الذهب الأخضر
الثلاثاء: 26 يوليو 2022م- المكلا/ موقع محافظة حضرموت /بقلم / أحمد باصهي
أكتب هذه السطور عن أهمية الزراعة في بلادنا مع علمي بأن هناك عشرات الشباب المنخرطين في مشاريعهم الزراعية الخاصة من مزارع ومشاتل وبيع أسمدة أو مستلزمات زراعية في طول البلاد وعرضها ، فالجميع يدرك أهمية الزراعة ولكنها تبقى في الغالب جهودا فردية متناثرة لم تحظَ بالاهتمام اللازم من مؤسسات الدولة ولا المستثمرين الذين اقتصر اهتمامهم أو كاد على المشاريع العقارية ومراكز التسوق ومشاريع الترفيه وكل مايدرُ ربحاً سريعاً وهي بلا شك مشاريع يحتاجها الناس ولكنّ التوازن والتخطيط يظلان مطلوبَين .

بل إنّ من أفراد المجتمع من حوّل فناء بيته إلى حديقة غنّاء،وظلالاً وارفة وهي جهود مباركة يستحق أصحابها الإشادة والتقدير ..
ورغم هذا الزخم والإهتمام إلا أنه لا ينصهر في بوتقة واحدة تتجمع فيها الجهود الريادية والأفكار الخلّاقة والمحاولات الجادة لتشهد بلادنا نهضة زراعية مستدامة وقابلة للتقييم والتطور وهذا لن يكون إلا بعزم وتصميم الدولة - رغم ضعفها- ومعها المجتمع بعد ذلك يلتقط هذه السانحة ويغير في أنماط اتجاهات المستثمرين لتتجه نحو الإستثمار الزراعي و في أنماط سلوك المستهلكين ليأكل الناس مما يزرعون ومما يتفق وطبيعة منتجات الأرض التي يعيشون فيها فليس من المعقول أن يكون إجمالي تحصيلات البنك المركزي من مزادات بيع العملة الصعبة خلال فترة 6 شهور تقريبا بلغت حوالي 24 مزادا قدرت ايراداتها بمبلغ 466 مليون دولار ذهبت في مجملها لتغطية واردات الغذاء ، فبلادنا مثلا لايزرع فيها الأرز ومع ذلك نستورد منه كميات هائلة وبأسعار مرتفعة خصوصا في أُتُون موجة التضخم العاتية التي تجتاح العالم بأسرِه فنتخذ منه وجبة رئيسية خلافا للمعمول به في باقي بلدان العالم التي ضبطت إيقاع وسلوك أنماط الاستهلاك لشعوبها فجعلت ممالايُزرع فيها في مرتبة ثانوية في سلة الاستهلاك اليومي من خلال التوعية والسياسات المالية والنقدية والإجراءات الضريبية والجمركية التي تُعلي من شأن المنتَج المحلي وتشجع المزارع بأن يجد سوقا رائجة ومنصفة لبيع منتجاته.
أجهزة الإرشاد الزراعي ومكاتب وزارة الزراعة سواءً في الوادي أو الساحل وقد انتسب إليها خيرة أبناء البلاد خلُقاً وانضباطا إلّا أننا لا نكاد نسمع لها صوتا أو برامج وزيارات ميدانية لإرشاد المزارعين والوقوف على المصاعب التي تواجههم وتقديم بحوث علمية لإيجاد بدائل وأساليب زراعية تواكب ما وصلت إليه البشرية في هذا المضمار المشاريع التعاونية والمساهمات
ممايستحق الإشادة كذلك ظهور بعض الأفكار الجميلة في إنشاء وتأسيس بعض المشاريع بطريقة المساهمات المغلقة لبعض المشاريع الخدمية والتجارية وتوزيع رأس المال على شكل أسهم وهناك نماذج ناجحة نراها تتقدم ونرجوا لها مزيدا من النجاح والأرباح.
بل أن مما لاتخطئه عينُ المتابع كذلك أن فكرة المساهمات وتوزيع تكلفة المشاريع آخذة في الإنتشار حتى شملت بعض المشاريع غير الربحية كبناء المساجد وبعض المبرات الخيرية وهذا تطور جيد ومنحى إجتماعي يجب أن يُبنى عليه ويُنحى نحوه
في مجال الإستثمار الزراعي وإنشاء وتأسيس التعاونيات والجمعيات الزراعية وكل مايتعلق بالزراعة من أسمدة وآليات ونقل وتسويق منتجات الزرّاع مما سيدفع بهذا القطاع الحيوي إلى الأمام وهو محرّكٌ من محركات الحياة وتغييرها إلى الأفضل بأذن الله لو وُجدت البيئة المناسبة والمشجّعة له وأول ذلك عدم تدخل الدولة التدخل السلبي في هذه المساهمات أو الوصاية عليها كما حدث في عصور سابقة فكبح جماح كل نهضة ووأدها في مهدها .
كما أن حلحلة بعض المنازعات على الأراضي بين بعض العائلات وتحويلها إلى أصول تشاركية كلٌ حسب حصته التي آلت إليه بالإرث أو بسواه من أشكال الحيازة والملك ، سوف يشجع الناس على الفكاك من حالة الإحباط وانسداد الأفق التي تلبستهم نتيجة لتلك المشاكل والمعظلات التي أعتاصت فيها الحلول وكثر التمحل حولها وهو ما يأتي في سياق معركة الوعي وإعادة فرز الإهتمامات التي أشرنا إليها في مقالات سابقة كمخرج من أزمتنا الراهنة .
حتى تشهد الزراعة النهضة المنشودة والصورة المبتغاه، هناك عدة عوامل ليس أولها أسعار الوقود والتلاعب بها وبالحصص المخصصة للمشاريع الزراعية من قِبل متنفذي السلطة والجاه وليس آخرها صعوبة نقل وتسويق المنتجات الزراعية مما يضطر المزارع الى بيعها بثمن بخس دراهم معدودات أوتصديرها لما وراء الحدود ليستفيد من بيعها الوسطاء في ظل غياب شبكة تسويق متكاملة . إنها بالفعل مُشكلاتٌ معقدة لذلك تحتاج إلى جهد مكافئ ونقاش مستفيض من المختصين والخبراء والعاملين في الحقل الزراعي وماحسبُ العبد الفقير إلا أن يبث زفرة همّ لذوي الألباب والنُهى عسى أن يلقى هذا الأمر مايستحقه ويليق به من اهتمام.