لا وأنا أمام شخصية ذات مكانة ثقافية كبيرة ، لم يطل الحديث بيننا بعد أن ناولته الوريقات التي تطلع فيها مليئاً واوعدني بقرآتها لاحقاً..
ودعته وقبل أن أغادر ارتطمت عيناي برف خشبي كبير احتوى بعض الكتب اعتلته صورة الفنان محمد جمعة خان وهو ممسكٌ بالعود وفي وسط الجدار لوحة مثبتة وسط الجدار تحكي قصة فلاح ينسع غِرباً من بئر بدت كأنها في وادي حضرموت . لم أدر كيف أجاب علي سؤال احتبس بداخلي : هي إحدى اللوحات التي رسمها الفنان التشكيلي محمد علي مخارش .
استمرت اللقاءات بيننا وان كانت متباعدة .وفي أحد زياراتي له وجدت عنده المؤرخ محمد أحمد الشاطري  الذي بدد حالة الاستحياء التي عاودتني وقد كان هو الآخر متواضعاً وهادئاً يأخذك بعذوبة حديثه وبابتساماته التي تكسر الحواجز التي عادة ماتكتنف اللقاءات التي تجمع الصغار بالكبار .
آخر زياراتي له كانت بعد نشر قصته في الشرارة ((ماهو السؤال))التي أثارت ضجة وجدلاً كبيراً في الشارع  والتي دفعت الكثير أن يفتشوا في ثناياها عن الرسالة التي يوجهها بامطرف الى القارئ.
بامطرف يكتب القصة التي يكتبها الكتاب الغربيون  الكلاسيكيون وهي تلك التي ترتكز على المقدمة والعقدة والخاتمة . تجلى ذلك في مااطلعت عليه من قصصه القليلة مثل ( المتبتل ) التي نشرت في ( الطليعة ) باسم (أبو حضرم) إلى جانب قصة (سر الاسم) المنشورة في الشرارة في سبعينات القرن الماضي و ((ما هو السؤال التي نشرتها الشرارة في الثمانينات)).
وهو حسب قوله يكتب القصة لامن أجل أن يغدو قاصاً بل بهدف تعريف كتّاب القصة من الشباب كيف يكتبون القصة بشكل أفضل وفق تكنيكها الصحيح وما ( قصة القصة) التي نشرها في منتصف السبعينات في الملحق الذي أصدرته الشرارة بمناسبة انعقاد المؤتمر التأسيسي لاتحاد الادباء والكتاب اليمنيين الذي عقد في عدن ، تؤكد ما ذهب إليه.