أثار قرار البنك المركزي اليمني القاضي بتخفيض نسبة الإحتياطي الإلزامي للبنوك التجارية على ودائع الريال من 10ـ7 % وإلغاء نسبة الفائدة على الأحتياطي، حفيظة البنوك التجارية التي رأت أنها ستتعرض لخسائر مالية مفاجئة كانت تتحصل عليها من تلك الفائدة.
وفيما إعتبر البنك المركزي اليمني فيه هذا القرار بأنه يصب في مصلحة البنوك التجارية والإسلامية العاملة في اليمن على حد سواء، إلا أن البنوك التجارية لم تقابله بالتأييد بحجة ما سينتج عنه من عواقب سلبية تؤثر على مستويات ادائها المالية خلال المرحلة القادمة.
ومن جانبهم رأى خبراء إقتصاديون أن هذا القرار خطوة في الإتجاه الصحيح للدفع بالبنوك التجارية إلى توسيع عملياتها المصرفية، فضلاً عن أن البنك المركزي اليمني سيتخلص بموجب القرار من الاعباء المالية التي كان يدفعها كفوائد للبنوك على إحتياطياتها الإلزامي.
وقضى قرار البنك المركزي اليمني الذي صدر مؤخراً بالغاء نسبة الفائدة التي كان يمنحها على إحتياطيات البنوك الإلزامية والمقدرة بـ 10 % وكذا تخفيض نسبة الإحتياطي الإلزامي على ودائع الريال إلى سبعة بالمائة.
كما تضمن القرار تخفيض نسبة الإحتياطي الإلزامي على كلاً من الحسابات الجارية او تحت الطلب او الودائع الثابته او الألتزامات المشابهة بدون إستثناء.
مبررات القرار
يقول وكيل البنك المركزي المساعد لقطاع الرقابة على البنوك نبيل المنتصر: أن مبررات إتخاذ القرار هو تحرير جزء من أرصدة هذه البنوك بما يمكنها من تشغيل هذه المبالغ في السوق كقروض للمستثمرين وغيرهم التي ستعود عليها بالفائدة المناسبة.
وأضاف" أن القرار يصب في مصلحة البنوك التجارية حيث ستتمكن من تحرير نحو 17 مليار ريال من الإحتياطيات الإلزامية، كما أنه يهدف أيضاً إلى المساواة بين البنوك التجارية والإسلامية لأن الأخيرة وبحسب نظام عملها القائم على الشريعة الإسلامية لا تتقاضي أي أرباح على مبالغ إحتياطياتها الإلزامية من البنك المركزي لأنه يخالف نمط عملها المستند للفقه الشرعي".
وارجع المنتصر معارضة البنوك التجارية لهذا القرار لتخوفها من توسيع انشطتها الإستثمارية وتقديم القروض للمستثمرين وغيرهم.
وقال: للأسف اعتادت البنوك التجارية على جني أرباحها مما تتحصل عليه من العوائد التي يمنحها البنك المركزي والإستثمار السهل في أذون الخزانة، لذا لا غرابة من معارضتها حيال هذا القرار.
وبحسب المسئولين في البنك المركزي "فإن البنك هدف من خلال القرار التخلص من الاعباء المالية التي كان يدفعها كفوائد للبنوك على احتياطياتها الإلزامية". مبيناً أن البنك المركزي كان يدفع اكثر من ستة مليار ريال سنوياً كفوائد على تلك الإحتياطيات.
ردود الفعل
عقب قرار البنك المركزي عقدت جمعية البنوك اليمنية إجتماع لها في التاسع من ابريل الجاري حيث عبرت عن إنزعاجها للقرار المفاجئ موجهة رسالة لمحافظ البنك المركزي بشأن ذلك أكدت موقفها الرافض للقرار.
وحسب الرسالة التي حصلت وكالة الانباء اليمنية (سبأ) على نسخة منها فقد بررت الجمعية رفضها للقرار بما سينتج عنه من خسائر مالية ستتحملها البنوك التجارية بصورة مفاجئة.
وإقتراحت الجمعية على محافظ البنك المركزي في رسالتها تخفيض نسبة الفائدة الدائنة من 13 ـ11 %، معللة ذلك بإلغاء العائد على الإحتياطي بالعملة المحلية وإنخفاض عوائد اذونات الخزانة وتأثيره سلباً على إيرادات البنوك المرهقة "أصلاً بتكاليف التحديث والتطوير وتأهيل الكوادر البشرية للعاملين فيها".
كما إقترحت أن يكون تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي على ودائع الريال من 10 ـ 7 % بالنسبة للحسابات الجارية كما جاء في القرار مقابل تخفيض نسبة الاحتياطي على الودائع الثابتة وحسابات التوفير إلى 2.5% من النسبة الحالية البالغة 10 % أسوة بالدولة المجاورة.
وبحسب مصادر في جمعية البنوك اليمنية فإن البنك المركزي لم يرد على هذه المقترحات مستغرباً من التجاهل الذي تعامل معه البنك المركزي إزاء هذه المقترحات.
آراء الخبراء المهتمين
وفيما تعارض البنوك التجارية قرار "المركزي" بإلغاء الفائدة على إحتياطيات البنوك الإلزامية تباينت آراء الخبراء المهتمين بالشأن المصرفي في اليمن.
حيث إعتبر استاذ العلوم المصرفية بجامعة صنعاء الدكتور فيصل المخلافي قرار البنك المركزي بأنه خطوة في الإتجاه الصحيح مع أنه جاء متأخراً.
وقال المخلافي: إن اليمن كانت من البلدان القلائل التي تدفع فوائد للبنوك التجارية مقابل الإحتياطي الإلزامي للبنوك وأن هذا القرار سيوفر على البنك المركزي مبالغ طائلة كان يدفعها كفوائد للبنوك التجارية". معتبراً معارضة هذه البنوك للقرار تأكيدا لرغبتها الجامحة الاستمرار بالاعتماد على مائدة الحكومة.
وتسائل الدكتور المخلافي عن جدوى هذا القرار بالقول" هل سيتحقق هدف البنك المركزي في تحرير جزء من ارصدة البنوك لديه من اجل تقديمها للمستثمرين كقروض أم أن البنوك ستلجاء إلى إستثمارها في شراء اذونات الخزانة وهو ما سيجعلها تحصل على عائد يصل إلى 15% مقابل 10 % كانت تحصل عليها من فوائد الإحتياطي الإلزامي.
وأضاف:" تحفيز البنوك على الإتجاه نحو الأقراض والإستثمار بعيداً عن فوائد البنك المركزي التي تحصل عليها مقبل اذون الخزانة وغيرها يحتاج إلى علاج كلي من خلال إيجاد سياسة تشجيعية من شأنها تحفيز البنوك التجارية على الإستثمار في مختلف الأنشطة التجارية وتقديم القروض للمستثمرين.
وقال: أعتقد أن البنك المركزي لو استطاع إيجاد الوسائل التي تضمن للبنوك التجارية إسترداد اموالها من المقترضين فإن الأخيرة لن تنتظر عوائد الـ10% على الإحتياطيات الإلزامية او نسبة الـ14% من فوائد اذون الخزانة إذا ما قارنا تلك النسب بنسبة الـ18 ـ20 % التي تتحصل عليها من فوائد القروض الممنوحة للمستثمرين.
كما تسائل الدكتور المخلافي عن كيف سيتم تشجيع البنوك للإستثمار وتقديم القروض للمستثمرين في اليمن في الوقت الذي يستثمر "المركزي" أمواله في الخارج من اجل سداد الفوائد المترتبة عليه للبنوك التجارية.
وأعتبر أن البنك المركزي للأسف لايقوم بدورة كأب مرشد للبنوك المحلية كما هو الحال في مختلف الدول، مرجعاً السبب إلى إنحرف مساره الأساسي جراء تقوقع جهوده حول قضية الحفاظ على استقرار سعر العملة المحلية على حساب دورة الأساسي كأب للبنوك المحلية.
من جانبه إعتبر عضو مجلس الشورى الدكتور محمد افندي ان القرار وإن كان سيحرر جزء من ارصدة البنوك التجارية بهدف تمكينها من توسيع عملية الإقراض وتمويل مشاريع المستثمرين، إلا أنه امر غير مجدي لأن المبالغ التي سيتم تحريرها بموجب القرار زهيدة جداً لاتكفي لتمويل مشروع متوسط واحد.
وقال: لا اعتقد أن البنوك لن تقدم على توسيع مجال الإقراض في اليمن لأن نسب المخاطر على استرداد اموالها ما تزال عالية جداً.
وأضاف:" البنوك التجارية انكفت على الاستثمار في اذون الخزانة لأنها تحصل على فوائد تصل إلى 15 % دون ان تجهد نفسها بالإستثمار في المجالات الإستثمارية وتمويل المستثمرين. ولو لم تكن البنوك التجارية متخوفة صعوبة إسترداد اموالها لمارسة الأنشطة الإقتصادية والإستثمارية ولوسعة من عملية إقراض المستثمرين من مدخراتها واموالها الكبيرة ولن تنتظر حتى يتم تحرير 3 بالمائة من ارصدتها للقيام بهذا الهدف".
الجدير بالذكر أن البنك المركزي اقر التراجع مؤخراً عن قرار رفع الاحتياطي الإلزامي من 10 ـ30 % الذي اتخذه العام الماضي على الودائع بالعملة الأجنبية وخفضها إلى 20 % مؤخراً وهو ما أعتبره المراقبين للشأن المصرفي اليمني حالة من التخبط يعيشها مسؤولي البنك المركزي الناتجة عن عدم إدارك أهمية القرارات وما الهدف من إتخاذها قبل صدورها.
واكدوا أن مثل هذه القرارات المتسرعة تنعكس في الغالب بصورة سلبية على البنوك التجارية نظراً لما تسببه من ارباك كبير لكافة البنوك في اليمن قد تؤدي مستقبلاً إلى تقليص المودعين لأموالهم فيها. ومشددين بأن على البنك المركزي إدراك أهمية التعامل مع البنوك التجارية كشركاء وليس كتابعين فقط تملى عليهم القرارات بصورة فجائية غير مستندة على الدراسة الواعية والمستفيضة قبل صدورها.
واعتبروا أن تحسين أداء النشاط المصرفي للبنوك يحتاج إلى رؤية اعمق مما يدركها مسؤولي البنك المركزي.