الحضرمية بين الماضي والحاضر
الجمعة : 11/1/2008-
موقع محافظة حضرموت/ليلى غانم

المرأة قديماً هي أساس الحياة ، بل هي الحياة وسبب تطور الإنسان عندما
كانت هي اللبنة الأساسية للأسرة عندما كانت تنسب إليها العائلة . لم يتقلص
دور المرأة إلا بعد أن تطورت أساليب الحياة المادية وبروز دور الرجل لما
اتسم به من قدرات جسدية وعضلية لا تتوفر لدى المرأة وبعد أن نظمت
المعتقدات الوضعية والسماوية الحياة . حينذاك اكتشفت طرقاً جديدة للعيش لا تستطيع المرأة القيام بها مثل حرث الأرض وزراعتها بينما هي كانت لا تقوم بسوى قطع الأشجار والرعي وغيرها من الأعمال التي تستطيع أدائها . والذي يؤكد لنا هذه النتيجة هو ما تبقى من تلك المظاهر التي كان للمرأة دوراً رائداً في الأسرة ما نسمعه ونراه في بعض المناطق الشرقية من المهرة إلى وقت قريب وهو أن المرأة هناك لا زالت تستخدم الرجل في البيت فنجدها لا تفعل شيئاً سوى التزين للرجل الذي يقوم بأداء عمل البيت بما فيها الاعتناء بالأطفال وإعداد الطعام إلى جانب أدائه العمل خارج المنزل وهذا يدل على أن المرأة كانت هي السيدة وهذا النموذج ما هو إلا مثال فقد يكون شيئاً من هذه المظاهر موجوداً . إذن لم يتقلص دور المرأة إلا بعد ظهور حياة جديدة بعد صراع القوي ضد الضعيف وهيمنة الضعيف على الأضعف وتوطيد حياة الإنسان الجديدة في العصور المتأخرة . وبما أن المرأة هي الأضعف هيمن الرجل عليها وهكذا سارت الحياة وصارت المرأة عالة على المجتمع بعيداً عن الحياة الاقتصادية والإنتاجية نتيجة للنظرة القاصرة عند البعض لفهم جوهر الدين بينما تطور دور الرجل علمياً وعملياً وحدث البون الشاسع بين الرجل والمرأة التي غدت لا تفقه شيئاً سوى خدمة الرجل وتوفير حاجته . ولم تجد المرأة من منقذ سوى الدين الإسلامي الذي أعطاها حقوقها وأكد على واجباتها وأعطاها حقها في العلم والحديث الشريف يقول : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) . وهذا يؤكد لنا أن تاريخنا الإسلامي أفسح المجال للمرأة إلى حد أنها ساهمت في الحروب لنصرة الإسلام بل والقيام بالإرشاد والإفتاء . واليوم نرى المرأة قد أخذت دورها في الحياة السياسية والاجتماعية في ميدان العلم والعمل فنجدها عالمة وعاملة بل وتمثل دوراً بارزاً في إدارة شؤون الدولة فنجدها وزيرة وطبيبة وأستاذة وأديبة ومهندسة ومديرة أعمال ومحاسبة . ولقد شهدت المرأة في بلادنا تطوراً كبيراً برغم التخلف والنظرة الاستعلائية من قبل بعض الرجال . إلا أنها نالت بعضاً من حقوقها وهي اليوم تشارك مشاركة فعالة في السياسة وإن كانت بصورة متدرجة ونجدها تؤدي دورها ففي الانتخابات الأخيرة شاهدنا كيف كانت مشاركتها الإيجابية إذ أن نسبة اللواتي انتخبن وصل إلى 45 % من عدد الناخبين . ولأهمية المرأة اهتمت الدولة بالتشريعات التي تكفل حقها وتفتح أمامها المجال واسعاً لتنشئتها وتطوير قدراتها وكان الفضل الأول والأخير بعد الله للثورة اليمنية وكانت الانطلاقة الكبيرة للمرأة اليمنية لإيمان الدولة بقدراتها وحيويتها على اعتبار أن المرأة نصف المجتمع ولا حياة حقة إلا بتعاون الرجل والمرأة معاً من أجل تطور الوطن ولقد أثبتت التجربة أن المرأة يمكن أن تحقق الشيء الكثير للوطن وإلا لما حكمت بلقيس أو أروى بنت أحمد الصليحي ولما تولت العديد من النساء الملك في كثير من بلدان العالم . إن تتبع تاريخ المرأة أثبت قدرتها وجدارتها وهذا يدحض القول الذي يقول أن المرأة مخلوق ناقص . وكان للمرأة في حضرموت دوراً اجتماعياً بارزاً ويكشف لنا التاريخ أن ثمة مخطوطة ألفتها امرأة بوادي عمد ورد هذا في مخطوطة ( قوت المحتاج في شرح المنهاج ) وهذه المخطوطة تتكون من عدة أجزاء كتبت بدقة وإتقان وهذا دليل قاطع على أن المرأة لا ينقصها شيء حتى تصل إلى مستوى أفضل مما عليه ، كما أن هناك ربيعة سليمان التي أسست بمجهودها مدارس للبنات لتعليم الفتاة القراءة والكتابة قبل أكثر من ستين عاماً .ونتيجة لتغير المقاييس في وقت من الأوقات كانت النتيجة تقلص دور المرأة . واليوم وقد غدت المرأة مشاركة في الحياة الاجتماعية خرجت إلى الميدان وعملت عاملة وموظفة وأستاذة ومسئولة في الدولة وصارت لها طموحات كبيرة يمكن أن تفوق طموحات بعض الرجال . فنجدها تتوق إلى رؤية العالم لترى ما يجري فيه وهذا يذكرنا بزيارة الرحالة والباحثة الأجنبية في التاريخ" فريا باستارك " عندما زارت اليمن في الثلاثينيات من القرن الماضي مرت بمنطقة بئر علي وقابلت امرأة محجبة تبادلت معها الحديث وعبرت عن رغبتها في السفر مثل لترى العالم شريطة أن تدخل صندوق به ثقب لترى من خلاله العالم دون أن يراها أحد . إن هذه المرأة تحدثت بتلقائية وبساطة لتخلص نفسها من الأسر الاجتماعي ومرت السنين وانتصرت الثورة وخرجت المرأة اليمنية من أسرها وطافت بلدان العالم لتكمل تعليمها أو تمثل بلادها . إن المرأة اليمنية اليوم تمكنت من دخول معركة الحياة بوعي دون أن تفرط في عاداتها وتقاليدها الحميدة ولم يمنعها من التعليم أحد ومن العمل والنشاط السياسي وكانت فدائية ومناضلة وسياسية . وقد برز دورها في حضرموت عندما خرجت في المظاهرات ضد الاستعمار البريطاني في الستينيات من القرن العشرين وهتفت بانتصار الثورة في الجنوب . وفي عام 1968م استطاعت أن تؤسس اتحاد النساء بحضرموت الذي من خلاله وجدت متنفساً لتعبر عن رأيها وتعالج قضاياها . كما لعبت دوراً في المساهمة في تحرير أختها من الأمية وهي بذلك تقتدي بمن سبقها من الرائدات أمثال رائدة التعليم في حضرموت الأستاذة فاطمة عبد الله الناخبي . من كل هذا تتأكد لنا حقيقة وهي أن المرأة قديماً وحديثاً كان لها الدور الكبير في كل أوجه الحياة بما لا يتعارض وديننا وتقاليدنا وعاداتنا ولقد كان للعلماء والمثقفون الدور المستنير لانتشال المرأة من جهلها وواقعها المتخلف لبناء الوطن تحت راية الوحدة بقيادة الرئيس علي عبد الله صالح .
ليلى غانم – المكلا الهيئة العامة للآثار والمتاحف م / ح
|