العلاقات الثقافية بين اليمن والمملكة العربية السعودية
السبت 31/5/2008-
موقع محافظة حضرموت / صالح باعامر

إن أية علاقة بين الأخ وأخيه إن لم تتوطد بعدة عوامل تعدو علاقة هشة
وقابلة للفتور ومن ثم إلى الانقراض . من هذه العوامل توافق المصالح
والخصوصيات المادية والثقافية ...
وتبادل الحاجات الروحية والمشاركة الحقيقية بكل تجلياتها في كل أوجه الحياة الفكرية والفلسفية والفنية التي تواكب التفاعلات المعتملة في الكون العالم جدلياً بالمصالح العليا للوطن والمواطن مما يخدم علاقة الأنا بالآخر التي تجدد وجود الشخصية الإيجابية والشروط الحياتية لحياة هذه الشخصية ليغدوا وجودها وجوداً إنسانياً فعلياً . من هنا يتبين جلياً أن القضية الثقافية هي المعبرة عن الهوية فالقضية الثقافية هي النقطة التي تتمحور حولها كل القضايا التجارية والاقتصادية والاجتماعية . وإن كانت الأخيرة هي الحاجة المادية للإنسان إلا أنها لا تؤكد الشخصية الإنسانية إلا بالحاجة الروحية من ومنها الحاجة الثقافية التي غدت اليوم جزاً من الاقتصاد والصناعة .. كانت الجزيرة العربية بجناحيها الشمالي والجنوبي نقطة ضوء لنشر الحب والخير بين البشر ثم تحولت هذه النقطة إلى شعلة كونية بانتشار الإسلام في كل مكان . ودور الجزيرة العربية الثقافي لم يأت من فراغ لأنها كانت ملتقى للتجارة وممراً دولياً لقارات العالم وملتقى الشعراء في كل أنحاء الجزيرة ونقطة جذب لكل شعوب العالم القديم مما مهد الظروف الذاتية والموضوعية للتحول الإنساني .. كل ذلك كان له الأثر الإيجابي لانتقال البشرية إلى طريق الهدى وإلى أسمى المعاني النبيلة بظهور الدين الإسلامي الذي أنار الطريق لكل البشر في كل مكان وزمان والذي أسس مفاهيم ومعاني أكثر رقياً لم تأت مثلها لا من قبل ولا من بعد .. صار الإنسان أخ للإنسان وصار الكل مشارك في صنع الخير والمحبة والسلام والكل متساوي في الانتماء ولكل فرد الحق وكل فرد عليه واجب إزاء خالقه وعقيدته وإزاء ذاته والذات الأخرى دون تفرقة أو عنصرية أو تعال . كان شمال الجزيرة العربية يعج بالشعر الراقي الذي ارتقى بالذوق العام الذي كان وسيطاً ثقافياً وإعلامياً للناس . وكان للتجارة المزدهرة سبباً أساسياً في نمو الاقتصاد وتراكمه .. وكان جنوب الجزيرة العربية يمور بالعمران والصناعة والزراعة . وبمجيء الإسلام توحد الموجود وتطور وتوحدت الهوية والانتماء وانتبذت العرقية والشوفينية والتنابذ بالسيئات وتوطدت الرسالة وسادت حضارة وثقافة إنسانية وتطور الفكر إلى فلسفة وعلوم أكثر حداثة كانت وما زالت الينبوع المعرفي لكل البشر . ولولا الانشغال ببعضنا البعض ولولا العيوب التي نخرت فينا لما تقوقعنا وانكمشنا وانكفأنا وغدونا اليوم عبيداً بعد أن كنا سادة العالم .. ولما ظهر الأعداء القدامى الجدد الذين يرتعون اليوم كيفما شاءوا يحيكون المؤامرات للنيل من مقدراتنا المادية والروحية . ونتيجة للوهن الذي أصابنا بعد الانحطاط وصلنا اليوم إلى ما وصلنا إليه ، فأخذ غيرنا كل إبداعنا وإنتاجنا مادياً وفكرياً وفلسفياً وصاغوه من جديد وصدروه إلينا .. وصار كل شيء ينتسب إليهم وخاتمة المطاف تحويلنا إلى فرق متنازعة ودويلات ضعيفة . واليوم وبعد الصحوة وإعادة الروح نحاول الاستيقاظ لنجدد منم أحلامها لاستئناف دورنا للاستفادة من العصر وعلومه ومما جاء به المحدثون مع التمسك بهويتنا وروح ديننا ومما بدأه الأولون في كل مناحي الحياة والفكر والعلوم والفلسفات . إننا هنا ننوه إلى أن أية بداية بالنسبة للجزيرة العربية لا يمكن أن تنجح إن لم يحلق جناحيها شماله وجنوبه ليتم التحليق بشكل طبيعي . هذين الجناحين هما اليمن والسعودية ودول مجلس التعاون العربي اللذين هما الأكثر قرباً من الناحية الجغرافية وأكثر إيغالاً في التاريخ والتي دخلت الإسلام قبل غيرها ونشرته في كل أصقاع العالم . فالجزيرة وحدة واحدة ومآثرها وأعلامها واحدة وما أنبئت به الأرض من كنوز وآثار ونقوش ومخطوطات تدفعنا أن نتوجه نحو هدف واحد وقبائلنا واحدة وإعلامنا وفقهاؤنا وعلماؤنا وثقافتنا وفنوننا ، هذا ما كان في الماضي . أما في القرن العشرين اتسمت العلاقة بين اليمن والسعودية بالعديد من السمات والمزايا رغم المنعطفات الطارئة .. وكانت العلاقات الثقافية هي الأبرز وقد اتخذت مسارات عدة . وإن الأكثر ظهوراً للتجارة والاقتصاد ثم التعليم من خلال تبادل البعثات التعليمية ثم تبادل الوفود الثقافية والمهرجانات والمؤتمرات الأدبية وتبادل الكتاب والبرامج الإعلامية والثقافية إذاعية وتلفازية . إلى جانب اللقاءات والزيارات بين الأدباء والعلماء والمثقفين والمؤرخين والباحثين بغض النظر عن أي تباين فكري أو أيدلوجية كانت . وهناك العديد من الشخصيات الأدبية والفكرية والثقافية التي أثرت تأثيراً مباشراً أو غير مباشر في وعي الأجيال داخل اليمن والسعودية ومناطق الخليج لا سيما في مختلف العصور والعقود ومن أبرزهم : محمد محمود الزبير ، عبد الرحمن بين عبيد اللاه ، الشوكاني ، أبو بكر بن شهاب ، علي أحمد باكثير ، صالح الحامد ، البردوني ، أحمد الجاسر ، عبد الرحمن منيف ، المقالح ، عبده يماني ، القصيبي ، الزنداني ، محمد عبد القادر بامطرف ، محمد عبد القادر بافقيه ، محمد عبد الولي ، تركي الحمد ، الغذامي ، أحمد جابر الأنصاري والعديد من الأدباء والنقاد والكتاب والفنانين الذين لا نستطيع حصرهم . وتشهد اليوم الجامعات ومراكز البحث والدراسات حياة ونشاط إلى جانب الاتحادات الأدبية والأندية والجمعيات والمنتديات التي تؤسس لمستقبل باهر للمنطقة على كافة أوج الحياة . وخلال العقد الماضي شهدت عدد من المدن تبادل الوفود والزيارات من خلال الجامعات والمهرجانات الثقافية وأبرزها مهرجان صنعاء وعدن والمكلا والجنادرية والمؤتمرات الأدبية . كل ذلك خلق حراكاً ثقافياً تعيشه البلدان على كافة المستويات الثقافية والسياسية والاقتصادية والسياحية التي أثرت تأثيراً إيجابياً في تقريب الهوة وسد الفراغ الثقافي الذي كانت تحتاجه المنطقة . ولم يقتصر هذا الحراك على مستوى اليمن والسعودية وحسب بل أيضاً على مستوى مجلس التعاون . إن آفاقاً رحبة تنتظر بلدينا والمنطقة بأسرها في ظل الظروف والمتغيرات العالمية التي تتحد فيها الشعوب والدول على المستوى القاري لمواجهة التحديات على كافة المستويات .
** صالح باعامر
|